رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

وزراء ورؤساء جامعات يجيبون على السؤال الصعب: من وراء البطالة.. المجانية أم التعليم الفاشل؟.. «عبد الخالق»: هناك خريجون لديهم مهارات ولا يجدون فرص عمل.. ونصار: كل دولة لديها مصلحة في تعليم أب

 مصطفى الفقي، مدير
مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية

فتحت تصريحات للدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية حول مجانية التعليم الجامعي ودورها في إفراز طوابير من العاطلين الجدل من جديد على إلغاء مجانية التعليم من عدمها، فبينما يرى فريق أن المجانية تؤدي إلى تخريج جيوش من الخريجين غير المؤهلين لسوق العمل، يرى فريق آخر أن "التعليم حق للجميع كالماء والهواء" كفله الدستور.


بعيدا عن آراء المطالبين بإلغاء مجانية التعليم الجامعي والرافضين للفكرة، فبواقع الإحصائيات والتقارير الأخيرة، تأخرت مصر كثيرا في عملية تطوير وإصلاح التعليم، مما جعل هناك فجوة بين خريج الجامعة وسوق العمل، وهو ما أوجد أعدادا كبيرة من العاطلين، ونسبة كبيرة من البطالة من خريجي الجامعات المصرية تتجاوز الـ12%، بحسب تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وأوضح التقرير أن 66.5% من الخريجين خلال عام 2016 هم من خريجي الجامعات الحكومية، وهو ما ترتب عليه وجهات نظر ترى أن التعليم الجامعي مُكلف، ولا يجب أن يكون متاحًا مجانا إلا للمتفوقين، بينما يرى آخرون أن التعليم حق دستوري توفره الدولة للجميع مهما كانت تكلفته.

المواءمة والتوافق

من جانبه، قال الدكتور السيد عبد الخالق، وزير التعليم العالي الأسبق إن الحديث عن أن التعليم الحكومي المجاني هو السبب في البطالة غير صحيح على الإطلاق، وأن ما يتم تدريسه في الجامعات الحكومية هو نفسه ما يتم تدريسه في الجامعات الخاصة، مشيرا إلى أن قضية البطالة لها شقان، الأول يتعلق بالتعليم ومدى إكسابه مهارات للطلاب، والثاني وهذا يحتاج إلى إعادة نظر لإضفاء الجانب العملي أو التطبيقي للتعليم، بالإضافة إلى الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، ومدى توافر فرص في السوق، مشيرا إلى أن هناك خريجين يتوافر لديهم مهارات رفيعة، ومع ذلك لا يجدون فرص عمل ويغادرون إلى الخارج.

وأوضح عبد الخالق أن القضية هي كيف نبني جسورا بين التعليم وسوق العمل في الخارج، وكيف يتم عمل مواءمة بين الجانبين، فليس التعليم فقط هو من يحتاج إلى تطوير وتحديث، بل وسوق العمل أيضا، لافتا إلى أنه لا بد من إنشاء ورش وشراكات بين المجالس الجامعية، لربط التعليم بسوق العمل، لذلك فإن المسألة لا تتعلق بالمجانية بقدر ما تتعلق بالتوافق بين الجامعات والسوق، ففي الجامعات الإسبانية على سبيل المثال يوجد عشرات المشروعات، حيث يتم العمل على ابتكارات الطلاب والتسويق لها، لذا تصبح موردا مهما جدا من موارد الدولة.

القُدرة

أما الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة السابق، فيرى أنه عندما تريد الدولة أن ترفع يدها عن الإنفاق على التعليم، فيأتي من يزعمون أن المجانية هي أصل الشرور، وأن المجانية هي السبب في كثافة أعداد طلاب الجامعات بما لا يتوافق مع متطلبات سوق العمل، وأن المجانية هي السبب في بُعد التعليم عن فرص العمل، مستنكرا تحميل البعض مجانية التعليم مسئولية انتشار البطالة وكثرة العاطلين عن العمل، مشيرا إلى أن من ينادون بإلغاء مجانية التعليم لا يعوُن خطورة هذا، قائلا: "المشكلة الأساسية هنا هو أنه عندما يتم حرمان الشعب من التعليم زي ما بيقولوا، فهل يصبح الشعب "بلطجي"!! أو يطلعوه جاهل"!!

وأكد نصار أن كل دولة لديها مصلحة في تعليم أبنائها، وأن المسألة يجب أن تتعلق بالقُدرة، بمعنى أنه إذا كان الشخص قادرا، فيمكنه أن يتعلم مقابل دفع الأموال، لكن إذا كان الشخص غير قادر، فمن حقه أن يتعلم مجانا، وهذا يحدث في العالم كله.

الاستثمار في التعليم

"الاستثمار في المعرفة يحقق أفضل عائد".. مبدأ أكده العالم بنيامين فرانكلين، وصدق عليه الدكتور شبل الكومي رئيس جامعة مصر الدولية، مشيرا إلى أن التعليم الجامعي هو واجب دولة، ويتعلق بالاستثمار بشكل أساسي بهدف زيادة جودة التعليم، لذا فإنه ليس هناك علاقة بين مجانية التعليم وبين جودته، لكن المشكلة الأساسية في التعليم الحكومي هو عدم توافر الإمكانيات المناسبة، حيث إن الإمكانيات لا تزيد، وعلى جانب آخر تتضاعف أعداد الطلاب عشرات المرات، فعلى سبيل المثال يبلغ عدد طلاب كلية التجارة في الجامعات الحكومية نحو 65 ألف طالب، بينما يتوفر نحو 10 أساتذة فقط في الكلية أي بواقع 600 طالب لكل أستاذ تقريبا، فكيف يتعلم الطالب في بيئة كهذه؟!

واستنكر الكومي وجود جامعات تضم أكثر من 200 ألف طالب، لافتا إلى أن أكبر جامعة في العالم لا يزيد عدد طلابها على 50 ألف طالب، وأن الجامعات الغربية يتراوح عدد طلابها بين 14 ألفا إلى 20 ألف طالب، مثل جامعة هارفارد التي تعد من أقدم وأكبر الجامعات العالم، فعدد طلابها لا يتجاوز الـ14 ألف طالب، على الرغم من أن عمرها يتجاوز الـ 200 عام، مؤكدا أن جامعة مصر الدولية بها 8 آلاف طالب فقط، وأكبر جامعة خاصة، مثل: جامعة 6 أكتوبر بها 22 ألف طالب.

وعن الفروق بين الجامعات الحكومية والخاصة، لفت الكومي إلى أن "السيكشن" في الجامعات الخاصة لا يزيد على 25 طالبا، بينما في أي جامعة حكومية بكلية الطب على سبيل المثال يحضر "السيكشن" 600 طالب، فأين يجلسون، وكيف يفهمون؟! متابعا: "وحتى لا نظلم الجامعات الحكومية فلا بد أن نعي أنها الأساس لأن الجامعات الخاصة وجدت منذ 20 عاما فقط، وكان قبلها التعليم الجامعي حكوميا مجانيا فقط، لذا فقد كان هو الموجود في وقت التنمية، لكن يحتاج أن نصرف عليه أكثر حتى نستفيد منه على الوجه المطلوب".

وعن أزمة الإنفاق على التعليم العالي الحكومي، فيؤكد رئيس جامعة مصر الدولية الخاصة أنه تم تخصيص 6% من نسبة الدخل القومي للإنفاق على التعليم العالي، لكن ما يتم إنفاقه فعليا لا يتجاوز 3% ولا حتى 2%، أي لا يأخذ ميزانيته الحقيقية، مشيرا إلى أن أي دولة في العالم تنفق ما لا يقل عن 10% من دخلها القومي على التعليم، واختتم حديثه بأن خريجي الجامعات الخاصة يسهل عليهم إيجاد فرصة عمل، وبالنسبة لجامعة مصر الدولية التي يرأسها، فلا يوجد في خريجيها عاطل واحد.

الجودة

وأكد الدكتور ماجد نجم، رئيس جامعة حلوان، أن التعليم الجامعي كان ولا يزال هو الرابط الأساسي لسوق العمل في مصر، لكن المشكلة في كثافة أعداد طلاب الجامعات الحكومية، وإن كان هذا لم يعق الجامعات الحكومية في أن تقوم باتباع نظم الجودة في العملية التعليمية، والتي بالطبع تنعكس على مستوى الطلاب إيجابيا في كافة الجامعات الحكومية، مشيرا إلى أنه لا تخلو جامعة بمصر من الكليات التي حصلت على الجودة.

وأضاف نجم: "جامعة مثل جامعة حلوان بها من التخصصات النادرة والمتميزة، التي يصعب حتى إن تقوم الجامعات الخاصة بتخريج مستوى من الطلاب بنفس كفائتهم، فهي جامعة الفنون بها كليات الفنون الجميلة، والفنون التطبيقية، والتربية الموسيقية، فضلا عن كليات السياحة والفنادق والاقتصاد المنزلي والتربية الرياضية، وإذا نظرنا إلى الكليات التي ذكرتها نجد أنها بالفعل تمد سوق العمل ليس فقط المصري، ولكن أيضا الدول العربية بما تحتاجه، فالجامعات المصرية بخير".

الدفع مقابل الرسوب

ومن ناحية أخرى، أوضح النائب ورجل الأعمال فايز بركات، عضو لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، أن المجانية حق دستوري، لذا فإن أي حديث عن إلغاء المجانية يعد غير دستوري وغير قانوني، إلا بتعديل المادة الدستورية، مشيرا إلى أن التعليم الجامعي يُبنى على التعليم ما قبل الجامعي، وبما أن التعليم قبل الجامعي لا يتناسب مع العصر الحالي، فإن الطالب يخرج من تلك المنظومة معتادا على الحفظ والتلقين، وللأسف تتعامل معه الجامعة بنفس الأسلوب، عن طريق مذكرات وكتب وهكذا، لذا يصبح الخريج ليس كفئا.

وأشار بركات إلى أنه تقدم بطلب لتعديل مادة في قانون تنظيم الجامعات، وهي أن الطالب الذي يرسب في الجامعة بدون عذر قهري يجب على الطالب أن يدفع مقابل إعادة السنة، ويدفع تكاليف دراسته بالكامل، وهذا سيحفز الطلاب الكسالى على النجاح حتى لا يدفعون مقابل للرسوب، ويحفز كذلك الطلاب المجتهدين على الاجتهاد أكثر وأكثر، مشيرا إلى أن هذا ليس به مخالفة دستورية؛ لأن التعليم على حسب اللوائح الداخلية للجامعة، بمعنى أنه إذا كانت الجامعة مدتها 4 سنوات فللطالب حق دراسة الأربع سنوات مجانا، وما يزيد عن هذا يتحمل الطالب تكاليفه، لافتا إلى أن هذا يمكن أن يتم تطبيقه بدءا من العام المقبل، حتى يتم الانتهاء من تعديل المادة.

وفيما يتعلق بالتعليم الخاص، أوضح فايز أن بعض الجامعات توقع بروتوكولات مع دول أجنبية؛ فالطالب يكون لديه فرصة للسفر إلى الخارج والتدريب، مما يعطيه فرصة في أن يكون أكثر تميزا من خريج الجامعة الحكومية، أما الجامعات الحكومية فللأسف لا تواكب سوق العمل، ضاربا مثال بكلية الحقوق عام 2014 خرجت 56 ألف خريج، وطالب عضو مجلس النواب بالتوسع في إنشاء المعاهد التكنولوجية، التي تؤهل الطلاب لسوق العمل، كما أنها تخفف الضغط عن الكليات النظرية، وتنهض بالمنظومة التعليمية بشكل عام في مصر.

وبالنسبة لسوق العمل يرى بركات، أنه لا يختلف خريج الجامعة الحكومية عن خريج الجامعة الخاصة في العمل، إلا أن الاختلاف يكمن في تأهيل كل طالب لنفسه، والخبرات التي يزود نفسه بها، مشيرا إلى أن سوق العمل الخاص عموما يأخذ الشخص المميز من أي مكان، سواء جامعة خاصة أو حكومية.

الإرادة السياسية

ويرى الدكتور حسين خالد، وزير التعليم العالي الأسبق أن مستوى خريجي الجامعات الحكومية حتى الآن أفضل من مستوى خريجي الجامعات الخاصة، حتى إن الجامعات الخاصة تستعين في الغالبية العظمى من أعضاء هيئة التدريس فيها بالأساتذة الموجودين في الجامعات الحكومية، مشيرا إلى أن القصة بدأت منذ بداية الثورة عام 1952، وقبلها كان لا يوجد من يتعلم تعليما جامعيا إلا بمصروفات، مما سبَّب مشكلة في المجتمع، فجاءت الثورة بهدف الإتاحة أي إتاحة التعليم الجامعي لكل من يرغب ولديه المقدرة الفكرية للتعليم وليس المقدرة المالية فقط، لكن كان لا بد أن يتلو هدف الإتاحة هدف آخر وهو الجودة، لكن ما حدث أننا دخلنا في حروب كثيرة بعد ثورة 1952، مثل: حرب 56، وحرب 67، وحرب 73، وكل هذه كانت فترة ندافع فيها عن الوطن ونضع ركائزه الأساسية، لذا لم تستطع الثورة تكملة الإتاحة بالجودة.

وأكد وزير التعليم العالي الأسبق أن الفرصة الآن متاحة لدعم التعليم الجامعي، وهذا واضح في الوقت الحالي؛ لأن هناك إرادة سياسية قوية جدا لتطوير التعليم والصحة، فالتعليم هو المخ والصحة هي الجسم، لافتا إلى أن هناك طرقا كثيرة لتحسين جودة التعليم غير إلغاء المجانية، وهناك اتجاهات واضحة تتخذها الدولة حاليا لتحسين جودة التعليم، وربما سيأخذ هذا وقتا لكن سيخرج بنتائج جيدة، فيمكن أن تُرشد المجانية قليلا مثل أن كل طالب يرسب يتحمل تكاليف دراسته، أو زيادة مصروفات بعض الكليات التي تحتاج إلى إمكانيات كبيرة، أو استخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة في التعليم.

واختتم خالد حديثه بأن المستقبل ليس للتعليم الحكومي ولا للتعليم الخاص، ولكن للتعليم الأهلي، وهو ما يجب أن تتجه البوصلة له، فالتعليم الأهلي هو إنشاء جامعات لا تهدف إلى الربح، وأن تُصرف مصروفات الطلاب داخل الجامعة وعلى الجامعة، أي لا يكون هناك مجال لوجود هامش ربح لمؤسسي الجامعة أو القائمين عليها، وأبرز مثال على هذا هو جامعة القاهرة، حيث أنشئت كجامعة أهلية عام 1908م.

"نقلا عن العدد الورقي..."
Advertisements
الجريدة الرسمية