رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

اليومَ «بطاطس».. وغدًا «بطاطا»!


قولًا واحدًا لا رجعةَ فيه، إياكَ أنْ تُصدِّقَ رئيسَ وزراء أو وزيرًا أو مسؤولًا كبيرًا كانَ أمْ صغيرًا. السنواتُ الأخيرة -على الأقل- أثبتتْ أنهم لا يقولونَ صِدقًا. وعودُهم لا تُبصرُ النورَ أبدًا. بشائرُهم لا تشقُّ طريقَها إلى الواقع، أحلامُهم تتحولُ سريعًا إلى كوابيسَ. قليلٌ منهم قد يكونُ حَسَنَ النيَّةِ، وبعضُهم دونَ ذلك.


في يومِ أداءِ اليمين.. أحاديثُهم تبدو رومانسية مثلَ عروسٍ حالمةٍ. فإذا انقضى شهرُ العسل بانتْ الوجوهُ على حقيقتِها وسقطتْ الأقنعة وخرستْ الألسنة. ربما كانتْ المسؤوليةُ ثقيلة أو جسيمة. وربما كانَ المسئول أدنى قدرًا منْ منصبِه، وتمَّ اختيارُه بطريقة فيلم "معالى الوزير".

وربما لا يزالُ هذا الشعبُ منحوسًا لا يجدُ منْ يَحنُو عليه. يُمكنكَ أنْ تراجعَ بنفسِكَ أرشيفَ الصُّحفِ الورقيةِ أو الألكترونيةِ منذُ أنْ تمَّ تكليفُ الحكومةِ الحاليةِ، وتُراجعَ تصريحاتِ رئيس الحكومة ووزرائِها، يومَ أداءِ اليمين، وتقارنَها بما وصلنا إليه. لعلكَ تذكرُ عندما فاجأ رئيسُ الحكومةِ الجميعَ يومَ تكليفِه بتصريحِه "الألمعىِّ" ووعدِهِ "اللوزعىِّ" بأنَّ حكومتَه سوف تقضى على الفقر نهائيًا. هو الذي قال ذلكَ بنفسِه، وكان هذا كلامَه دونَ تحريفٍ أو تدليسٍ.

يومئذٍ.. اندهشَ المُندهشونَ وسخِرَ الساخرونَ وأجمعوا على أنَّ الرجلَ يَهرفُ بما لا يعرفُ، أو أنَّ الفرحة بالمنصبِ الرفيعِ نقلتْه منْ الواقع إلى الخيال، أوْ أنَّه يعيشُ في "بُرج عاجىٍّ"، ولا يعرفُ خريطة الفقر والفقراء في عمومِ مصرَ، أو أنه يقصدُ القضاءَ على الفقراءِ وليسَ الفقرَ، وهذا إلى الواقع أقربُ.

اللافتُ.. أنَّ التقاريرَ "الرسمية" وليستْ "الأجنبية" تُقدِّرُ نسبة الفقراء في مصر بثلث عددِ السكان، وهى حصيلةٌ مُرشحةٌ دومًا للزيادة في ظلِّ سياستى: "المُسكنات" و"الجباية"، وهما وسيلتان لا تملكُ الحكومة سواهما في إدارة الأمور. لم يمضِ على تكليف الحكومةِ الوقتُ الكثيرُ، حتى ضربتْ الأسواقَ موجةُ غلاءٍ عنيفة. ووصلتْ الحالُ بالمصريين إلى الاصطفافِ طوابيرَ طويلة أمام منافذ وزارة الداخلية للحصول على "البطاطس" بسعرٍ مُخفَّض.

أزمة "البطاطس" ليستْ مجردَ واقعةٍ عابرة يمكنُ التغاضى عنها أو تجاهلُها مع تعاقُبِ الأيام. أزمة "البطاطس" –على بساطتِها- كاشفة ودالَّة على ضعفِ الحكومة وهوانِها. المُحتكرون هزموا الحكومة بوزاراتِها وأجهزتِها الرقابية المتعددة. وزارة الزراعةِ مُرتبكة مُنبطحة تخرجُ من فشلٍ إلى فشلٍ. المُحتكرونَ أعلى صوتًا من الوزراء والمسؤولين، لا جديدَ يُذكرُ ولا قديمَ يُعادُ في ملفِّ المُحتكرين، شوكتُهم تأبى على الكسْر.

الحكومة أشبهُ بطبيبٍ قليلِ الحيلة يُعالج مرضاه بالمسكناتِ. مُسكناتُ الحكومةِ لا تعالجُ أزماتٍ بل تُخفِّفُ الوجعَ حتى إشعار آخر. اليومَ "بطاطس" وغدًا "بطاطا". لا شئَ بعيدٌ عن حكومةٍ لا تدركُ حقيقة نفسِها. حكومةٍ تلجأ إلى الأكاذيبِ والتضليل ولا تُقرُّ أبدًا بفشلِها.

في جديدِ تصريحاتِ رئيس الحكومة.. قالَ: "الشابُّ المصرىَُّ أكثرُ حظًا منْ غيره ويعيشُ في نعمةٍ كبيرة". هل كانَ الرجلُ الرومانسىُّ الحالمُ يقصدُ شبابَ الماجستير والدكتوراه الذين يتظاهرون بحثًا عن عملٍ، أمْ الشبابَ الذين يحصلون على الوظائف المرموقة فور تخرجهم، حتى ولو لم يكونوا أهلًا لها؟

المُحزنُ في الأمر.. أنه لا تتمُّ إقالة الحكوماتِ في بلادِنا بسبببِ فشلِها أو عجزها عن الاضطلاع بمسؤولياتها تجاهَ الشعب، ولكنَّ الإقالة تتمُّ غالبًا لأسبابٍ أخرى لا تعلمونها، اللهُ يعلمُها.

بعدَ 150 يومًا منْ تكليفْ الحكومةِ الحالية، لا يُمكنُ لعاقلٍ أو مُنصفٍ أنْ يَمتدحَها أو يُثمِّن أداءَها أو يتغاضى عن زلَّاتِها أويلتمسَ لها الأعذارَ. حكومة المُسكناتِ فاشلة، وحكومة الجباية عاجزة، والشعبُ وحدَه هوَ من يدفعُ ثمنَ الفشلِ، ومقابلَ العجزِ.

Advertisements
الجريدة الرسمية