رئيس التحرير
عصام كامل

710 آلاف حالة طلاق و90 ألف دعوى خلع في 2017.. مذبحة أسرية كل أسبوع في 2018.. «فيتو» تجاوب على سؤال «ماذا يحدث داخل الأسرة المصرية».. الفقر والمخدرات كلمة السر في تفكيك المجتمع.. ور

فيتو

الأرقام مخيفة، والأسباب وكواليس كل رقم تشير إلى حقيقة واحدة، أن المجتمع يعاني من حالة تفكك، وأن السوس نخره حتى النهاية، فأكثر من نصف مليون حالة طلاق في عام واحد، و90 ألف دعوى خلع، والأهم من ذلك المذابح الأسرية التي انتشرت في الأشهر الأخيرة وباتت بمعدل جريمة أسبوعية، ذلك قطرة من بحر.


في كافة الأفكار المؤسسية ثمة قاعدة أساسية تقول، إن التغيير يبدأ من الفرد، وأن الوصول لمجتمع يتطلب أولًا بناء أسرة على أسس متينة، لا يقتصر مفهوم الأسرة على الزوج والزوجة فقط، بل كل فرد هو في الأساس أصل من أسرة ومن هنا يجب النظر إلى الإشكالية ككل.


ماذا حدث للمصريين كان السؤال الأبرز والذي تحاول «فيتو» من خلال السطور التالية الإجابة عنه.



المذابح الأسرية
وبجانب تلك الإحصاءات فإن المذابح الأسرية كانت هي الظاهرة الأبرز خلال الأشهر الأخيرة، وكان أبرزها واقعة «ميت سلسيل» حين أقدم أب على قتل طفليه «محمد وريان»، من خلال رميهما في بحر مدينة فارسكور، التابعة لمدينة دمياط، بعد أن ادعى اختطافهم في أول أيام عيد الأضحى الماضي، عقب اصطحابهم إلى إحدى الحدائق العامة في مدينة ميت سلسيل، وحرر محضرا بذلك وزعم القاتل بل زاد الحبكة بإعلان مكافأة 60 ألف جنيه لم يدل بمعلومات عن طفليه، إلى أن تم العثور على جثتي الطفلين في بحر فارسكور بدمياط، وتوصلت التحقيقات في النهاية بأنه هو الذي قتل أطفاله لعدة أسباب.

شاهد..«أب» يحقن ابنه بالأنسولين للضغط على طليقته للعودة إليه.. وزوج يشوه جسد زوجته بماء النار


لم تمض ساعات على تلك الواقعة حتى كانت هناك واقعة أخرى في منطقة «البحر اليوسفي» بالمنيا، إذ أقدمت أم على قتل طفليها بالمنيا بإلقائهما في «البحر»، وأكدت الأم بعد ذلك أنها من قتلتهم لخلافات مع زوجها الذي لا يعاملها بطريقة حسنة.

جرائم حواء
«حواء» كانت حاضرة بقوة ضمن مرتكبي الجرائم، فبجانب ما حدث بالمنيا، أقدمت زوجة على قتل زوجها في المنيب منذ أيام قليلة وذلك بمساعدة عشيقها الذي سدد لزوجها أكثر من 20 طعنة في أماكن متفرقة من جسده.

شاهد ايضًا.. أبشع وقائع قتل الأمهات لأبنائهن في المنيا


جريمة أخرى بطلتها امرأة ولكن تلك المرة في منطقة شبرا دمنهور حيث كشفت التحريات قيام زوجة بخنق زوجها أثناء نومه ما أدى إلى وفاته، وبمواجهة الزوجة اعترفت أنها قامت بتخديره أولًا حتى ينام، وذلك لأنه لا ينفق على أولاده.

الخلع لأتفه الأسباب
ومن القتل للخلع لأتفه الأسباب، يستمر مسلسل تدمير الأسرة المصرية، ومن آلاف الأسباب ظهر خلال الأيام الماضية إقدام ربة منزل على تقديم دعوى خلع ضد زوجها حمدي الذي يعمل محاسبا بإحدى شركات البترول، لتعمده غلق الراوتر حتى لا تتصفح مواقع الإنترنت ولا تتحدث مع صديقاتها ليلا أثناء نومه.

سبب آخر هو ما دفع «هدى» لتقديم دعوى الخلع، إذ أوضحت في عريضة الدعوى أنها تطالب بذلك لأن زوجها يعايرها بسبب قصر شعرها.

اقرأ..ربة منزل بدعوى خلع: «بيدي الأولاد مصروف جنيه في اليوم»


لماذا وصلنا إلى هذا؟
السؤال الصعب يجيب عليه عدد من الخبراء، أبرزهم الدكتور طه أبو الحسن، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس ويقول في حديثه لـ«فيتو» إنه لا يمكن تفسير ذلك على إنه نتيجة سبب بعينه ولكن هناك الكثير من العلل التي أصابت المجتمع المصري الفترة الأخيرة بكل طبقاته وطوائفه، ما أدى إلى تلك النتيجة في النهاية.

هل للفقر دور؟، يؤكد «أبو الحسن» أن الجانب المادي من العوامل الأساسية التي ساعدت على انتشار هذه الحالات قائلا، فالرجل في نظر زوجته «كيس فلوس»، والابن ينتظر من أبيه مالا لتحقيق طموحاته، وإحساس العجز لدى الآباء يولد إحساسا يؤدي لارتكاب جرائم.

وكانت آخر إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تشير إلى أن نسبة الفقر في مصر عام 2017 وصلت إلى 27% بزيادة عن العام الذي سبقه.

اقرأ أيضًا..السيسي: القضاء على الفقر هو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه مجموعة الـ 77


الأمر ساهم فيه بعض أنواع الأعمال الفنية والكلام لـ«أبو الحسن»، مشيرًا إلى أن تلك الأنواع التي روجت للمخدرات والبلطجة ساهمت في ضياع الكثير من القيم الإنسانية، بجانب البعد عن الدين، كل ذلك أدى إلى ما وصل إليه الشعب المصري الذي بات يحتاج إلى دراسة حقيقية من علماء الاجتماع.

المخدرات كلمة السر
بجانب الفقر وضرب منظومة القيم المجتمعية، تبقى المخدرات كلمة السر في ارتكاب الكثير من الجرائم، وبحسب إحصائية للمركز القومي للبحوث الجنائية، تكشف أن 56.7% من مرتكبي الجرائم كانوا تحت تأثير المخدر، و58% من المتورطين بقضايا هتك العرض «مدمنين»، و23.7% من القتلة «حشّاشين».

ويقول مجدي البسيوني، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن نعمة الله على الإنسان هي العقل، وإذا ذهب يفعل الكثير وهو ما نراه في زيادة نسبة متعاطي المخدرات وبالتالي زيادة نسبة الجرائم، لافتًا إلى أن الأنواع الجديدة من المخدرات تصيب متعاطيها بالشلل إذا لم يحصل عليها وبالتالي فإنه يفعل أي شيء من أجل الحصول على جرعة مخدر.

شاهد..والدة ضحية الاغتصاب والقتل: القاتل مدمن مخدرات

في السياق ذاته يشير محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن المخدرات من أبشع الحروب التي تخوضها الدولة مثل الإرهاب وخاصة الأنواع الحديثة، مؤكدا على أنها أسوأ من الحروب البيولوجية، مشيرا إلى أن إدارة مكافحة المخدرات تعمل على تحجيم الطلب بضبط المتعاطين، وتحجيم العرض بمراقبة المنافذ الشرعية لدخولها مثل المطارات، والمنافذ غير الشرعية كحدود الدولة، فضلا عن أن الجمهورية بها 27 محافظة، وهناك 27 إدارة مكافحة للمخدرات على مستوى الجمهورية.

وأكد أن تحجيم العرض مسئولية رجال الأمن فقط، أما تحجيم الطلب فهي مسئولية الأسرة والمجتمع، لافتًا إلى أنه لا بد من دراسة مشتركة بين المعاهد المتخصصة في المجال ووزارة التربية والتعليم وقطاعات الأزهر ومراكز الشباب على مواجهة الإدمان بين الشباب.

حملات بلا فائدة
لم تقف مؤسسات المجتمع مكتوفة الأيدي أمام تلك الظواهر، فدشنت عددا من الحملات لمنع حالات الطلاق مثل «وعاشروهن بالمعروف» أو دورات المقبلين على الزواج، وبهذا الصدد، يقول الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن أغلب حالات الطلاق أو العنف الزوجي تكون بسبب عدم القدرة على التعامل مع الأزمات والتفكير، لهذا يلجأ الرجل لتنفيس غضبه في الأقرب إليه وهي الزوجة والأبناء.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، أن تلك الحملات ستعمل على التعامل مع أهم المشكلات التي تطرح بعد الزواج، والمتمثلة في عدم تحديد ما يُعرف في علم النفس التواصلي بـ«الفضاء العلائقي»، وهو تحديد رغبات الطرفين، ومعرفة دوافع الزواج، وهل يتفق الطرفان حول نظرة كل منهما للآخر، وبالتالي ستساهم في الحد من نسبة الطلاق والتفكك الأسري، وستجعل كل فرد يتفهم الطرف الآخر ويستوعبه.

تابع...«وعاشروهن بالمعروف»: التسرع في الطلاق يناقض حكمة تشريعه (فيديو)

من جانبها عبرت هدى زكريا، أستاذة علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، عن ترحيبها بوجود مثل هذه الدورات وحملة «وعاشروهن بالمعروف»، نظرًا لأهميتها بالنسبة إلى الشباب المقبلين على الزواج خاصة مع ارتفاع نسب الطلاق، مشيرة إلى أن هذه الدورات مفيدة جدا بالنسبة إلى الأزواج لإصلاح الخلل والشرخ الموجود في الحياة الزوجية، حيث تحولت العلاقة إلى نوع من التزاوج وليست علاقة اجتماعية مبنية على الود والتفاهم بين الطرفين اللذين يؤديان إلى استقرار العلاقة واستمرارها.

مصير الأطفال
كان الأمر أيضًا مؤرقًا بالنسبة للكثيرين بسبب الأطفال ومصيرهم وما يجب أن نفعله لطفل فقد أسرته سواء بالطلاق أو بارتكاب جريمة، وفي هذا يقول محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن الأطفال إما أن يتم إيداعهم بدور الأيتام، أو تعيش برفقة أقاربهم من الدرجة الأولى، ولكن تأهيل الأطفال الناجين مسألة غاية في الصعوبة، نظرًا لأن الأطفال تتربى على فطرة الأباء، فإذا كان الأب سويا يصبح الطفل سويا وإذا كان الأب مريضا أو معقدا نفسيا يكون الابن مثله.

وأضاف في تصريحات خاصة لـ«فيتو»، أن رحلة تأهيل الأطفال الناجين تكون صعبة لأن شخصية الطفل ستصبح عدوانية ويفقد الثقة في جميع ما حوله، بجانب أن البعض سيعايره بما حدث مع أهله، لهذا ستكون شخصية الطفل «سيكوباتية» ضد المجتمع ومن الممكن أن يكرر نفس مأساته في الصغر مع أسرته أيضًا عندما يتزوج.

وتابع: أنه من الضروري لتأهيله، إبعاده عن البيئة المحيطة بالحادث، وتقديم الدعم والاحتواء له، ووضعه تحت المراقبة لمتابعة تأثر نفسيته بالحادث، بجانب توفير الحياة الآمنة من تقلبات المجتمع.

الجريدة الرسمية