رئيس التحرير
عصام كامل

بعد مرور 21 عاما على حادثة الدير البحري «الإرهابيون جبناء».. تفاصيل 3 ملاحم شعبية سجلها مواطنون واجهوا الإرهاب بصدورهم العارية في القرنة والكرنك وإسنا بالأقصر.. وحكاية «مرعي» الأبر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

مع مرور 21 عاما على وقوع حادثة الدير البحري في غرب الأقصر، يستعيد أهل الأقصر ذكريات ثلاث حوادث إرهابية تعرضت لها المحافظة، على يد قوى الشر والإرهاب خلال العقدين الماضيين.


الحوادث الإرهابية الثلاث التي وقعت في معبد الدير البحري، الذي شيدته الملكة حتشبسوت في حضن جبل القرنة التاريخي بغرب الأقصر، وفي ساحة معابد الكرنك الفرعونية الشهيرة، وفي قلب مدينة إسنا، في أقصى الجنوب من محافظة الأقصر، شهدت هَبّة أهل الأقصر وانتفاضتهم في مواجهة الإرهاب الأسود.

ولا دهشة هنا ولا استغراب من موقف أهل الأقصر، الذين هبُوا لنجدة ضيوفهم من السياح، غير عابئين بما يحمله الإرهابيون من سلاح ومتفجرات، لأن أهل الأقصر يرون بأن دفاعهم عن السياح ومطاردتهم للإرهابيين، بمثابة دفاع عن "عرضهم"، وعن "شرفهم"، وعن "كرامتهم"، وقبل كل ذلك هم يدافعون عن لقمة عيشهم، وعن وطن يواجه مخططات دموية، تهدف لتقويض حريته، وإعاقة تقدمه.

النفير الشعبي

ذلك النفير الشعبي، وخروج الناس كافة لقتال أعدائهم، من الإرهابيين، بصدور عارية، وفي الوقائع الإرهابية الثلاث، جعل الغلبة للبسطاء من أهل الأقصر في القرنة والكرنك وإسنا، لتنتهي المواجهة غير المتكافئة، بين مواطنين لا يحملون أية أسلحة، وإرهابيين محملين بالقنابل والبنادق والأحزمة الناسفة، بانتصار أصحاب الصدور العارية على المدججين بالأسلحة والمتفجرات، وفي الحوادث الثلاث سقط أصحاب الفكر المُتشدِّد ضحية لتشددهم، وخرج من شاركوا في النفير الشعبي وتَشَدَّدوا ضد الإرهاب والتطرف، منتصرين، وتشددهم هنا، كان تشدُّدًا فِي الْمُقَاوَمَةِ وإِظْهَارُ الصَّلاَبَةِ في مطاردة ومواجهة الفكر المُتشدِّد، والذي يعني هنا تعصبا ومغالاة، وهو تشدَّد تجاوز الحدَّ وأَفرط في الغُلُوّ بِالتَّعَصُّبِ، فأرهب الشعب وخوَّفه وأفزعه، وتفوق الشعب في الحوادث الثلاث، ولم يخف ولم يفزع، وفَزَعَ الإِرهابيّونَ ممن سلكوا سبيل العُنف والإرهاب، وأصابهم الخوف والذُّعر والوهَن.

موقعة القرنة
 
فقبل 21 عاما، وما أن ذاع خبر الهجوم الإرهابي على معبد الملكة حتشبسوت بالدير البحري، حتى هرع المئات من أهل البر الغربي في القُرنة والبُعيرات، في غرب الأقصر، لمطاردة مرتكبي مذبحة الدير البحرى الشهيرة لآلاف الأمتار، واللافت آنذاك أن الإرهابيين المسلحين ببنادق آلية، فروا من زحف المواطنين خلفهم، وهربوا باتجاه المدقات الجبلية على أمل الهروب نحو الصحراء، حتى سقطوا داخل مغارة جبلية، وباغتتهم الشرطة بداخلها وقتلتهم.

موقعة الكرنك

وفي حادثة ساحة معبد الكرنك التي وقعت قبيل قرابة 4 سنوات، ما أن وقع التفجير الانتحاري الذي أحدث دويا هائلا، حتى خرج أهل منطقة الكرنك بالمئات في لحظات باتجاه موقع الانفجار، للدفاع عن ضيوفهم، وعن مصدر رزقهم، غير عابئين بأصوات الرصاص، ولم يهدأ لهم بال، حتى اطمأنوا على سلامة السياح، وسلامة أبنائهم من العاملين في منطقة المعبد.

موقعة إسنا

وفى إسنا التي وقعت قبل قرابة العامين، وما أن تكشف للناس وجود عناصر إرهابية بمدينتهم، حتى سارع المئات لمطارتهم، على غرار ما جرى في القرنة والكرنك، إذ تسارع المئات للإمساك بإرهابي كان مسلحا بحزام ناسف، دون أن يعير الناس اهتماما لذلك الحزام، الذي يمكن أن يودي بحياتهم جميعا، وظلوا خلف ذلك الإرهابي، حتى أمسكوا به وقدموه للشرطة، التي كانت بدورها تطارد إرهابيا آخر حاول الفرار بسيارة محملة بالأسلحة والمتفجرات.

حكاية مرعي

وقد لفتت الحوادث الإرهابية بالقرنة والكرنك وإسنا، في غرب وشرق وجنوب الأقصر، الأنظار إلى بطولات حققها مواطنون بسطاء، لتضاف بطولاتهم إلى ما يحققه رجال الجيش والشرطة، من بطولات ودروس في الوطنية والتضحية والفداء من أجل مصر، وسط مطالب بأن تكرم هؤلاء ومن شاركهم تلك البطولات الشعبية والوطنية، وتقديمهم كنماذج يحتذى بها في أوساط الشباب.

ففى حادث الدير البحري، كان المواطن محمد مرعي، أحد حراس معبد الملكة حتشبسوت، الذي شهد الهجوم الإرهابي الدامي في شهر نوفمبر من عام 1997، أحد الأبطال الذين سطروا ملحمة وطنية لا تنسى، إذ ظل محمد مرعي يواجه الإرهابيين، حتى فقد ذراعه، ولا غريب في أن "مرعي" يؤكد حتى اليوم، بأنه مستعد للتضحية بحياته فداء لمصر وضيوفها من سياح العالم.

"مرعي" قال إن الإرهابيين جبناء، وإنهم فروا من أمام سكان البر الغربي للأقصر، الذين سارعوا لمطاردة الإرهابيين المدججين بالسلاح، بصدورهم العارية، فما كان من الإرهابيين إلا أن فروا باتجاه أحد المغارات الجبلية هربا من المواطنين البسطاء، الذين هبوا لنجدة ضيوفهم من السياح، دون أن يخشوا من رصاص الإرهابيين القتلة.

وأضاف بأن الإرهاب الأسود استغل الفقر، الذي كان يتمدد بقرى الصعيد لسنوات طوال، في تجنيد الشباب، وشدد أنه على الحكومة أن تجد عملًا للشباب، وتهتم بالتعليم حتى ينتهي التطرف، وأن حادثة الدير البحري تركت فيه أثرًا نفسيًا لن تمحوه الأيام، حيث تسببت في بتر ذراعه، لكنه أكد أنه مستعد للتضحية بذراعه الأخرى لحماية السياح، الذين يمثلون مصدر رزق أساسيا له، ولآلاف مثله من مواطني الأقصر.

وأنه لن ينسى أبدا كيف وقف زملاؤه في وجه الإرهابيين، الذين هاجموا معبد حتشبسوت، وكيف دافعوا عن المعبد وزواره، حتى مات منهم من مات، وأصيب من أصيب، دون أن يفكر فرد واحد منهم في الهرب، أو ترك موقعه للحظة واحدة.

حكاية مصطفى

مصطفى عبد النبي، سائق شاب، كان أحد أبطال حادثة الهجوم الإرهابي الفاشل على معابد الكرنك الفرعونية الشهيرة في شرق مدينة الأقصر، حيث هب "مصطفى" بالهرولة خلف إرهابي حاول الوصول لداخل معبد الكرنك محملا بحقيبة من القنابل، وتمكن "مصطفى" من إلقاء الإرهابي أرضا، وانهال عليه ضربا بمفك في يده، وانتصر عليه وحال بينه وبين المعبد ومن به من سياح.

المثير أن مصطفى أسرع خلف إرهابي يحمل سلاحا وقنابل، وهو لا يحمل في يده سوى "مفك" أتى به من سيارته، ليواجه به ذلك الإرهابي، ويلقي به أرضا وينتصر عليه، فينقذ معبد الكرنك من دمار ومذبحة محققة.

وقد ثبت التحقيقات أن السائق مصطفى عبد النبي كان له دور كبير في اللحاق بأحد الإرهابيين، بعد أن تمكن من شل حركته، متسلحا بمفك ومنعه من استخدام أي من الأسلحة أو المتفجرات، وأن الإرهابي الذي تمكن السائق مصطفى عبد النبى من شل حركته، كان يسرع نحو مدخل المعبد حاملا حقيبة من المتفجرات، وأن الإرهابي الذي أسرع بحقيبة المتفجرات كان مكلفا بإحداث تفجيرات داخل المعبد.

حكاية محمد عبد الماجد

على الرغم من مرور قرابة العامين على وقوع حادثة إسنا الإرهابية، فإنها لا حديث في المدينة وقراها إلا عن شجاعة وبطولة الشاب محمد عبد الماجد الخطيب ابن الثلاثين عاما، وابن شارع الرحمة، والذي لم يتردد في أن يقود دارجته النارية، مصطحبا خلفه أحد ضباط مركز شرطة إسنا، للحاق بالإرهابي الهارب عمرو سعد عباس إبراهيم، بعد أن قام ورفاقه من الإرهابيين بإطلاق الرصاص على أمين الشرطة محمد الباي، فسقط شهيدا، وسارع محمد عبد الماجد بدراجته النارية، ومن خلفه ضابط الشرطة الجسور لمطاردة الإرهابيين، لكنهم اصطادوا قلبه برصاصة غادرة فسقط شهيدا.

محمد عبد الماجد، الذي استشهد أمين الشرطة محمد الباي، على بعد أقل من مائة متر من المحل الذي يعمل به، لم يفكر كثيرا، ولم يخش أن يقتل، وما أن صرخ الضابط إلى تصادف وجود قرب موقع الحادث، طالبا دراجة نارية للحاق بالإرهابي عمرو سعد عباس إبراهيم، غير عابئ بالبندقية الآلية التي يحملها الإرهابي بيده، وعلى الفور قال محمد للضابط "اركب ورايا"، وركب الضابط وسارع محمد على أمل اللحاق بالإرهابيين والثأر منهم، لكنه مات شهيدا دفاعا عن الدين والوطن، في وجه أعداء بلده، وأعداء دينه.

محمد عبد الماجد الخطيب ترك خلفه أبا مسنا، وشقيقا يدرس في السنة النهائية بكلية الهندسة، وأختا على أبواب التعليم الجامعى، وزوجة تحمل بين حشايها ابن محمد عبد الماجد، الذي لم تمهله رصاصات الإرهاب فرصة أن يبقى على قيد الحياة ليفرح بطفله الذي قدم للدنيا في غياب أبيه.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية