رئيس التحرير
عصام كامل

الدبلوماسية الشعبية


شرفت مؤخرا بحضور الاحتفالية السنوية لرابطة التبادل الصيني ـــ العربي، وهي التي تصب جٌل جهودها في تعزيز التبادلات الودية غير الحكومية، وما يعرف بجهود "الدبلوماسية الشعبية"، والتعاون في مجالات عديدة، أبرزها الطاقة، والمال، والاقتصاد، والتجارة، والاستثمار، والتعليم، والسفر، ما جعلها بالفعل إحدى المؤسسات المهمة التي تقوم بوظيفة الدبلوماسية العامة (الشعبية) للصين.


وعلى مدار أكثر من عشرة أعوام من عمر تلك الرابطة، دشنت الاحتفالية ألبوم صور رصد بين دفتيه تلك السنوات في صور وفعاليات وأحداث ولقاءات ومواقف، دلت على عمق التواصل، إذ تأسست الرابطة في يناير 2008 كمنظمة اجتماعية غير هادفة للربح، بمبادرة من مجموعة شخصيات اقتصادية وعلمية وناشطين من جميع القطاعات في الصين والدول العربية، بهدف تعزيز التعاون والتفاهم المتبادل بين الشعب الصيني والشعوب العربية والعمل على تعزيز أطر التنمية المشتركة بين الطرفين.

وبالعودة إلى مصطلح "الدبلوماسية الشعبية"، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، بدأ هناك نوع جديد من المشاركة الشعبية في صناعة التوجهات والسياسات الدولية والإقليمية، التي تتبناها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التابعة لها مع انطلاق «مؤتمر هلسنكي لحقوق الإنسان» وقراراته المهمة، التي أعلنها "هنري كيسنجر" وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، وأطلق عليها اسم "الدبلوماسية الشعبية، فيما عرف أنه إتاحة الفرصة لشعوب العالم لتقدم آراء فئات المجتمع عبر جمعيات المجتمع المدني في الاجتماعات والمحافل الدولية للأمم المتحدة، التي كانت قاصرة من قبل على مشاركات حكومات الدول الأعضاء فيها فقط.

وفعليا أصبح هذا النوع من "العلاقات الشعبية" لا غنى عنه في كل دول العالم لتطوير آليات المشاركة الشعبية في رسم أطر العلاقات الدولية، كما أضحت تلك النوعية من الدبلوماسية، تسهم في تفعيل آليات الاستقرار والسلم العالمي.

وبرز هذا المصطلح في مصر، في أعقاب ثورة 30 يونيو الشعبية، وهو ما أعتبر بمثابة قوى ناعمة لدى مصر والدول الأخرى، تعمل جنبًا إلى جنب مع الدبلوماسية الرسمية لإزالة العقبات التي قد تواجه علاقات الدول، بهدف توطيد روابط الشعوب وبعضها.

ومن المهم أن نذكر أن الدبلوماسية الشعبية لعبت دورًا مهمًا خلال السنوات الأخيرة في المساهمة في استعادة الدور المصري في القارة الأفريقية، في إطار الجهود التي بذلتها مصر في هذا الشأن، فكثفت وفود الدبلوماسية المصرية الشعبية جولاتها في أعقاب ثورة 30 يونيو للتعريف بحقيقة الأوضاع في مصر، وساعدت إلى جانب الجهود الرسمية، في استعادة الثقة الأفريقية في مصر مرة أخرى.

ولهذا فإنه ومع التقدم التكنولوجي وثورة الاتصالات في العصر الحديث، زاد اطلاع ومشاركة الشعوب على القضايا المعاصرة محليا ودوليا، وأصبح لها دورا في التعاطي بها والمساهمة فيها، وأدى كل هذا لظهور هذا الفن الجديد في السياسة، وأصبح مكملا للدبلوماسية التقليدية ولا يمكن الاستغناء عنه أو التقليل من أهميته، كما تزداد هذه الأهمية كلما زادت مكانة وحجم الدولة.

يحدونا الأمل والتطلعات أن تستمر "الدبلوماسية الشعبية" على خطى نجاحها المستمر في تخفيف التوتر في بقاع العالم المختلفة، لأن هذا الفن غير الرسمي، له دور مهم في حل بعض المشكلات والأزمات السياسية عن طريق تمهيد الطريق نحو تقريب وجهات النظر، ليس هذا فحسب، بل تسهم أيضا في تعزيز أواصر العلاقات الودية، بحيث لا تلقي العبء الكامل على السياسة الرسمية فقط، وهو ما نراه واقعا في العلاقات العربية ـــ الصينية، التي تثبت يوما بعد يوم عمقها وامتدادها التاريخي.
الجريدة الرسمية