رئيس التحرير
عصام كامل

في رحاب الأمل


من ذهبوا وتركونا في هذا الامتحان الصعب المسمى (حياة) ربما يكونون بأفضل حالا منا، ينظرون إلينا مشفقين على أحوالنا التي تتأرجح بين خوف من المستقبل وطمع في تأمينه، بين اللهاث على الدنيا والتكالب عليها، وارتكاب أي شيء في سبيل ذلك، وفي النهاية تكون المحصلة صفر، لا يرافقنا شيء إلا العمل الصالح، والطمع والأمل في رحمة الله عز وجل وغفرانه.


يحمل كل منا في داخله الحذر والخوف من الموت، نتيجة ما يصوره البعض في عقولنا من أهوال وفظائع ما بعده، وما صوروه لنا أن رب العباد خلقهم فقط لكي يعذبهم في نهاية المطاف.

في صفحات فيس بوك كالمعتاد، كنت أطالع أخبار من يعيشون ومن رحلوا، من تفوقوا في حياتهم ومن تعرضوا لأزمات، إلى أن استوقفتني تلك التدوينة المنتشرة في صفحات العديد من الأصدقاء، ونقلتها نصا كما هي:

(لماذا لا يحدثونا عن نعيم القبر؟، لماذا لا يحدثنا أحد عن أن أجمل يوم سيكون يوم لقاء الله؟، لماذا لا يقولون لنا إننا حين نموت سنبقى بين يدي أرحم الراحمين؟ بين يدي من هو أرحم بالمرء من أمه وأبيه.. رأى النبي صلى الله عليه وسلم دابة تبعد حافرها عن ابنها حتى لا تؤذيه، فقال للصحابة: (إن الله أرحم بنا من هذه الأم على ابنها)..

فلماذا يكون الحديث دائمًا عن عذاب القبر؟ لماذا يكرّهنا البعض بالموت ويخوفنا منه؟ حتى صرنا نحس أن الله سيعذبنا عذابًا لا يخطر على عقل بشر؟ لماذا نفكر أن الله سيعذبنا فقط؟ لماذا لا نفكر أنه سوف يرحم؟ لماذا لا يحدثوننا عن أحوال الصالحين في قبورهم؟ حتى نسعى لنكون منهم ونقتدي بأفعالهم؟

لماذا لا يقولون لنا إن الإنسان المؤمن حسن الخلق عندما يجيب على سؤال الملكين في القبر سيقول له الله عز وجل: صَدَقَ عَبْدي! فَأفْرِشُوهُ مِنَ الجَنَّة وأطْعِمُوهُ مِنَ الجَنَّة وافْتَحُوا لَهُ بابًا إلى الجَنَّة فَيَأتِيه من رَوْحِها ورَيْحَانِها وينْظُرُ إلى مقعده من الجَنَّة.. فيبدأ في الإلحاح على ربه: ربِّ أقِمْ الساعة، ربِّ أقِمْ السَّاعَة! حتى يطمئن ويذهب إلى جنته..

لماذا لا يقولون إن عملنا الصالح لن يفارقنا وسيبقى معنا يؤنس وحدتنا؟.. وحين يتوفى أحد الصالحين تتقابل روحه مع من مات من أهله وأصحابه حتى إنهم يهرولون إليه ليسلموا عليه.. يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الموقف: (فهم أشد فرحًا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه).. فيسألونه عن أحوال الأحياء ويأتي واحد منهم يقول: دعوه فإنه كان في غم الدنيا..

الموت "راحة" من غم وتعب الدنيا فالموت للصالحين إنما هو راحة.. ولهذا فنحن مطالبون بالدعاء.. "اللهم اجعل الموت راحة لنا من كل شر"، نعم هناك عصاةٍ، لكنهم ليسوا كفارا ولا مطرودين من رحمة الله.. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس أن تصيبه).. أي إنّ الله سيغفر مغفرة كبيرة لدرجة أن إبليس يطمع أن يُغفر له، ربنا ما خلقنا لأجل أن يعذبنا، ربنا قال لنا ما يريده منّا وما لا يريده، ونحن نعرف ماذا يرضيه وما يغضبه، ونحن من يختار..

ورغم تقصيرنا فإنه رحيم بنا.. لكن هذا لا يعني أن التطاول على حقوق الله وعلى حقوق خلقه.. اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أعمارنا أواخرها وخير أيامنا يوم أن نلقاك).

انتهت تلك الكلمات البالغة في الإمداد بالتفاؤل والطمع في رحمة الله، والعمل بجد واجتهاد في الدنيا كمحطة انتقال للحياة الآخرة، سنمر عليها بكل أفراحنا وآلامنا، بكل ما أسلفنا وأسرفنا، بكل ما ارتكبنا من ذنوب ومعاص، وتبقى رحمة الله بنا سراجا مضيئا يمدنا بأوصال الأمل في عبور هذه المحطة المليئة بالعمل والنشاط والسعي، إلى دار الراحة والرحمة ولقاء الأحباب، يقول الله عز وجل في محكم آيات التنزيل: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) صدق الله العظيم.
الجريدة الرسمية