رئيس التحرير
عصام كامل

«لسه الأماني ممكنة» ذوو الاحتياجات الخاصة يتحدون الصعاب.. منتدى الشباب منحهم الفرصة كاملة.. وأحلامهم أصبحت واقعا..«هند» تقهر السرطان بـ«أغنية»..عمر يتحدى الإعاقة بالعمل..

فيتو


«الأحلام لا تعترف بإعاقة الجسد، تتقن – بقليل من الأمل والتحدى- القفز على حواجز الصعوبات، واضعة خط النهاية نصب عينيها، منتظرة بلهفة لم تخل من فخر لحظة التتويج وتحقيق الحلم».. نماذج كثيرة موجودة في الشارع المصري، تحدت واقعها الأليم – بعض الشيء- واجهت ظروفها الخاصة الاستثنائية، وسرعان ما حجزت لنفسها مقعدًا بارزًا في الصفوف الأولى، ولعل منتدى الشباب العالمي في نسخته الثانية، كان خير دليل على أن «الإعاقة هي إعاقة روح وليست جسد».


«هند» ست البنات 

حينما قررت مراسلة فريق «حلم» لتأهيل ومساعدة ذوي القدرات الخاصة، حتى يتسنى لها المشاركة في النسخة الثانية لمنتدى الشباب الذي عقد في مدينة شرم الشيخ مطلع الشهر الجاري، حملت هند عبد الفتاح 39 عاما، الكفيفة، التي ولدت بإعاقة بصرية تامة ناجمة عن وجود ضمور في العصب البصري، لأسباب وراثية ترجع لصلة القرابة من الدرجة الأولى التي تجمع الأبوين، «أغنيتها» التي بحثت خلال المؤتمر عن داعم وممول لها، لتدمج بها ذوي القدرات الخاصة في المجتمع كأناس أسوياء لا يمكن أن يكونوا أنصاف عقول يخطط لهم الآخرون كيف سيسيرون وكيف يحلمون.

«من خلال مشروعي ذي الطبيعة التحفيزية، واللي سافرت علشانه يوم 30 أكتوبر لشرم الشيخ، واللي كان أغنية تشجع على التعامل بشكل آدمي مع ذوي القدرات الخاصة، نابعة من تجربة ذاتية وقعت لي، وشفت فيها إزاي أنا واللي زيي طول الوقت المجتمع بيتعامل معانا على إننا مش فاهمين الحياة والدنيا حولنا".

قبل نحو 17 عاما، كانت«هند» التي تخرجت من كلية الآداب قسم الفلسفة عام 2003، وقبلها التحقت بمدرسة النور والأمل للفتيات الكفيفات بمصر الجديدة، على موعد مع ألم من نوع جديد، بعدما بدأت بعض التغيرات الطفيفة تطرأ على جسدها، فضلا عن الإعياء الشديد الذي ينتابها من وقت إلى آخر، أيام قليلة وبعد ظهور نتيجة الفحوصات الطبية، اتضح أنها مريضة بسرطان بالمبيض، ولا بد من إجراء جراحة طبية.

«وبعد خمس سنين رجع لي في المبيض التاني، وقعدت 12 سنة كويسة أتعلمت تنمية بشرية وكنت من تلاميذ إبراهيم الفقي، واشتغلت كول سنتر في إحدى شركات الاتصالات، المرتب كان ضعيفا والشغل ممكن كان يوصل لـ9 ساعات، قعدت سنة ونصف السنة وتركته واشتغلت في مركز الأورام سنة ورجع لي المرض في الثدي والرحم ولحد الآن في مرحلة علاج هرموني، وبدور بقالي سنة على شغل».

خلال فترة العلاج وقع ما لم تنسه «هند» طوال حياتها، بل يمكن القول إنه كان النقطة الفارقة في حياتها، وعلى إثره تشكلت وجهة نظرها عن المجتمع المحيط بها، والذي تلامس وقعه من خلال دائرة الأقارب والأصدقاء، «خبوا عليا إني مريضة كانسر وكانوا بيتعاملوا معي كأني مبفهمش ومش عارفة أنا عندي إيه».

سرطان الرحم استلزم استئصالا فوريا للعضو كاملا، إلا أن الطبيب تعامل بلامبالاة مع حالة «هند»، مدعيًا أنها لا يجب أن تستأصل الرحم قبل أن تتزوج وتنجب أطفالا، «قالي حرام نشيله وأنت لسه متزوجتيش هحاول أقضي على الورم وهو موجود، رغم علمه أن حالتي متأخرة»، وبالفعل تدهورت حالتها تماما، وشعرت أن إعاقتها كانت سببا في خداع الكثيرين من المحيطين بها، وإيهامها أن حالتها طبيعية ومستقرة، «اكتشفت بالصدفة إني مريضة سرطان من خلال قراءتي لتحليل من التحاليل باستخدام الإنترنت».

لم يكن هذا الموقف وحده ما دفع«هند» للإلحاح في ضرورة أن تتبنى إحدى شركات الاتصالات، ومن خلال منتدى شباب العالم، فكرتها في تغيير الصورة النمطية السائدة عن ذوي القدرات الخاصة من خلال أغنية تمتلك فكرتها وتصورها، وتريد شاعرا مؤلفا لها وممولا ينتجها لتخرج إلى النور. فقد سبق وتسببت إعاقتها في عدم الالتحاق بالكلية التي تمنتها، وهي كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية.

«كنت عايزة أدخل قسم اللغة الإنجليزية لكنهم قالوا لي ممنوع دخول المكفوفين في القسم، رغم إن مجموعي في الإنجلش كان أعلى من المحدد للنجاح، وفي عين شمس كانت الفرصة مقفولة للمكفوفين مكنتش أتعلمت أمشي لوحدي فدخلت قسم الفلسفة مضطرة، بعد كده أتعلمت أمشي لوحدي وبعد أربع سنوات من التخرج دخلت كلية الآداب قسم الإنجليزي، وقعدت سنتين فيها لكن عوملت بطريقة سيئة جدا، فاضطريت اسيبها ومكملش فيها، قالوا لي إحنا قبلناكي غلط مش محتاجين مكفوفين في القسم».

«كان نفسي من خلال الأغنية دي الناس تفهم إننا كلنا واحد وإحنا بنمتلك عقول كاملة مدركة كل شيء حولها ويمكن أكتر من الأسوياء!».

«عمر» ورحلة «فرصة العمل»

منذ 24 عاما، وُلد عمر هشام، مصابا بضمور العضلات، لتعلن الحياة التحدي الأكبر معه منذ ولادته، ويكون الكرسي المتحرك هو رفيق دربه أبد الدهر، لكن ابن العقد الثاني لم يكن طفلًا أو شابًا مستسلمًا للأمر الواقع، فقرر تلوين طريقه بيده، ليرسم ملامح الحياة الناجحة مهما كانت الظروف ضده.

متمسكًا بحلمه، تمكن «عمر» من استكمال دراسته بشكل طبيعي كغيره، حتى تخرج في كلية التجارة جامعة عين شمس، ليواجه تحديا جديدا في حياته.

«لما كنت بأجى أتعامل مع مؤسسة حكومية، الموظفين ماكانوش مقدرين ولا محترمين حالتى، وبيعطلوا الدنيا جامد..، ده غير المدرسة والجامعة مكنوش متاحين طبعا والناس تعاملها مش حلو، بس الحياة مكنتش سهلة خالص، بس كله بيعدى، المهم يبقى فيه أمل في بكرة، والواحد يحاول يغير كل المفاهيم دى».

الأم كانت حائط الصد الأول في مسيرته المضطربة مع الحياة، حتى انضم لفريق «حلم»، والذي كان له الفضل الأول في تشجيع «عمر»، ودخوله ماراثون Cairo runners ليبدأ ممارسة الألعاب الرياضية.

«دخلت الماراثون لكن محققتش مراكز يومها، بس ما كانش فارق معايا غير إنى أكمل للآخر مهما الناس سبقوني»، يومها، قرر «عمر» خوض التمارين الرياضية، وأنشطة رياضية أخرى، حتى اكتشف نفسه على مستوى الرياضة وورش العمل، وتمكن من المشاركة بمنتدى الشباب العالمي بشرم الشيخ.

«شاركت في منتدى شباب العالم، كنا عاملين ورشة عمل يوم 1-2 نوفمبر، في الورشة دي عملنا أنشطة كتيرة، زى إننا نخلى الناس تبقى موجودة في نفس الموقف زى تحدى الكراسي المتحركة، وكنت برشدهم إزاى يتحركوا بالكرسي، ويعدوا الحواجز، وتحديات تانية لإعاقات مختلفة، وبنعلمهم إزاى يتعاملوا مع الأشخاص ذوى الاحتياجات الخاصة، وإزاى يبقى في إتاحة لنا في جميع الأماكن».


مريم.. على طريق الحلم 

داخل إحدى مدارس مصر الجديدة كُتب السطر الأول لقصة مريم كمال، في العقد الثاني من عمرها، وشاء قدرها أن تخطو أولى خطواتها في الدنيا فاقدة البصر، لحظتها ارتبك الأب والأم، احتارا في طريقة التعامل معها، ومن ثم تعاملها هي مع العالم، وبعد أشهر من الارتباك والحيرة كانا على موعد مع «طاقة نور»، بعدما توصلا إلى مدرسة «النور والأمل» بحي مصر الجديدة، يتلقى بها الطلاب فاقدو البصر مراحلهم التعليمية كافة، وبالفعل التحقت الطفلة «مريم» بمرحلة «كي جي 1 و2»، وتعلمت طريقة «برايل» - كتابة وقراءة، إلى جانب سلوكيات الكفيف. 

«كنت متأقلمة تمامًا، ومحستش إن عندي نقص أو مشكلة في حياتي، وتفوقت في دراستي بشكل جيد، حتى التحقت بكلية الألسن جامعة عين شمس».

في عامها الثاني بالمدرسة، تعرفت على معهد الموسيقى الملتحق بالمدرسة «أوركسترا النور والأمل»، فقررت تغيير روتين يومها وحياتها، وتعلم شيء جديد، فالتحقت بـ«الأوركسترا»، واكتشف الفريق عذوبة صوتها، وقرروا ضمها، وتعلمت على آلات موسيقية شتى، كان ختامها آلة الكمان.

«مريم» تمكنت من التغلب على نظرة الناس لها بابتسامتها الصادقة «ما واجهتش كتير في حياتي صعوبات، غير بس في التعامل مع الناس، وتغيير أفكارهم عن المكفوفين، لكني مقتنعة تمامًا إني أحسن من غيري كتير».

الخطوة التالية بعد الأوركسترا كانت فيديوهات اليوتيوب، التي أطلقتها «مريم» للتوعية بطريقة التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع «عملت 5 فيديوهات ومكملة، وهدفي توعية الناس بالطريقة الصح في التعامل مع المكفوفين».

وفيما يتعلق بمشاركتها في النسخة الثانية لمنتدى شباب العالم، فقد كانت ضمن فرقة «الأوركسترا»، وحصلوا على تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي كان بمثابة الدافع القوى لاستكمال مسيرتهم المتفائلة إلى الأبد.

الجريدة الرسمية