رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

سلوك الطريق إلى الله


وما زال الحديث عن جلساتي وحواراتي مع شيخي رحمه الله تعالى، وكنت قد توقفت في المقال السابق عند حديث الأمين جبريل عليه السلام وسؤاله عن مقام الإحسان.. وسألت شيخي عن هذا المقام فقال: "مقام الإحسان هو مقام عباد الله المخلصين الذين عبدوه تعالى عبادة أهل الشهود بعد فنائهم عن رؤية أنفسهم على أثر استغراقهم في جمال وجلال الحضرة الإلهية وأنوارها".. والإحسان بمعنى الإخلاص والإتقان ومنه يبدأ السالكون لطريق الله تعالى والطالبون للوصل والمقام في حضرة القرب.


هذا والإحسان هو التفضيل لكلمة حسن ومصدرها.. ثم أشار رحمه الله إلى معنى عزيز لا يتذوقه إلا أصحاب القلوب التي خصت بأنوار المعارف الربانية وهو.. إن عبادة الله عزو جل عبادة غيبية بمعنى.. أننا نعبده سبحانه وتعالى دون أن نراه.. وفي الشطر الأول من تعريف الإحسان إشارة إلى ذلك وهو: أن تعبد الله كأنك تراه.. فإن لم تكن.. هنا توقف الشيخ ثم قال: فإن لم تكن أي.. إذا تم لك الفناء عن نفسك بعدم رؤيتك لها وغبت عنك باستغراقك في جمال وجلال أنوار حضرته القدسية عزوجل تراه بعين قلبك بلا كيف.

وفي هذا المعنى أشار أحد العارفين بالله تعالى بقوله: "إن غبت عني بدا وإن بدأ غيبني".. هذا ومن مقام الإحسان ينطلق أهل محبة الله في رحلة إقبالهم عليه سبحانه ثم يرتقوا في مقامات اليقين الثلاثة وهي علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين....

وسألته عن عدم تعليق الأمين جبريل عليه السلام بعد إجابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على الساعة بقوله: "ما المسئول أعلم بها من السائل".. فلم يقل صدقت كما كان يقول عقب كل إجابة لرسول الله على أسئلته عن الإسلام والإيمان والإحسان.. فقال رحمه الله تعالى: "إن الأمين جبريل من الملائكة المقربين وهو يعلم قدره بجانب قدر الرسول الكريم ويعلم أنه صلى الله عليه وسلم أعلم خلق الله على الإطلاق.. ولذا لم يعقب على قول حضرته وإلا لكان نسب لنفسه الفوقية في العلم على رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم السلام".

هذا ولا ينسى ما كان من الأمين جبريل يوم شرف بصحبة النبي الكريم في ليلة الإسراء والمعراج وما قاله عندما توقف عند سدرة المنتهى عندما قال له الرسول الكريم: "تقدم يا أخي يا جبريل.. أهنا يترك الخل خله والصاحب صاحبه.. فقال جبريل عليه السلام بأدب جم: يا رسول الله.. إن لكل منا مقام معلوم فأنا لو تقدمت لاحترقت من النور. أما أنت لو تقدمت لاخترقت النور"..

هذا وسألته رحمه الله يوما عن سلوك طريق الله تعالى وكيف تكون البداية.. فأجابني قائلا: "الطريق إلى الله تعالى له أسس ثلاثة يقام عليها وهي.. الحب والصدق والإخلاص"..

والحب منحة إلهية وعطاء رباني يمنح ويوهب من الله عز وجل لأصحاب النفوس الطيبة والفطرة السليمة النقية والقلوب اللينة الصافية المحبة لخلقه وعباده سبحانه.. والعبد المحب الصادق في محبته لله تعالى لا بد أن يدلل على صدقه في المحبة بالاستقامة على منهج المحبوب وطاعته والاشتغال بذكره وإيثاره على هوى نفسه وعن من سواه ولا يتأتى ذلك إلا باتباع هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والتمسك بغرزه وسنته الرشيدة.

هذا مع الاجتهاد في عبادات النوافل بعد إقامة الفرائض حتى يرتقي من كونه محبا إلى كونه محبوبا ومن كونه مريدا طالبا إلى كونه مرادا مطلوبا.. والحب هو الأساس الأول والركن الركين في أصل العلاقة بين العبد وربه تعالى.

هذا ولا قيمة لإقبال العبد على الله تعالى بغير الحب فهو الأساس في الإقبال ولقد أكد سبحانه وتعالى ذلك من خلال قوله جل وعلا: "قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم"... فلا قيمة لاتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان هذا الاتباع بدافع الحب الخالص لله تعالى ولرسوله.

ومراد الله تعالى من العبد قلبه لا قالبه.. ثم قال: معلوم أن ليس لله تعالى أدنى علة ولا عوز لا فيما خلق ولا فيما أوجد ولا فيما قضى سبحانه ولا فيما قدر فهو تعالى قائم بذاته وغني بذاته ومستغني بذاته عز وجل عمن سواه وهو جل في علاه محب بذاته لذاته فأحب أن يظهر ذلك الحب فأعلن سبحانه وتعالى عن ذلك في مراده الأول قبل خلق الخلق الذي قال في الحديث القدسي: "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني"..

فالمراد الإلهي من الخلق هو معرفته عز وجل والأصل فيه الحب.. هذا عن الحب وهو الأساس الأول لسلوك طريق الله تعالى.. ثم يأتي الأساس الثاني وهو الصدق وهو يبدأ بصدق النية والصدق في القصد والتوجه ثم الصدق في القول والفعل والعمل والحال والصدق في المحبة وهو الأصل والمعنى من الصدق..

هذا ومقام الصديقين هو المقام الذي يلي مباشرة مقام النبوة وهو مقام جامع لمقامات أهل ولاية الله تعالى ومحبته وعلى رأس قائمة أهل هذا المقام السيدة مريم عليها السلام وسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. هذا وأما عن الإخلاص وهو الأساس الثالث لسلوك طريق الله تعالى فهو منحة إلهية وهبة ربانية وهو سر الله كما جاء في قوله تعالى في الحديث القدسي: "الإخلاص سر من أسراري أضعه في قلب من أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده"..

والإخلاص يعني إخلاص الوجهة لله حيث لا علة ولا غرض ولا مأرب ولا مطلب وهو أمر إلهي ففي الآية يقول سبحانه: "أعيدوا الله مخلصين له الدين".. ويقول سبحانه: "ألا لله الدين الخالص".
Advertisements
الجريدة الرسمية