رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

سجون العقل العربي!!


الدكتور طارق حجي المفكر المعروف له كتاب رائع بعنوان "سجون العقل العربي"، وضع فيه خلاصة خبرته وشخص حال المجتمعات العربية وأسباب تخلفنا وتقدم الغرب، يقول:


"إن العقل العربي المعاصر أسير ثلاثة سجون سميكة الجدران، هي سجن الفهم البدائي للدين؛ وسجن الموروثات والمفاهيم الثقافية التي أثمرتها تجربتنا الثقافية-التاريخية؛ ثم سجن الفزع والجزع والرعب من الحداثة والمعاصرة؛ بحجة التخوف على خصائصنا الثقافية من الضياع والاختفاء والزوال أو امتزاج الدماء الشريفة لهذه الخصوصيات بالدماء غير الشريفة لثقافات وافدة"!

د حجي بحكم عمله واختلاطه بالغرب طوال حياته منذ نشأته في بورسعيد، ثم رئاسته لأهم شركة بترول عالمية ثم محاضراته في أفضل الجامعات الدولية يرى أن أزمة المجتمعات العربية في التعليم المتخلف، الذي يخلق شخصية لا تتقبل النقد والنصيحة والتسامح مع الآخرين، ويتفق معه د محمد المهدي أستاذ الطب النفسي الشهير بجامعة الأزهر في دراسته المتميزة تحت عنوان "التربية السلطوية في المجتمعات العربية".

حيث يرى أن المواطن العربي هو ابن بيئته وتربيته والتي ليس فيها خيارات كلها مسارات إجبارية مفروضة عليه منذ طفولته، وتتنج في النهاية مواطن غير متسامح سلطوي يأمر أو يؤتمر إلا من رحم ربي.. د المهدي يرى أن التربية في مجتمعاتنا العربية تعتمد على التلقين وحشر المعلومات وأسلوب الترهيب والقهر والخويف للطفل في البيت والمدرسة، حيث لا أهمية للفروق الفردية بين الأبناء أو الطلاب. 

هي التربية التي تعلي من قيمة الطاعة والإنقياد والتسليم والخضوع، وتحجر حرية التفكير وملكات حل المشكلات والإبداع والتجديد والتطوير، التربية السلطوية أحادية الاتجاه تسمح فقط للأب أو المدرس أن يتكلم وللابن والطالب الاستماع فقط وتفترض أن الكبار أصحاب العلم والخبرة والرأي والعقول، وأن الصغار جهلاء وسذج وأغبياء ولا يعرفون مصلحتهم، هي التربية التي تقدس أقوال القدماء وتدنس أقوال المحدثين وتقوم على العنف اللفظي أو البدني. 

وعلى العسف والتسلط والاضطهاد، وعلى الكبت الفكري وتعطيل طاقات النمو، وإصدار الأوامر وفرضها دون مناقشة أو مشورة، والتهديد والوعيد واللوم والتأنيب والتحقير، وإصدار الأحكام السلبية على الطفل أو المراهق في البيت أو المدرسة هي التربية التي يفرض فيها المربون نموذج حياتهم على أطفال أو مراهقين يعيشون زمانا غير زمانهم، وتمتلئ بالأوامر والنواهي من المربي، ولا تسأل الطفل أو المراهق عما يرى ويفكر.

ذلك النوع من التربية نشأ واستوطن في البيئة العربية بوجه خاص وتشكل مع الثقافة العربية التي تقوم على أسس قبلية وعشائرية وطائفية، وكانت تلك التربية السلطوية مغذية للسلوك الاستبدادي على المستوى الفردي والجماعي لمئات السنين في المجتمعات العربية.

ويقول د المهدي أن التربية تعني إطلاق ملكات الإنسان وقدراته في مسارات بناءة لإصلاح حياته وحياة غيره وعمران الأرض ونشر الحق والخير والعدل والجمال باستلهام تعاليم السماء، والتربية السلطوية عكس ذلك تماما إذ هي تخنق حرية الأطفال والمراهقين وتحطم ملكاتهم وقدراتهم، وتسعى فقط إلى تنميطهم بالشكل الذي يرضي الآباء أو المدرسين.

والتربية السلطوية لها احتمالات ثلاثة من حيث نتائجها على النشء وهي:
1 – أن يسلم الطفل أو المراهق إرادته تماما للمربين ويصبح سلبيا ومعتمدا بالكامل عليهم لا يعارضهم ولا يناقشهم، ويتحلى بأخلاق العبيد في تعامله مع أي كبير فيخضع ويخنع له ويسلم له مقاليده وفي هذه الحالة يفقد العقل النقدي فلا يفرق بين الحرية والاستعباد، ولا بين الحق والباطل.

2 – أن يتمرد الطفل أو المراهق على مربيه، فيصبح جانحا جامحا يكسر القواعد ويحطم الضوابط ويخرج على الأعراف والتقاليد رغبة في الإنتقام أو إثبات الذات، وهو يفعل ذلك بقدر ما يتمتع به من قدرة في مراحل عمره المختلفة.

3 – أن يصبح الطفل أو المراهق مراوغا ذا وجهين أو عدة وجوه، فهو أمام المربي وتحت وطأته طائعا مستسلما ذليلا، أما حين يخلو لنفسه فهو يفعل كل ما يرغبه ويشتهيه.

وهذه التنويعات الثلاثة نراها بكثرة في المجتمعات العربية التي تتسم في معظمها بهذا النوع من التربية السلطوية. الدكتور المهدي يضع الحل وهو العودة إلى مبادئ التربية الحديثة في بيوتنا وفي مدارسنا ومنها:

تدريب الطفل أن يعلم نفسه (التعلم وليس التعليم) وحل مشكلاته وتحرير شخصيته من قبضة الكبار، وتنمية روح الإبداع لديه، واحترام قدراته وملكته، وتقدير ذاته، وإعطائه الفرصة لاتخاذ قرارات كثيرة في حياته، والتجربة وتحمل الخطأ، ومنحه فرصة الاختيار بين بدائل متعددة واحترام اجتهاداته..

فنحن نحتاج تطبيق هذه المبادئ التربوية منذ السنة الثانية من العمر وفيها تكون أولى مراحل استقلال إرادة الإنسان.

أفكار د طارق حجي والدكتور محمد المهدي من وجهة نظري المتواضعة تقضي على مشكلات كثيرة نعاني منها، وأهمها الإرهاب والتطرف والتعصب والتسلط.. فالإنسان المبدع الذي يملك عقلية متسامحة ويقبل النصيحة والنقد لا يقتل، ويصعب استقطابه أو إفساده.
egypt1967@yahoo.com
Advertisements
الجريدة الرسمية