رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

المصنوعون من السكر!


في عالم الحياة، يعول بعض المهتمين بالدوائر البحثية، على ما يحدث من تفاعلات إنسانية لما يسمى بعلم "الجينوم البشري"، وهو لمن لا يعرفه المجموعة الكاملة من الجينات البشرية، وهو ليس مسئولا فقط عن التعريف بمنطق الحياة والنوع والتاريخ، إنما يتحكم في اتجاهات الشخص، ومواقفه وانفعالاته الإنسانية، والذكاء والغريزة، بل والصراع وأدواته وأسبابه، بما يعني أننا إذا سلمنا بهذا المنطق، فالإنسان مُسير بشكل ميكانيكي من "الجينوم"، ولا دخل له فيما ينتج عنه من تصرفات.


بحثت كثيرا في هذا الجانب؛ لفت انتباهي كتاب السيرة الذاتية للنوع البشري، للصحفي البريطاني "مات ريدلي"، الذي يجعلك بعد الانتهاء من قراءته في حاجة للبكاء على أي موقف صدر منك تجاه أي شخص، مهما كانت عدوانيته وسيرته الذاتية في الدناوة، الأمر الذي يعني أن الحياة بأكملها شيء يرواغ أي تعريف لها، بما يعني أكثر أن الإنسان مجرد كائن بيولوجي، أوكلت له القيام بالمسئولية اليومية، وهذا يتعارض مع انطباعه الخادع أنه حر، وهي المغالطة الفجة من وجهة نظر «ريدلي»، فهناك دائما ما هو أقوى من العوامل البيئية التي تشكل الشخصية وقدراتها النفسية والفكرية والاجتماعية، ويتلخص كل ذلك في «الجينوم».

ولكن ما سر هؤلاء الذين نراهم ونظن أنهم مصنوعون من السكر، وغيرهم ممن نلفظ مجرد تبادل النظرات معهم؟.. بالتأكيد بعيدا عن الجدل العلمي، وهذه المتاهات التي تحتاج معجزة سماوية لإعادة "داروين" و"سييفن هوكنغ" إلى الحياة، لحسم الكثير من النظريات.. الإنسان كما يحمل قلبه كذلك يكون.

تصرفات أي إنسان نابعة من جذور أفكاره تجاه العالم، ينطبق هذا الأمر على جميع ما يصدر منا سواء كان بشكل متعمد أو إن كان عفويًا، صفاء الفكر تتبعه البهجة الكاملة والعكس، لذا نرى دائما جمال الشخصيات الروحانية ــــ من غير المؤدلجين ــــ شيوخا كانوا أو رهبانًا، حاخامات أبو بوذيين، نتأمل متعتهم في التخلى عن الأشياء، وابتعادهم الدائم عن أي مسببات للتشاحن أو الصراع، بسبب جهودهم الفكرية المتواصلة في معرفة أسرار الروح وعوالمها، بينما في المقابل ستجد أي شخص لديه تصرفات منفرة خسيسة، هي في النهاية نتاج واضح لارتمائه المتواصل في أحضان الأفكار الدنيئة.

في أقصى حالات الضعف الإنساني، يستطيع البشر صنع أنفسهم واتجاهاتهم، عقل الإنسان وجوارحه أشبه بالحديقة، يمكنك رعايتها على أكمل وجه، فتنتج أزهارا تسر الناظرين، أو تتركها فتصبح موحشة، مُصدرة للقلق حتى لو لم يصدر منها أذى بشكل مباشر لأحد، العديد من الحقوقيين الذين يبحثون عن سعادة الناس أو حتى الحيوانات وإرضائهم حتى لو على حساب راحتهم بل وحريتهم إذا ما لزم الأمر، يتصرفون وفقا لمحصلة اتجاهاتهم وأفكارهم، كذلك يكون الحال للذين يبحثون عن الأذي للناس.

نهاية.. لا يوجد أناس مصنوعون من السكر، وغيرهم مصنوع من الحصى العاري المنتشر في الشوارع، ما نفعله دائما موجود بداخلنا ليس أكثر.
Advertisements
الجريدة الرسمية