رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المحاولة الثورية السودانية.. ودروس الماضي القريب!


أود في البداية أن أؤكد أنه مهما حاول البعض تشويه ما حدث في تونس ومصر منذ ثماني سنوات فيما عرف بثورة الياسمين بتونس وثورة يناير بمصر، فإنهما سيظلان محاولتين ثوريتين حقيقيتين، في إطار كل ما حدث من مؤامرة على الأمة العربية تحت مسمى الربيع العربي والذي هو بالأساس ربيع أمريكى صهيونى بامتياز.


ومع حلول الذكرى الثامنة لثورة الياسمين في تونس ويناير في مصر تشتعل النيران في السودان الشقيق في محاولة ثورية جديدة تشبه إلى حد كبير الياسمين ويناير، فالفقر والقهر والظلم والاستبداد عنوانها، لذلك ترفع نفس الشعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وتطالب بإسقاط النظام ورحيل البشير، وبالطبع الأيدى الأمريكية الصهيونية جاهزة، والجماعة الإرهابية تتحين الفرصة للانقضاض على السلطة، ورموز السلطة الفاسدون يحاولون الاستمرار بأى شكل، دون أي محاولة لتعديل السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت الشعب للخروج.

فما حدث في ليبيا مثلا مؤامرة واحتلال للاستيلاء على نفطها وخيراتها، وما حدث في سوريا هو أيضا مؤامرة للنيل من استقرارها واستقلال إراداتها السياسية والوطنية واكتفاءها الذاتى ودعمها للمقاومة، وبالتالى ما نطلق عليه ثورة ليس بالطبع كل ما حدث في الوطن العربي، وما نطلق عليه مؤامرة هو أيضا ليس كل ما حدث في الوطن العربي، لذلك يجب التفرقة بين ما حدث ويحدث داخل كل بلد عربي بشكل منفرد، واضعين في حساباتنا الخصوصية البنائية والتاريخية لكل مجتمع.

فمقولة الربيع العربي كلمة مضللة ومقولة الربيع العبرى ردا عليها مضللة أيضا إلى حد كبير، فالتعميم خاطئ، لذلك وجب التنويه والتفرقة. ومع اعترافنا وتأكيدنا على أن ما حدث في تونس ومن بعدها مصر هي محاولات ثورية حقيقية لها أسبابها ودوافعها وبواعثها، إلا أن هاتين المحاولتين لم يخلوا أيضا من محاولات إفسادهما بواسطة القوى الإمبريالية العالمية الأمريكية الصهيونية، حيث استخدمت هذه القوى بعض الجماعات الإرهابية بالداخل التونسي والمصرى من أجل ركوب الثورة والاستيلاء عليها..

وهو ما حدث بالفعل، وسعت بعد ذلك القوى الثورية ومعها الجماهير الشعبية لتصحيح مسار ثورتيهما التي ركبتها جماعات الإسلام السياسي الممارسة للعنف والتطرف والإرهاب.

إن الثورات لا تحدث من فراغ بل هي نتيجة طبيعية لقهر الشعوب بواسطة حكامها، وفشل الحكومات في تحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة للمواطن، واتساع الفجوة بين المواطنين فيما نطلق عليه عملية الفرز الاجتماعي حيث يزداد الفقراء فقرا مقابل ازدياد الأغنياء غنى، وحين يشعر المواطن بأنه لم يصبح له كرامة في وطنه هنا يبدأ البحث عن بديل. 

وعندما تغلق أمامه كل البدائل المتاحة وينفد صبره تبدأ النيران تشتعل في نفسه ومن هنا تبدأ الثورة على القهر والظلم والاستبداد، وهو ما حدث للشعبين التونسى والمصرى تحت حكم زين العابدين بن على وحسنى مبارك، لذلك كان الانفجار الشعبي الذي خرج في ديسمبر 2010 في تونس ويناير 2011 في مصر مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

وبالفعل تمكنا في غضون أيام قليلة من الإطاحة برموز النظامين في إطار ثورتين سلميتين أذهلتا العالم، ومن بعدها بدأت المخططات والمؤامرات تحاك ضد الشعبين والبلدين لإفساد ما حدث، وحرمان الشعبين من تحقيق مطالبهما المشروعة في العيش الكريم داخل وطنهم.

لكن وعلى الرغم من مرور ثمانى سنوات على المحاولتين الثوريتين التونسية والمصرية ما زال الشعبان يشعران بمرارة شديدة ومعاناة على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، وحتى اللحظة لم يتحقق للمواطن البسيط الحد الأدنى من الحياة الكريمة، ولا توجد بالآفاق بوادر انفراجة لتحقيق أحلام الفقراء والكادحين والمهمشين والمظلومين والمكلومين في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.

نتيجة أن من وصل للسلطة في تونس ومصر هي الجماعة الإرهابية وهو ما تطلب خروجا شعبيا سريعا عليها، وعندما تم الإطاحة بها من سدة الحكم في تونس ومصر كانت فلول النظام القديم جاهزة لبعثرة الأوراق والعودة مرة أخرى، فلم تظهر بنفسها في المشهد بل استخدمت رجال الصف الثانى والثالث من الوجوه غير المعروفة ليحلوا مكانهم في أروقة السلطة، وينفذون أجندتهم القديمة.

وعندما حاول الجيش الدخول لضبط الإيقاع كان عليه أن يدخل معركتين في ذات الوقت، المعركة الأولى ضد الجماعة الإرهابية المدعومة أمريكيا وصهيونيا ولديها أوراق ضغط بالداخل والخارج، ولازالت تمارس عملياتها الإرهابية المجرمة عندما تجد أن هناك استقرار نسبي بدأ يتحقق، والمعركة الثانية ضد رموز الفساد المدعومين أيضا أمريكيا وصهيونيا وهى المعركة الأشرس والتي لم يتحقق فيها نجاحات واضحة.

لذلك ما زال الشعبان يشعران بعدم تحسن أحوالهم المعيشية، ولازالت فلول النظام القديم تسيطر على مفاصل الاقتصاد الوطنى إلى جانب تغلغلها داخل السلطتين التنفيذية والتشريعية وبذلك حرم المواطن من أي ثمار لمحاولاته الثورية التي انطلقت منذ ثمانى سنوات.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي انحيازه الكامل لثورة يناير وللفقراء والكادحين في كل خطاباته إلا أن المشكلة في المؤسسات التي تعمل عكس ما يقول الرئيس، لذلك لا بد من التحرك السريع لمواجهة رموز فساد نظام مبارك والإطاحة بهم من المشهد ووضع سياسات اجتماعية واقتصادية تأتى بنتائج سريعة يشعر بها المواطن قبل أن يصل لحد الانفجار، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
Advertisements
الجريدة الرسمية