رئيس التحرير
عصام كامل

الملاك.. مصري بشهادة إسرائيلية موثقة!


عن جاسوسية أشرف مروان.. لمصر أم لإسرائيل أم لهما معا أم لنفسه ولحساب نفسه، عرض أخيرا الفيلم الإسرائيلي الأمريكي المشترك "الملاك" المأخوذ عن كتاب (الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل) في حرب يوم الغفران السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣..


والكتاب عمل غير روائي من تأليف يوري بار جوزيف، تم تحويله إلى عمل سينمائي أراه تليفزيونيا محدودا تكلف إنتاجه ١٢ مليون دولار، وأخرجه المخرج الإسرائيلي آريل فريمون، وهو كاتب ومنتج ومخرج لأفلام أشهرها رجل الجليد لعام ٢٠١٢.

يمكن القول إن الفيلم قدم وثيقة مسجلة على حيرة المخابرات الإسرائيلية "الموساد" في حسم هوية العميل المصري المزدوج أشرف مروان، والحق أن الحيرة ليست على الجانب الإسرائيلي وحده، هي موجودة بقوة وعمق في الوجدان الشعبي المصري، رغم الاعتراف الرسمي من الدولة المصرية بالدور البطولي لأشرف مروان في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣.

ولقد كرمه الرئيس السادات بوسام عسكري رفيع كما شهد بوطنيته الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتعتبره إسرائيل بدورها بطلا وطنيا! بمقاييس الفيلم الإسرائيلي يصبح أشرف مروان زوج منى جمال عبد الناصر أعظم وأخطر وأذكى جواسيس العالم، وبمقاييس ومعلومات الفيلم فإنه كان يلعب القمار ويشرب الخمر ويصاحب الممثلة البريطانية ديانا إليس التي أرادته وراودته فاستخدمها في هروبه عدة مرات من الموساد ومن الأمن المصري، لكنه امتنع واكتفى بالقبلات، لأنه يحب زوجته وابنه جمال.

باع مروان نفسه للسفارة الإسرائيلية في لندن انتقاما من جمال عبد الناصر والأخير اعتبره ممثلا للأفكار الأمريكية، بل وسفيرا لواشنطن عنده، أحرجه في عشاء حضره ناصر بالسفارة المصرية في لندن ومعه ابنته منى، وفي اللقاء الذي شرب فيه ناصر النبيذ، اقترح مروان الاتصال بالأمريكان ليقدموا مساعدات اقتصادية، بغض النظر عن استرداد الأرض، تساعد المصريين على الابتعاد عن السوفيت لأن الاتحاد السوفيتي كان مقدرا له الزوال بفعل التطور التاريخي والفساد!

وهو ما حدث، منذ تلك اللحظة طلب ناصر من منى أن تطلب الطلاق، لكنها أحبت مروان وتمسكت به، وهكذا وجد نفسه يدخل كشك تليفون عمومي في لندن ويطلب لقاء السفير الإسرائيلي شخصيا، ولما سئل من أنت قال أشرف مروان ولدي معلومات لأقدمها للموساد!

اعتذر المتحدث من السفارة أن السفير الإسرائيلي ليس موجودا، فشعر مروان أنه تسرع وأصابه الاحباط وأنه ما كان يجب أن يعطي اسمه!

كانت المكالمة بالطبع مسجلة، بعدها بأيام دخل رجال من المخابرات المصرية المدرج الذي يدرس به أشرف مروان وأيقن تماما أنه مقبوض عليه، كانوا مع سامي شرف مدير مكتب عبد الناصر ورجله الأمين، جاء يبلغه بوفاة الزعيم وضرورة سفره إلى القاهرة وزوجته منى جمال عبد الناصر لحضور مراسم الوداع والجنازة.

تلك اللحظة بالضبط اختلطت مشاعر الفرح بالحزن المصطنع على وجه مروان، فأخيرا ذهب الرجل القوي الذي اعتبره عبئا عليه وطلب تطليقه من ابنته، وأخيرا ليس ثمة ما يهدده، فهؤلاء جاءوا لاصطحابه إلى مصر وليس لاعتقاله، أي لا علم لهم بالاتصال الذي أجراه بالسفارة الإسرائيلية يطلب عرض معلومات مهمة على الموساد!

ولأنه مقامر، فقد استغل ظروف الحزن والعزاء داخل بيت أسرة جمال عبد الناصر، وصعد إلى الطابق الثاني ودخل غرفة عبد الناصر، ولمحه سامي شرف فصعد وراءه، كان أشرف مروان سحب درجا مفتوحا وأخرج منه أوراقا، تصفحها بسرعة، ونجح في فتح الدرج الكبير بفتاحة أوراق، ولما انفتح وضع يده على ملفات ثلاثة تدين سامي شرف وعلي صبري وشعراوي جمعة.

كان الثلاثة ورثة ناصر فكرا ونفوذا وقوة، دخل سامي شرف المكتب فلم يجد مروان، اختبأ الأخير تحت المكتب. أنقذه دخول موظف آخر يطلب سامي شرف لأن السيدة تحية عبد الناصر تريده عاجلا لأمر ما! لو تقدم سامي شرف ثلاث خطوات إضافية لوجد أشرف مروان يتصبب عرقا مذعورا مكوما كدجاجة ترتعد تحت سقف مكتب صهره جمال عبد الناصر.

من فوره التقى أشرف مروان بالسادات وقدم له ملفات ناصر التي تدين الثلاثة، وبذلك ألقاهم السادات في السجن، واشترى أشرف مروان ثقة الرئيس الجديد، فعينه مستشارا خاصا ومديرا عاما لمكتبه، من هذا الموقع، سنرى مروان يحضر جميع اجتماعات خطط الحرب، بل يطلعه عليها، في الفيلم الإسرائيلي اللواء سعد الشاذلي رئيس الأركان، بل سنراه هو من يقترح على السادات فكرة الخداع الإستراتيجي واختيار يوم الغفران، حيث لا أحد يحرك ساكنا في إسرائيل تقديسا لهذا اليوم.

السادات في هذا الفيلم يصغي لأفكار مروان، ويقوم بدوره الممثل الإسرائيلي ساسون جاباي وهو يهودي عراقي، ولم يستطع أن يتخلص من اللهجة العراقية فبدا مسخا مزريا!

حين نتأمل الأحداث سنرى أن السادات كان هو المتلاعب بأشرف مروان، وسنرى أنه والمخابرات العامة المصرية كان من يقود مروان لتضليل الموساد، ولا بأس من إمداده بمعلومات حقيقية ناقصة، ترضيهم ولا تقنعهم أو تقنعهم ولا ترضيهم، والمهم أن يظلوا حائرين حيث هم!

قدم أشرف مروان للموساد معلومات كاملة عن خطة حرب أكتوبر مرتين، وفي المرتين حشدت إسرائيل جيشها وقوات الاحتياط التي تمثل ٨٪؜ من الشعب الإسرائيلي، وتكلف الاقتصاد الإسرائيلي ملايين الدولارات، لكن السادات كان يعود فيسحب القوات المصرية إلى الوراء.

في المرة الثالثة تردد الإسرائيليون في قبول معلومات أشرف مروان، لكنه أصر على صحتها وأعطاهم موعد الحرب في السادسة مساء السادس من أكتوبر، انتظرت إسرائيل موعد الضربة في السادسة وداهمهم السادات في الثانية ظهرا!

أربع ساعات كانت كافية لتحقيق عنصر المباغتة وكانت مفتاح النصر!

ومن أرض الانتصار وافق السادات على السلام هدفه الإستراتيجي لاسترداد الأرض، وفي ٢٧ يونيو ٢٠٠٧ ألقى أحدهم بأشرف مروان من شرفة شقته بلندن، من البناية ذاتها التي شهدت مصرع سعاد حسني! كان في الثانية والستين من عمره.

في الفيلم عبارة حاسمة قطعت بشك الموساد في أن مروان كان عميلا بامتياز للمخابرات المصرية وهي أن لجنة "أجرانات" للتحقيق في أسباب هزيمة إسرائيل انتهت إلى أسئلة واتهامات حول مسار الحرب والأداء فيها وتطرقت بالاتهامات والتساؤلات حول أشرف مروان ذاته.. كان الكلام على لسان "داني" عميل الموساد وصديق مروان!

وليس هباء مشهد إهداء داني لأشرف مروان كتاب (قصص ايسوب) وفيه قصة التحذير الكاذب عدة مرات من ذئب يهاجم طفلا، قال عميل الموساد لمروان وهو يحدق فيه طويلا بابتسامة غامضة: أنت بارع جدا. بارع جدا!

الفيلم إذن يسجل من حيث لم يرد براعة خطة المخابرات العامة ووطنية مروان ودهاء السادات، أسوأ ما في الفيلم التمثيل والكاستنج أي التوفيق في إسناد الأدوار للممثل المناسب، ويمكن اعتباره أقل من المتوسط في عالم أفلام الإثارة والجاسوسية والضجة التي نالها بسبب موضوعه ليس إلا!
الجريدة الرسمية