رئيس التحرير
عصام كامل

العدالة الناجزة.. لماذا أصبحت مستحيلة؟.. يتعهد كل وزير عدل بتحقيقها في يوم حلف اليمين والنتيجة «صفر».. «عبد الرحيم» يفشل في تنفيذ وعوده.. وخبراء: تغيير منظومة الطب الشرعي والقوانين

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

في 23 مارس 2016 تولى المستشار حسام عبد الرحيم مسئولية وزارة العدل خلفا للمستشار أحمد الزند، بعد أن قضى عامين كنائب أول لرئيس محكمة النقض، ثم رئيسا لها، ورغم رحيل حكومة المهندس شريف إسماعيل احتفظ عبد الرحيم بمنصبه وزيرا للعدل في حكومة الدكتور مصطفى مدبولي، وهي أطول مدة واحدة لوزير العدل بعد أحداث ثورة يناير، التي شهدت تغييرات على هذا المنصب تولى خلالها 8 وزراء حقيبة الوزارة من فبراير 2011 وحتى مارس 2016.


أول الرسائل
بدأ وزير العدل مهام عمله بلقاء رؤساء الهيئات القضائية ورؤساء أندية القضاء، وكانت أول رسالة له للقضاة الابتعاد عن السياسة قولا وفعلا، ووضع خطة ممنهجة للابتعاد عن وسائل الإعلام، فرفض منذ توليه منصبه الظهور في البرامج التليفزيونية، أو الحوارات والتصريحات والمؤتمرات الصحفية، مكتفيا فقط بالتحدث إلى الإعلام عقب اجتماعات مجلس الوزراء للإعلان عن تفاصيل مشروعات قوانين جديدة.

وأهم الملفات التي كانت تنتظر وزير العدل منذ توليه منصبه، تطوير منظومة العدالة، وتحقيق العدالة الناجزة التي شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي على تحقيقها في لقاءاته المختلفة بالقضاة، من أجل حفظ حقوق المواطنين وتحقيق مصلحة الوطن، كما كان على رأس الملفات الموجودة على مكتب الوزير الجديد وقتها تطوير دور المحاكم وميكنتها، وافتتاح محاكم جديدة للتيسير على المتقاضين، وإجراء ثورة تشريعية وتعديل القوانين لسرعة تحقيق العدالة، ورفع كفاءة الجهات المعاونة من طب شرعي وخبراء والشهر العقاري.

العدالة الناجزة
وفيما يتعلق بملف تحقيق العدالة الناجزة، أجرت الوزارة تعديلات على قانون الإجراءات الجنائية شملت تعديل أكثر من 75% من مواده، أهمها إلغاء المعارضة بدرجتي التقاضي والإعلان الإلكتروني وحماية المجني عليهم والشهود، ونظر الجنايات على درجتين، والذي يناقشه مجلس النواب في دور الانعقاد المقبل.

ويرى عدد من أساتذة القانون أن تحقيق العدالة الناجزة لا يتوقف فقط على تعديل قانون الإجراءات الجنائية، فهناك عدد من التشريعات التي تحتاج إلى تعديلات فورية بهدف تقليل إجراءات التقاضي، مثل تعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية التي أعلن الوزير عزمه عقد مؤتمر علمي لتقديم مشروع متكامل وموحد أمام المحاكمن سواء القضاء العادي أو مجلس الدولة بهدف تعديل الإجراءات التي من شأنها أن تطيل أمد التقاضي، مثل إجراءات الإعلان أو التنفيذ التي تتم بواسطة المحضرين، والمواد الخاصة بصلاحية القضاة وردهم وتنحيهم عن نظر الدعوى لمنع إساءة استخدامها، إلا أن الوزارة لم تحرك فيه ساكنا حتى الآن.

الطب الشرعي
ويؤكد أساتذة القانون أن الوصول إلى العدالة الناجزة يحتاج أيضا إلى تطوير الجهات المعاونة من طب شرعي وخبراء وشهر عقاري، بالإضافة إلى تطوير مصلحة الخبراء التي تمثل إحدى حلقات بطء التقاضي، التي تراجع دورها لعدة أسباب، قلة عدد الخبراء الذي لا يتعدى 2300 خبير، مقابل عدد القضايا المحالة إليهم والتي قد تصل سنويا إلى 600 ألف قضية بما لا يتناسب مع عدد الخبراء، بجانب أنهم يعملون وفقا لمرسوم بقانون منذ عام 1952 ولم يتم تغييره حتى الآن، حيث يواجه الخبراء كثيرا من المعوقات بسبب هذا القانون.

ولم يستطع وزير العدل إنهاء الخلاف بين الوزارة وبين مطالب الخبراء بإنشاء هيئة مستقلة للخبراء وتسميتها بـ"هيئة الخبرة القضائية"، حيث تمكن خبراء وزارة العدل من إعداد مشروع قانون هيئة الخبرة القضائية الجديد وتقديمه إلى مجلس النواب، والذي يناقش حاليا باللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، ويهدف في الأساس إلى إنشاء هيئة مستقلة للخبراء، وبموجبها يتم فصل الخبراء عن وزارة العدل، وإنشاء هيئة خاصة بهم مستقلة ماليا وإداريا وفنيا، وهو الأمر الذي رفضه الوزير، وأبدى اعتراضه عليه في مذكرة رسمية لمجلس النواب، وقامت الوزارة بمواجهة مشروع الخبراء، بمشروع آخر تقدم به قطاع التشريع يتضمن تعديل نص القانون رقم 96 لسنة 1952 بشأن "تنظيم الخبرة أمام جهات القضاء"، والمتعلق بعمل الخبراء، ولم يتم حسم الخلاف بينهما حتى الآن.

الشهر العقاري
وعلى غرار مصلحة الخبراء، تقدم الأعضاء الفنيون للشهر العقاري إلى مجلس النواب بمشروع قانون جديد يطالب بالاستقلال الفني والإداري والمالي عن وزارة العدل، وتحويلها إلى هيئة مستقلة لتيسير الإجراءات، مستندين في ذلك إلى المادة 199 من دستور مصر 2014 والتي تنص على أن "الأعضاء الفنيون بالشهر العقاري مستقلون في أداء عملهم"، وهو الأمر التي واجهه الوزير برفض تام، باعتبار أن الوزارة لا تتدخل في العمل الفني للشهر العقاري، ولا يتعرضون لأية ضغوط من جانب أية جهة، ومستقلون عن عملهم.

ويتمسك أعضاء الشهر العقارى بمطالبهم، مؤكدين أنهم يعانون مشكلات وأزمات، تتسبب في سوء الخدمات المقدمة للمواطنين، فضلا عن الصعوبات التي تواجه أعضاء الشهر العقاري في أداء عملهم، ونقص الإمكانيات وسوء المقرات، رغم إعلان الوزير تطوير وميكنة 140 مكتب شهر عقاري، بالإضافة إلى العجز في عدد الموظفين الذي يؤدي إلى تعطيل الخدمات والتكدس أمام المكاتب، والذي ظهر جليا خلال إجراء توكيلات الترشح على الرئاسة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

ولم يتمكن وزير العدل من حل أزمة التعيينات بالمحاكم والشهر العقاري، وهي المسابقات التي سبق للوزارة الإعلان عنها لمواجهة أزمة عجز الموظفين داخل المحاكم والشهر العقاري.

1600 موظف
وكانت وزارة العدل أعلنت عن حاجتها لـ 1600 موظف بمصلحة الشهر العقاري فور تولي المستشار حسام عبد الرحيم حقيبة الوزارة، وتقدم 140 ألف متسابق، وتحصلت مصلحة الشهر العقاري على أكثر من 280 ألف جنيه مقابل دفع المتقدمين "رسوم تقديم الملف" بنحو 20 جنيهًا للمتقدم، ولم يقم الوزير بالإعلان عن نتائجها حتى الآن.

كما أعلنت وزارة العدل في شهر مارس عام 2014 عن إجراء مسابقة للتعيين في المحاكم الابتدائية والاقتصادية، وأجريت اختبارات لمستوفي شروط المسابقة في نوفمبر 2015، وإلى هذه اللحظة لم يتم الإعلان عن المقبولين فيها، تقدم لتلك المسابقة ما يقرب من 700 ألف متسابق، وتم تحصيل ما يقرب من 14 مليون جنيه من المتقدمين لشغل الوظيفة مقابل دفع 20 جنيها، عن طريق الإيداع البنكي في فروع بنك القاهرة بالمحافظات أثناء تقديم المستندات المطلوبة لشغل الوظيفة.

وتقدم عدد من النواب بطلبات إحاطة حول تأخر نتائج مسابقات وزارة العدل، مطالبة وزير العدل إعلاء مبدأ الشفافية وإعلان نتائج المسابقات إلى سبق وأن أعلنت عنها.

خلل إداري
وكشفت استقالة الدكتور هشام عبد الحميد رئيس مصلحة الطب الشرعي وكبير الأطباء الشرعيين سابقا عن وجود خلل إداري في منظومة مصلحة الطب الشرعي، وهذا ما أكده "عبد الحميد" في نص استقالته التي تقدم بها إلى وزير العدل مؤخرا، كاشفا عن عدم توافر بيئة العمل الصحية والصلاحيات الكاملة التي تمكن رئيس المصلحة من أداء وظيفته على الوجه الأكمل، يأتي ذلك في الوقت الذي يؤكد فيه وزير العدل على تطوير العمل بالطب الشرعي وافتتاح فروع جديدة له، وعدم التدخل في عمل المصلحة فنيا أو إداريا.
وقد سبق للأطباء الشرعيين التقدم بمذكرة إلى وزير العدل باستقلالهم عن الوزارة وتحويلها إلى هيئة مستقلة ماليا وإداريا عنها، كما طالبوا بتعديل القانون الذي ينظم عملهم، وهو قانون تنظيم أعمال الخبراء أمام القضاء رقم 96 لسنة 1952، الصادر بمرسوم من الملك فاروق والذي أصبح غير ملائم لطبيعة عمل الأطباء الشرعيين الآن في ظل تطور الجريمة وأنواعها، بالإضافة إلى تدني الأجور، وعدم تلقى الأطباء التدريب المستمر، مما دفع عددا كبيرا منهم إلى السفر للخارج، أدى إلى قلة عددهم في مصر الذي لا يتعدى 200 طبيب، وتكدس القضايا أمامهم.

أما فيما يتعلق بجهاز الكسب غير المشروع ودوره في مكافحة الفساد، فرغم انتهائه من التحقيق في عدد من القضايا وتوريد قيمتها إلى الخزانة العامة للدولة والتي تجاوزت 6 مليارات جنيه، إلا أنه فشل في إنهاء ملف التصالح مع رموز مبارك، وأبرزهم يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق، وصفوت الشريف، ومحمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، هذا بجانب عدم انتهاء خبراء الكسب من فحص أملاك وثروات الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وأسرته، وعدم التصرف فيها حتى الآن إما بالتصالح أو الإحالة للمحاكمة.

ولم ينته وزير العدل حتى الآن من ترميم المحاكم التي تم حرقها وإتلافها خلال ثورة 25 يناير، حيث ما زال هناك أكثر من 13 محكمة تحتاج إلى تطوير وترميم، أهمها مجمع محاكم الجلاء وجنوب القاهرة بباب الخلق ومطروح القديمة، خاصة أن الوزارة عجزت عن توفير المبالغ اللازمة لترميم تلك المحاكم، والتي يتجاوز ترميمها 100 مليون جنيه.

غياب الثورة التشريعية للقضاء على بطء نظام التقاضي وعدم تحقيق العدالة الناجزة ما زالت مشكلات سلبية تعاني منها السلطة القضائية، يقف وزير العدل عاجزا أمامها، رغم محاولات الوزارة التصدي لها.
الجريدة الرسمية