رئيس التحرير
عصام كامل

«صاحب نوبل» بين الشهادة والتوثيق.. رجاء النقاش: مصر الشعبية طريقه للعالمية.. زكي نجيب محمود: أدبه مرآة للواقع.. صلاح عبدالصبور: «دنيا الله» تكشف نضوجه الفكري.. والغيطانى: إمام الأد

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

لا خلاف على أن الأديب العالمي نجيب محفوظ - صاحب نوبل- لم يبنِ مجده الأدبى بوصف أحياء القاهرة القديمة وأهلها، أو سرد التاريخ الوطني بطريقة روائية، ولكن قدرته على قراءة تفاصيل الواقع التي لا يراها غيره مع قراءة النفس البشرية وقيمها الإنسانية التي جعلته – وأدبه- عابرًا للحدود، بالإضافة إلى إيمانه بأن الموهبة التي أعطاها الله له لها عمر محدد وستزول للابد.


كل هذا وأكثر من شهادات ودراسات كتبها حزمة من كبار المفكرين والمثقفين العرب والأجانب عن «النجيب» معرفة وعلما وموهبة، أديب القاهرة المبدع، بعد حصوله على جائزة نوبل 1988، جاء على رأسهم إدوارد الخراط، الأب جاك جومييه، طه حسين، جمال الغيطانى، رجاء النقاش، رمسيس عوض، زكى نجيب محمود، نظمى لوقا، صلاح عبد الصبور وغيرهم الكثير، بالعدد التذكارى الصادر عن وزارة الثقافة بعنوان «نجيب محفوظ.. نوبل 1988» لنفس العام.

محفوظ والطريق للعالمية
الكاتب الراحل رجاء النقاش، كشف في شهادة كتبها عن «محفوظ» أن الروائى نجيب محفوظ اتخذ من المحلية طريقا إلى العالمية، فقد التزم صاحب نوبل منذ بداية إنتاجه الأدبى حتى رحيله بالكتابة عن مصر واختار مادته من البيئة الشعبية في مدينة القاهرة، التي أحبها وفهمها وأخلص لها.

ومن خلال هذه البيئة استطاع نجيب محفوظ أن يعبر عن وجهة نظره الإنسانية ويعالج القضايا الرئيسية التي جعلت منه أديبًا عالميًا يمكن لأي إنسان أن يقرأه في أبعد نقطة عن مصر فوق الكرة الأرضية.

وأشار «النقاش» في شهادته إلى أن نجيب محفوظ له وجه إنساني يعبر عنه أدبه العظيم، ويقوم على مجموعة من القيم الإنسانية وهى الإيمان بالعلم والمعرفة، وحتمية التطور، والحرية، والعدالة الاجتماعية ورفض التعصب.

وأكد أن نجيب محفوظ مثله مثل أي فنان عالمي، يحمل حنينًا صادقا إلى مدينة فاضلة تتحقق فيها سعادة الإنسان، وهو ما عبر عنه نجيب محفوظ في حوار صحفي عام 1970 قائلا: «إننى ضعيف الإيمان بالفلسفات ونظرتى إليها فنية أكثر منها فلسفية، ولعل الإيمان الوحيد الحاضر في قلبى هو إيمانى بالعلم والمنهج العلمى».

الأدب المحفوظي.. مرآة الضمير
ووصف الدكتور زكى نجيب محمود، نجيب محفوظ بأنه أديب المرآة والمصباح، مسك بمرآة قلمه ليعكس عليها صورة الواقع كما يقع، وبمصباحه كشف للناس معالم الطريق إلى حياة جديدة، فكل ما كتبه واضح العبارة رصين الأسلوب، يجئ عنده اللفظ على قدر المعنى، مُستخدمًا الفصحى من اللغة العربية دون أن تنشأ مشكلة بينها وبين العامية.

وأكمل: «الأدب المحفوظي هو أنقى مرآة تكشف لنا عن حقيقة «الضمير» الشعبى في مصر، ثم يعود هذا الشعب لنفسه إذا ما عرف نفسه منعكسة على المرآة، فيمتلئ قوة نحو خطوة أخرى أشد وعيا بما له من حقوق تستحق الجهاد نحو بلوغها، فأديبنا العظيم يعكس لنا صورة ضميرنا الحي فنراه، فنزداد إحساسًا بضرورة مزيد من إرهاف ذلك الضمير».

نجيب محفوظ.. الإمام
أما الكاتب الراحل جمال الغيطانى، أوضح أنه تعلم من نجيب محفوظ، أن الأدب مجاهدة، تماما كالتصوف، وأنه لا يخضع لنزوة ولذلك يقتضى الدأب الشديد والمثابرة، وهذا بالتالى يحتاج إلى تنظيم حديدي للوقت ومعايشة عميقة لحياة الناس.

وتابع: «تعلمت منه أن أخصص ساعات يومية للكتابة، ولا أعيش في انتظار لحظات قد تأتي ولا تأتى، وتعلّمت أن أخضع لحظة الإبداع لإطاري وليس العكس، والحرص على تطوير أدوات العمل باستمرار، وتعلمت منه كيف أرى في الواقع ما لا يمكن أن تلحظه عين أو يدركه سمع.

كما قال: نجيب محفوظ عرف المجاهدة في طريق الأدب، وأخلص كما لم يخلص أحدا، وضحى بالكثير، ومن حياته أدركت أن الأدب بقدر ما تعطيه، يعطيك ويمنحك.. صان حقبا من النسيان، وأنقذ مراحل من العدم.. كانت أعماله الرحيق الذي شيد بنياننا الروحى، ولهذا كله يحق أن نعتبره.. إمامنا بلا شريك أو منازع».

في دنيا الله
ويرى الشاعر صلاح عبد الصبور، أن نجيب محفوظ نضج تماما عندما وجد نفسه مشغولا بالتفكير في «الوجود المجرد» وليس الوجود في الزمن كما كان في رواياته كـ« القاهرة الجديدة، خان الخليلى، السراب والثلاثية،...»، ولذلك عاد من جديد لكتابة القصة القصيرة، الذي كان أستاذا لها.

وشدد «عبد الصبور» على أن المجموعة القصصية «في دنيا الله» كانت مفتاحًا جديدًا لنجيب للنظر إلى الواقعية المجردة في حياة الإنسان، فلم يعد هناك ما يشغله بسرد المعلومات ووصف الحيوات، ولكن البحث في الجوهر، مما جعل قصصه القصيرة كاللص والكلاب والسمان والخريف فيما بعد وثبة روائية مختلفة.

جدير بالذكر أن شهادات هؤلاء المفكرين والأدباء جاءت بالكتاب التذكارى بعنوان «نجيب محفوظ.. نوبل 1988» والصادر عن وزارة الثقافة - الهيئة المصرية العامة للكتاب- برئاسة الدكتور سمير غريب آنذاك، وذلك احتفاءً بالأديب بعد حصوله على جائزة نوبل في الآداب عام 1988.
الجريدة الرسمية