رئيس التحرير
عصام كامل

شهادة بروفيسور «سامح مرقص»


الدكتور "سامح مرقص" أستاذ الأشعة التشخيصية بجامعة شيفلد البريطانية، هو أحد الطيور المهاجرة منذ نيف وأربعين عاما، والتي تحمل هم الوطن وتعرض في كل حين خبراتها في محاولة إصلاح الأوضاع، التي وصل إليها بلدنا الحبيب.


ومع ظهور مقاومة لإرساء مبدأ الالتزام بالعمل في المستشفيات الجامعية، مقابل أجر الذي أتى به قانون تنظيم المستشفيات الجامعية، وصدور بعض الأصوات التي تحاول الدفاع عن استمرار الوضع الحالي، وبكل حجة ممكنة، لم يستطع الرجل السكوت وكتب كلمات ونشرها على صفحته الشخصية على فيس بوك، كشهادة صادقة ومحايدة وغيورة على الوطن، وأنقل الرسالة بنصها:

"أتابع باهتمام المناقشات الدائرة في الإعلام المصري ووسائل التواصل الإلكترونية، التي بها رفض انفعالي من بعض أعضاء هيئات التدريس بكليات الطب لقانون 19 لعام 2018، الذي أقره مجلس النواب بشأن تنظيم العمل في المستشفيات الجامعية.

لن أناقش تفاصيل القانون الجديد، حيث لا أمتلك المعرفة الكاملة بكل تفاصيله، ولكن أعتقد اعتقادا أكيدا أنه من الواجب تجديد النظام الإداري للمستشفيات الجامعية، وتقنين أوضاع الأساتذة، وكل أعضاء التدريس بالنسبة لمسئولياتهم الإكلينيكية، والبحثية والتعليمية والإدارية٠

الأوضاع الحالية لا يجب أن تستمر إذا أردنا بجدية تحسين مستوى التعليم الطبية، الخدمات الإكلينيكية وتقديم أبحاث علمية ذات قيمة دولية.

مع احترامي الكبير لأساتذة الطب في مصر، الكثير منهم أصدقاء أعزاء ولهم كل الاحترام، ولكن في تقديري ومن تجربتي بالعمل في المستشفيات الجامعية في بريطانيا يجب أن تكون إدارة كل المستشفيات العامة، والتي تشمل المستشفيات الجامعية والتعليمية تحت إدارة هيئة حكومية واحدة، حتى يكون هناك تماثل في الخدمات الطبية، مع توفير الاحتياجات الخاصة للمستشفيات الجامعية، للتأكد من وجود إمكانيات كافية للتعليم وللبحث العلمي.

في بريطانيا كل المستشفيات العامة والجامعية تحت إدارة هيئة الخدمة الصحية الوطنية، ولكن يوجد تمثيل قوي من الجامعات في المستشفيات التعليميه للتأكد من وجود تسهيلات كافية لتعليم طلاب الطب وكذلك للبحث العلمي. الجامعات لا تدير المستشفيات في بريطانيا، واعتبار المستشفيات الجامعية حالة خاصة تدار فقط بالأكاديميين لا يخدم المصلحة العامة.

المستشفيات العامة ملك للدولة وليست ملكا للأكاديميين، ويجب أن يكون هناك معايير واضحة وجيدة يتبعها الجميع لتقديم خدمات صحية متماثلة في جميع المستشفيات العامة، وخدمات تخصصية في المستشفيات الجامعية والتعليمية، ويجب الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة خاصة بريطانيا التي تقدم أحسن رعاية صحية مجانية.

في بريطانيا حيث أمضيت معظم سنوات العمل الكلينيكي في مستشفيات وزارة الصحة البريطانية لما يقرب من أربعين عاما، ثلاثون عاما منهم في مستشفى جامعي كبير كأخصائي ورئيس قسم وأستاذ جامعي لعدة سنوات، كل الأخصائيين والأساتذة يعملون حسب عقد عمل يحدد جميع المسئوليات، وتحدد الماهية حسب ساعات العمل المتفق عليها، وهذا العقد لا يمنع مزاولة الطب الخاص في أوقات الفراغ من العمل الحكومي، مع وجود حد أدنى لساعات العمل المخصصة للعمل الحكومي والجامعي، ولا أحد فوق القانون والمحاسبة من أكبر أستاذ إلى أصغر أخصائي.

كل المستشفيات العامة والتي تشمل المستشفيات الجامعية تخضع لقوانين الحوكمة الإكلينيكية، للتأكد من نوعية الخدمة في جميع مراكز العلاج، كل أخصائي وأكاديمي في بريطانيا يخضع سنويا لمراجعة عمله الكلينيكي والأكاديمي، رخصة مزاولة العمل تجدد كل خمس سنوات حسب إثبات ممارسة التعليم الطبي المستمر وتقارير المراجعة السنوية.

يجب أن نتفهم أن نجاح أي مؤسسة يجب ألا يعتمد على تصرفات شخصية، بل يجب أن يكون النجاح معتمد على قوانين تنظيمية عادلة تطبق على الجميع بدون تفرقة ونظام حوكمة، للتأكد من كفاءة المؤسسة والعاملين بها، لا أحد فوق المحاسبة، التفرقة عامل هام في فساد أي منظومة.

أخيرا، كل طبيب سواء كان أستاذا جامعيا مشهورا أو أخصائيا في مستشفى صغيرة في المحافظات، يجب أن يجمع بين المعرفة العلمية الرصينة والضوابط الأخلاقية الواضحة، يبدو لي أننا في مصر نكتفي في برامج التعليم الطبي بالتركيز على الناحية العلمية فقط، دون الاهتمام بالجوانب الأخلاقية، وكيفية التواصل الحساس مع المرضى.

في المملكة المتحدة، يقوم المجلس الطبي العام البريطاني بإصدار نشرات دوریة لمساعدة الأطباء في ممارسة عملهم المهني، على أعلى مستوى لخدمة المريض، ومن أهم هذه النشرات وثیقة بعنوان «الممارسة الجيدة لمهنة الطب» Good Medical Practice، هذه الوثيقة تقدم شرحًا وافيًا للصفات التي يجب أن يلتزم بها الطبيب ليقدم خدمة طبية ناجحة لمرضاه.

من الإرشادات المهمة الحرص على المراجعة الذاتية clinical audit بصفة دورية، كل القرارات الإكلينيكية يجب أن تكون مبنیة فقط على أدلة علمية رصينة، ومطابقة للإرشادات الإكلينيكية المتعارف عليها، الاحتفاظ بسجلات إكلینیكیة متكاملة للمريض يوثق بها كل ما تم من إجراءات علاجية وفحوصات تشخيصية، سلامة المريض هي مسئولية أساسية للطبيب، ويجب التدخل الفوري، وإخبار المسئولين إذا شعر الطبيب أن أوضاع مكان تقديم الخدمة الصحية، أو الأجهزة المستخدمة في علاج المريض، غير ملائمة وتهدد سلامته.

ويلتزم الطبيب بالحفاظ التام على خصوصية المشاورات الإكلينيكية مع المريض، وأسرته وكافة القرارات الإكلينيكية التي يتخذها الطبيب ينبغي أن تكون موضوعية، وليست بغرض تحقيق أي منافع شخصية، وبشكل عام يجب على الطبيب أن يكون صادقًا في كل تصرفاته، والالتزام بالموضوعية والصدق في تقديم الأبحاث العلمية.

هدف المقال هو طرح أفكار جديدة لتحسين أحوال الطبيب المصري، من خلال إصلاح التعليم الطبي، وقيم ممارسة الطب مع إدارة حديثة للمستشفيات الجامعية، من خلال تجربتي الشخصية الطويلة في بريطانيا، وتجارب الآخرين مع الدولة من المصريين في المهجر، بالمشاركة الإيجابية لحل مشكلات الوطن من خلال خبراتهم في الخارج.

أخيرا، أتفهم ومتعاطف مع الصعوبات الكثيرة التي يواجها الأطباء في مصر في المستشفيات الجامعية وخارجها، بداية من أجور غير مناسبة، والعمل تحت ظروف صعبة للغاية، مع قلة الإمكانيات والتسهيلات، لتقديم خدمة طبية جيدة، الإصلاح سوف يحتاج وقتا وتعاون صادق من الجميع، والاهتمام بالصالح العام.
نتمنى جميعا الخير لمصر".

انتهت الشهادة، وأتمنى أن يستمع لها كل المصريين.
الجريدة الرسمية