رئيس التحرير
عصام كامل

الموت حقيقة الحقائق


من المعلوم أن الله تعالى قد قدر الأقدار بعلمه من قبل أن يخلق الخلق سبحانه. وجعل لكل كائن قدرا ومقدورا لن يتجاوزه أحد ولن يتخطاه لا بزيادة ولا بنقصان. ومن هنا الكل يتقلب في قدره ومقدوره والإنسان منا يتقلب ما بين رزق مقدر ومقسوم لا حيلة فيه وبين أجل مقدر ومحتوم لا مفر منه، وكلاهما الرزق والأجل، متلازمان لا يفارق أحدهما الآخر، ولا يتجاوزه، ويتوقفان في وقت واحد.


وقد جاء في الأثر أن عند نهاية أجل الإنسان وهو في اللحظات الأخيرة من حياته يأتيه ملكان يجلسان عند رأسه وفي يد أحدهما صحيفة، ولا يراهما أحد غيره، وذلك لأنه في ذلك الوقت يكشف الغطاء عنه والحجاب فيرى مال ا يرى ويسمع ما لا يسمع، فيسأل أحدهما من بيده الكتاب ويقول له: انظر في كتابه هل تجد له لقمة بعد هذه الساعة.. فينظر الملك في الكتاب فيجيب: لا أجد له لقمة بعد هذه الساعة، فيسأله مرة ثانية: هل تجد له شربة ماء بعد هذه الساعة: فيجيبه لا، فيسأله مرة ثالثة: هل تجد له نفسا من الهواء فيقول لا.

هنا تفيض الروح إلى بارئها سبحانه وتعالى ويعلم بوفاته.

وسبحان الله بمجرد لفظ نفسه الأخير ومرافقة الروح للجسد يغيب اسمه ويختفي وكأنه لم يكن فيقال عنه الأمانة أو المرحوم أو الجثة، وكثيرا ما نسمع عند حمله لدفنه خلي بالكم من الأمانة. وأول ما يقال: إكرام الميت دفنه.. والحي أبقى من الميت.. سبحان الله الإنسان الذي كان له شنة ورنة كما يقال والذي كان يمشي على الأرض وهو يقول "يا أرض اتهدي ما عليكي أدي" تحول إلى جثة لا حول لها ولا قوة يقلبها المغسل ومن معه كيفما شاءوا.

وسبحان الله أول من يسرع في تجهيزه ودفنه أحب وأقرب الناس إليه وهم أهله وأقاربه وخلانه. المهم عندها يجرد الإنسان من كل شيء حتى ملابسه واسمه وبعدما يغسل ويكفن ويصلى عليه يحمل على الأعناق ويزف إلى قبره بعدما يفارقه ماله وجاهه ومنصبه وكل دنياه، وبعدما يوضع في قبره ويغلق الباب يمكث الأهل والأقارب والأصدقاء والمشيعون قرابة الساعة وربما أقل، ويعود كل منهم إلى شأنه وحياته. 

وهنا يعتبر من يعتبر، فالموت هو أبلغ موعظة للاعتبار، لأنه مصيرنا جميعا، وبعد فترة من الزمن يكاد أن ينسى ولا يزار إلا قليلا ويصبح ذكرى.. نعود إلى مشهد القبر بعد أن يوضع في قبره ويغلق عليه بابه يناديه ربه تعالى ومولاه جل علاه وهو وقتها يسمع جيدا فقد كشف الغطاء ورفع الحجاب وخرج من التقييد إلى عالم الإطلاق.

يناديه عزوجل قائلا سبحانه: عبدي حملوك وجاءوا بك وتركوك وإن بقوا معك ما نفعوك ولم يبق لك إلا أنا فهل جئتني بالصدق.. أي في المحبة.. حتى آتيك بالوفا.. في هذه اللحظة يدرك العبد أن ليس له إلا ربه ومولاه جل علاه إن لم يدرك هذا من قبل.

وهذه هي الحقيقة ليس لنا سواه جل شأنه فهو الذي لا يفارق وما سواه تعالى لا بد من مفارقته، فأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه ومحاسب عليه وكما نعلم الدنيا دار عمل والآخرة دار. الحساب والجزاء. 

هذا وعندما يصاب أحدنا ويبتلى في فقد عزيز. لا شك أنه يتألم ويحزن لفراقه ولكن يجب أن نتذكر أنه قد ذهب إلى من هو أولى به مما سواه وهو ربه وخالقه ومولاه وهو أرحم به من أمه التي تخلق ونمى في أحشائها ومما يبعث على الطمأنينة عند لقائه سبحانه وتعالى قوله عز وجل في الحديث القدسي: إن جاءني عبدي يوم القيامة بذنوب ما بين السماء والأرض وهو لا يشرك بي أحدا آتيته قرابها.. أي ما يعادلها ويوازيها.. مغفرة. 

الخلاصة.. يجب على العاقل منا أن يضع مشهد لحظة وفاته وهو متجرد تماما ومطروح على خشبة الغسل لا حول له ولا قوة بين عينيه وأن يعد نفسه للقاء ربه.. وفي الختام أسأل الله أن يرزقني وإياكم حب الله عز وجل وطاعته واتباع هدي نبيه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وأن يرزقنا حسن الخاتمة وحسن اللقاء.
الجريدة الرسمية