رئيس التحرير
عصام كامل

الإسلام والإيمان والإحسان


وما زال الحديث عن جلساتي وحوراتي مع شيخي رحمه الله تعالى عن سلوك الطريق إلى الله وأحوال أهل الطريق، سألته يوما عن حديث الأمين جبريل عليه السلام مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما سأله عن الإسلام فقال: "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وأن تصوم رمضان، وأن تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا".. فعقب الأمين جبريل بقوله صدقت.


ثم سأل عن الإيمان، فقال صلى الله عليه وسلم: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وقضاء الله تعالى خيره وشره".. فقال جبريل صدقت..

ثم سأل عن الإحسان، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".. فقال جبريل:" صدقت، ثم سأل عن الساعة، أي يوم القيامة... فقال صلى الله عليه وسلم: "ما المسئول أعلم بها من السائل.

هنا أمسك جبريل ولم يعقب.. سألته رحمه الله عن هذا الحديث وعن تعقيب الأمين جبريل بقوله صدقت، إلا في السؤال عن الساعة،.. فقال رحمه الله: في هذا الحديث أشار النبي الكريم إلى عبادة الأبدان، وإلى مناط الإيمان، وعبادة القلوب وإلى بداية سلوك طريق الله تعالى والسبيل إلى مقام العبد في حضرة القرب ومعايشة أنس الحضرة القدسية...

فالإسلام هو منهج سماوي أنزله الله تعالى لإقامة الأركان والأحكام وهو متعلق بعبادة الأبدان، والغاية منه الاستقامة على منهج الله تعالى وشريعته حتى تنتظم حركة العبد المؤمن في دنياه ورحلة إقباله على الله تعالى حتى يعطي الفرصة ويهيئ الجو للروح للعروج إلى حضرة ربها ومولاها والاتصال به سبحانه وتعالى.

والغاية من الإسلام ما تثمره إقامة الأركان والعبادات من حسن خلق وحسن المعاملات، كما أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. وقوله: "الدين المعاملة".. وحتى يحقق العبد خلافته في الأرض ويؤدي أمانة الإستخلاف وهي.. عمارة الأرض ونشر الرحمة الإلهية وإقامة العدل الإلهي في ربوع الأرض بين الناس..

هذا وحقيقة الإسلام سلام وتسليم... سلام مع جميع الخلق ولا يتأتى ذلك إلا إذا تصالح الإنسان مع نفسه بعد تزكيتها وتخليصها من العلائق والأغيار، والخلق السيئ الرديئ.. هذا عن الشطر الأول في معنى وحقيقة الإسلام وهو أن يكن المسلم مصدر سلام، وأما عن الشطر الثاني من المعنى وهو التسليم، هو أن يسلم العبد لله عز وجل فيما أمر وفيما نهى وذلك يتحقق بالالتزام بهما بإقامة أركان الإسلام، وعدم تخطي حدود الله تعالى، والالتزام بالأوامر والنواهي وتسليم لله تعالى فيما قضى وقدر، ولا يكن ذلك إلا بالصبر على الابتلاء والرضا بالقضاء.

هذا عن إجابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن السؤال الأول.. وأما عن السؤال الثاني المتعلق بالإيمان هو ما يتعلق الإيمان وعبادة القلب والقلب هو محل الإيمان ففي الحديث: "الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل".. هذا وسر أن القلب هو محل الإيمان لا العقل أن الأصل في الإيمان الاعتقاد الغيبي أي الأمور الغيبية التي لا ترى بالعين..

الله تعالى خلق البشر على الفطرة النقية السليمة ومنح القلوب نور يسمى بعين البصيرة وهيأه سبحانه أزلا لإدراك الأمور الغيبية والإيمان بها، ولذا هو محل الإيمان، وأما عن العقل فهو معقول وليس له ضرب في الغيبيات.. وهو سبب للهداية لكنه ليس محلا للإيمان فإنه معقول كما ذكرنا وهو قابل للذهاب وإن يغب على أثر السكر.

هذا والأصل في الإيمان هو الإيمان بالإله الخالق الواحد الرازق الذي بيده تعالى كل شيء والقائم على كل شيء، والمبدئ والمعيد والمحي والمميت سبحانه وهو تعالى الذي لا ضد له ولا ند له ولا شبيه له ولا شريك معه، وهو المتقدم الأسماء المنزه في الصفات الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير سبحانه...

ثم يأتي بعد ذلك الإيمان بالملائكة الكرام وهم جند الله عز وجل القائمون بأمره المجبولون على طاعته وعبادته عز وجل، ثم الإيمان بالمناهج والرسالات السماوية التي أنزلها سبحانه وتعالى.. وأنها من قبله وحده إذ إنه لا إله غيره ولا رب سواه. ثم الإيمان بالرسل الكرام الذين أرسلهم الله إلى البشر وكلفهم بمهمة التبليغ عنه عز وجل.

ثم الإيمان أن هناك يوما آخر وهو يوم القيامة يجمع فيه سبحانه الخلق بين يديه للفصل بينهم والحساب، ثم الإيمان بالقضاء والقدر حتى لا تسخط العباد عندما يقع عليها ابتلاء أو عندما يجري سبحانه وتعالى عليهم قضاء حتى لا تيأس العباد من روح الله ورحمته تعالى.. هذا وأما عن السؤال الثالث المتعلق بمقام الإحسان والسؤال الرابع المتعلق بالساعة.. هذا ما سوف أتحدث عنه في المقال القادم بمشيئة الله تعالى وفي الختام رحم الله تعالى شيخي العالم الجليل والمربي الفاضل، الذي أنار لي الطريق إلى الله تعالى.
الجريدة الرسمية