رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

اصطدم بـ«هيكل».. و«انفتاح سداح مداح» أشعلت غضبه من بهاء الدين.. السادات والصحافة «معارك بلا انتصار»

فيتو

المعركة تلك المرة لم تكن تتطلب خطة خداع إستراتيجي، ليس فيها رصاص أو طلعات جوية، ولا يمكن استخدام كل علوم الحرب من أجل الانتصار، ما نجح فيه أنور السادات عسكريًا لم يجدي في معركة أخرى خاضها مع الصحفيين، معركة أثبت التاريخ أنه خسرها باقتدار رغم معاركه الكثيرة والمتشعبة.


وتاريخ «السادات» مع الصحافة لم يكن وليد لحظة أو مهمة طارئة أوكلت إليه في بعض الأوقات، بل إن الصحافة كانت جزء من حياته اليومية كقاريء في البداية وصديق لبعض الأعلام الصحفية مثل صداقته مع موسى صبري وجلال الدين الحمامصي في أربعينيات القرن الماضي حين جمعتهم زنزانة واحدة وخطة هروب واحدة، ومرورًا برئاسته لتحرير صحيفة الجمهورية ثم رئيسًا له صحفيون وكتّاب.

بتلك النظرة يمكن التأكيد أن الرئيس الراحل لم يكن يومًا بعيدًا عن «مطبخ الرأي العام»، لكنه لم يكن يملك الألاعيب الجيدة التي تمكنه من الانتصار، أو ربما لم يتعرف على طبيعة الصحفيين في ذلك الوقت، ورغم ذلك فإن معاركه كانت كبيرة بداية من الصدام مع «هيكل» ومرورًا بصداقته مع موسى صبري ثم أنيس منصور وأخيرًا باعتقالات سبتمبر التي شملت الصحفيين في المقام الأول من حيث العدد.

هيكل والسادات
«تلاقينا واتفقنا واختلفنا كثيرًا وظللنا أصدقاء حتى جاءت حرب أكتوبر 1973 وانتهت، ثم تباعدت زوايا الرؤية لأن الرجل وجد بعد حرب أكتوبر أنه يستطيع تأسيس شرعية مختلفة تصدر عن مرجعية مختلفة، وهناك تباعدت الطرق، وكان طبيعيًا أن تتباعد وإلا نزلت العلاقة بين السياسي والصحفي من مستوى الصداقة لفكرة أو لمشروع إلى مستوى التبعية لرجل أو لسلطة»، هكذا وصف محمد حسنين هيكل خلافه مع الرئيس السادات، أما زوجة الأخير فقد قالت: «أراد هيكل أن يبقى الصحفي الأوحد وأنور السادات لم يكن يؤمن بذلك»، وما بين أقوال كثيرة تبقى علاقة «الرئيس» مع الأستاذ معقدة لدرجة كبيرة.


يوم رحيل الزعيم
في 28 سبتمبر 1970 رحل جمال عبد الناصر، وكان الجميع يتساءل من يخلف «الزعيم»، هناك نائبان أولهما حسين الشافعي وهو الأقدم، وآخر أنور السادات، لكن لغرض في نفس يعقوب اختارت الأغلبية الأخير رغم إنه في ذلك الوقت لم يكن له أي سطوة أو نفوذ داخل تنظيم الضباط الأحرار، لكن تشير بعض الوقائع أن «هيكل» كان له دور كبير في ذلك لأنه عُرض عليه أن يتولى منصب الرئيس المؤقت فرفض.

معركة مراكز القوى
ذلك التقارب بين «هيكل» و«السادات» دشن صفحة جديدة بين الرجلين، كان الأول يحتاج إلى استمرار دوره كرجل النظام الأول والمُخرج السياسي له بحسب وصف البعض، أما الرئيس فكان يريد رجل بقوة «هيكل» حسم معه معركة الرئاسة والآن يحسم معه معركة مراكز القومي.

في مايو 1970، وفيما أطلق عليه «ثورة التصحيح» والمقصود به قرار عدد من قيادات الدولة الاستقالة المفاجئة منهم وزير الداخلية ووزير الدفاع وقبل السادات استقالتهم في حركة مباغتة وعين بدلًا منهم آخرون، في وسط كل ذلك كان الصديق الأقرب لأنور السادات هو محمد حسنين هيكل الذي وضع كل ثقله خلف تلك الحركة، وأشار على الرئيس بالكثير من الأفكار التي توجت في النهاية لترسيخ حكم الرئيس السادات.

واستمرت تلك العلاقة حتى حرب أكتوبر المجيدة، وكان لـ«هيكل» أبرز الأدوار بكتابة التوجيه الأول الذي يُعلن فيه بدء الحرب، بجانب خطابات الحرب نفسها، كما شارك في خطة الخداع الإستراتيجي التي نفذها السادات ببراعة واستطاعت خداع أقوى أجهزة المخابرات العالمية.

بداية الخلاف
بدأ الخلاف مع بداية توجه الرئيس السادات لعقد اتفاقية السلام مع إسرائيل، اختلف «هيكل» وهاجم الاتفاقية بل وصف حرب أكتوبر لاحقًا بـ«اللانصر واللاهزيمة» وكانت البداية الحقيقية حين قرر الرئيس نقل «الأستاذ»، وانتهى هذا العداء باعتقال محمد حسنين هيكل في سبتمبر 1981، ضمن مجموعة كبيرة من السياسيين وقبل اغتيال السادات بشهر واحد.

لكن الكاتب الراحل موسى صبري، أحد المقربين من الرئيس السادات يكشف في مذكراته، أن السادات استطاع أن يكسب من هيكل أكثر من الأخير، وتمسكه به يعود إلى إنه في بداية الصراع كان محمد حسنين هيكل رقمًا مهمًا في المعادلة السياسية، ولم يتخلَّ عنه السادات بعد ذلك لأن قال لـ«موسى» أن «هيكل» يملك الكثير من أسرار علاقة جمال عبد الناصر بالأمريكان وهي أسرار لا يعرفها أحد، لذلك أبقاه السادات بجواره ليتعرف على كل ذلك وبمجرد أن وجد الرئيس طريقًا للتفاوض الدولي بعد حرب أكتوبر أنتهى دور محمد حسنين هيكل وتم استغلال موقفه من «كامب ديفيد» للإطاحة به.

ورغم الإطاحة المبكرة فإن ألاعيب «الجورنالجي» لم تختفي فتفرغ بعد ذلك لكتابة كتبه وأطلق مقولته الشهيرة حين غضب السادات منه «لقد عزلني من رئاسة تحرير الأهرام لكن لم يعزلني كصحفي، فالصحفي غير قابل للتقاعد»، وبما يملكه من أسرار استطاع «هيكل» أن يصنع أسطورته من خلال كتبه وعلاقاته المتشعبة، وكان اعتقاله رصيد يُضاف إلى تاريخه وقد ذهبت المواقف وبقى ما كتبه هيكل في كتبه مؤكدًا خطأ السادات، ويرى البعض أن الرئيس الراحل خسر من يؤرخ لفترته ويدافع عن قراراته مثل ما فعل «ناصر» مع «هيكل».

موسى صبري
«لقد أراد أن يجعل مني (هيكل)، وأنا أرفض ظاهرة الهيكلة»، ذلك ما كتبه نصُا الكاتب الصحفي موسى صبري في مذكراته التي حملت عنوان «50 عام في بلاط صاحب الجلالة»، ليكشف أن علاقته بالرئيس الراحل بدأت في معتقل الزيتون حين كان الإثنين معتقلين بتهم سياسية لتتوثق العلاقة بعد ذلك ويتولى «صبري» إدارة أخبار اليوم ليصبح واحد من ضمن الصحفيين الذين يرافقون الرئيس في الكثير من الرحلات أبرزها «كامب ديفيد» وليكون مدافعًا عن كثير من سياساته.

لكن تلك التجربة لم تستمر طويلًا وانتابها لحظات غضب ولم يستطع «صبري» أن يقف في موقف «الصحفي الأوحد»، ورغم تصريح للسيدة جيهان السادات تقول أن الرئيس الراحل كان يرفض ذلك، يرى البعض من أهل «الصنعة الإعلامية» أن موسى صبري لم يكن يملك مقومات «هيكل» ولو كان استطاع القيام بنفس الدور لم يكن لـ«أنيس منصور» دور بعد ذلك، وفي كل الأحوال لم تستمر العلاقة كثيرًا وإن كان من استفاد منها في الأصل «صبري».



أحمد بهاء الدين
كان يمكن أن يكون أحمد بهاء الدين هو الحصان الأسود للسادات، فالصحفي الذي أخلص لقلمه دائمًا وعرف حدوده مثال قوي لكن لا أحد يعرف من أخفق في فشل تلك العلاقة التي بدأت وانتهت دون شيء بل وفي بعض الأحيان كان هناك هجوم قوي.

القصة بدأت في عام 1973 حين غضب المثقفين من عدم خوض الحرب وأصدروا بيان شهير كان ضمن الموقعين عليه أحمد بهاء الدين الصحفي اللامع ورئيس اتحاد الصحفيين العرب، ورغم أن السادات تصادم معهم بالفصل فقد أعلن عودتهم في 28 سبتمبر 1973 أي قبل الحرب بأسبوع واحد.

إن كان هناك ما يثبت أن موقف «بهاء الدين» لم يكن سوى قناعة راسخة لديها، كتابع «تحطمت الأسطورة عند الظهر» الذي كتبه بعد انتصار أكتوبر مباشرة ليخلد فيها أسطورة الجنود المصريين وبعد ذلك الكتاب عادت المياه لمجاريها بين الرئيس والصحفي اللامع وإن كان ذلك لم يطل كثيرًا.

ويصف بهاء الدين في كتابه «محاوراتي مع السادات» ما حدث بعد الكتاب فيقول: بعد طرح الكتاب فوجئت بتليفون من رئاسة الجمهورية يبلغنى بموعد مع الرئيس «السادات» في استراحة «كنج مريوط» التي لم أكن قد زرتها أبدًا، وفى الموعد المحدد دخلت متهيبًا، ففي السنوات السابقة نقلني الرئيس السادات تعسفًا من «دار الهلال»، ونسبّ إلىّ من جبهته اتهامات كثيرة فكيف يا ترى سيكون اللقاء؟

ويضيف: «استقبلتني السيدة جيهان السادات ببشاشة، وشعرت أن ترحيبها حقيقى ومؤثر، كانت تفضل دائمًَا أن تؤلف القلوب حول زوجها وأن تهدئ من خصوماته وطبيعته المتقلبة، فاستبشرت خيرًا وجلسنا وأخذت تسألنى عن زوجتى وأبنائى، قبل أن يأتي أنور السادات ويحيي في ود وبشاشة وتحفظ في الوقت نفسه وتبينت أنه يريد أن يكون حديثنا جادًا فقال لها: «أحمد» سوف يتغدى معنا عليك إكرامه بعد هذه الغيبة، فتركتنا وانصرفت.

وذهب «أنور السادات» إلى الموضوع فورًا، قال لى إنه قرأ كتاب «وتحطمت الأسطورة عند الظهر» وأنه فرح لأن أول كتاب عربى يعلق على حرب أكتوبر جاء منى بالذات، وقال في الوقت نفسه أنه مع ذلك دُهش أن يأتي هذا العمل مني بالذات، فلما أبديت دهشتي لدهشته واستغرابى لهذا التصور منه وتساءلت عن سببه قال لى بصراحة: لأنك ضدي.

ومرة أخرى سألته عن معنى كلمة أننى ضده وقلت له: إننى اختلفت مع بعض سياساته واستطردت قائلًا: «أنا يا ريس لا أريد العودة إلى تفاصيل ما حدث ولكن أسمح لى وقد صارحتنى بهذا الشكل أن أقول إننى العاتب عليك فسيادتك تعرف أننى حين أخالف رأيًا لحاكم لا أفعل ذلك لا لطموح شخصي ولا لحساب أحد آخر، ولكن كما كنت تقول لى لمجرد أن «مخي كده».

عاد الود لكن وقرّب الرئيس الراحل أحمد بهاء الدين منه حتى إنه تولى منصب رئيس تحرير جريدة الأهرام لكن ذلك لم يمنع «بهاء» من الاعتراض على سياسة الانفتاح الاقتصادي ليكتب مقاله في صدر الصفحة الأولى بالجريدة القومية الأولى منتقدًا تلك السياسات واصفًا إياها بـ«انفتاح السداح مداح» وتسبب ذلك في أزمة مع السادات مرة أخرى.

السبب الوحيد لعدم حبس أحمد بهاء الدين طوال عصر السادات كما يقول عنه محبيه إنه كان يعرف آخر الحدود الممكن ولا يحب الاصطدام، لكن إن كان كتاب "خريف الغضب" نفثة غضب لهيكل، فإن كتاب محاوراتي مع السادات لأحمد بهاء الدين نفثة عقل لشرح سياسات السادات وكشف التخريب والفساد في عصره.

أنيس منصور
الصحفي الكبير أنيس منصور كان ضمن من لحقوا السادات في آواخر عهده ولم تكن بينهم علاقة قديمة إذا ما تم المقارنة بموسى صبري ومحمد حسنين هيكل، لكن من خلال مجلة «أكتوبر» التي رأس تحريرها «منصور» توطدت العلاقة بين الرجلين وفي أحد الأفلام الوثائقية كشف أنيس منصور أنه كان يتحاور مع الرئيس الراحل ثلاث مرات يوميًا بجانب مقابلة أسبوعية وظل مخلصا له حتى بعد وفاته.

لكن حتى مع ذلك فلم يحقق لأنيس منصور أي شعبية للرئيس الراحل أو أن يكون رقمًا مؤثرًا في الرأي العام ورأى البعض أن ذلك يعود إلى طبيعة أنيس منصور التي تميل إلى الفلسفة أكثر من الرأي الجماهيري.
Advertisements
الجريدة الرسمية