رئيس التحرير
عصام كامل

مُحافظ يُحافِظ


رغم أن العقلية الإخوانية بليدة وسطحية وخالية من التميز، إلا أننا يجب أن نعترف بأنها كانت في معركتها معنا صاحبة الفعل المُبتدأ، وكنا نحن أصحاب رد الفعل، كان لدى هؤلاء البُلدَاء "خيال البدايات" ولَم يكن لدينا "خيال المواجهات"، فتقدموا في معركتهم وتأخرنا كثيرا، أقول ذلك ومعركتنا معهم لا تزال مستمرة، وأقول ذلك وكلنا يعرف أن اليد العليا كانت لنا في المواجهة الأمنية، ولكن ما عدا ذلك كانوا هم للأسف الشديد أصحاب اليد العليا!


ففي المجال الإعلامي تفوقوا علينا كثيرا أمام الغرب، وكانت قنواتهم الفضائية في تركيا وإنجلترا أكثر احترافا من قنواتنا، وقام تنظيمهم الدولي بشراء صفحات في صحف أمريكية وبريطانية ولَم نفعل مثلهم، واكتفينا بالجلوس في بلادنا، والتحدث إلى أنفسنا، فلم يصل صوتنا الذي هو صوت الحق إلى العالم الغربي، وكان صوت باطلهم هو الأقوى تأثيرا، هل تعرفون السبب؟

السبب في هذا هو أنهم يتحركون بعقلية صاحب العقيدة دينية، ونحن نتحرك بعقلية صاحب الوظيفة، ورغم أن عقيدتهم فاسدة وباطلة إلا أنها تُعتبر المحرك الأقوى لهم، وصاحب العقيدة قد يضحي بحياته في سبيل عقيدته التي يراها صحيحة وهي الفساد نفسه، أما صاحب الوظيفة فلا يمكن أن يضحي بحياته من أجل وظيفته، ولكنه قد يضحي بوظيفته من أجل حياته.

وأنا في هذا أستثني رجال الجيش المصري فهم يُرَبون منذ بداياتهم على عقيدة وطنية غالية، وعلى عقيدة دينية عالية، فنراهم يضحون بحياتهم من أجل وطنهم، ومع رجال الجيش رجال الشرطة وقد زادت عقيدتهم الوطنية وتبلورت في صورتها الكاملة، قبل وصول الإخوان للحكم وقتها أدركوا أن القصد من هدم الشرطة هو هدم الوطن نفسه، فرأيناهم يخوضون غمار معارك عسكرية - لا بوليسية - في مواجهات مع ميليشيات مُدربة على حروب الصاعقة، ومعارك الشوارع، فكان التفوق للشرطة المصرية لأنهم يحاربون من أجل عقيدة لا وظيفة، ومنهم سقط شهداء زينت أسماؤهم التاريخ الوطني المصري.

لذلك لن ننتصر في هذه المعركة في كل محاورها الإعلامية والفكرية والنفسية والوطنية والدينية والاقتصادية إلا إذا أصبح صاحب كل موقع وظيفي ذَا عقيدة وطنية يدافع عنها ولو كلفته حياته، وإلا إذا تحرك كل مسئول في الدولة وهو يمارس عمله من منطلق العقيدة الوطنية لا الوظيفة التنفيذية أو السياسية، والأمر ليس عسيرا والأمثلة بيننا تؤكد هذا، ومن هؤلاء رجلٌ كنتُ في معيته بعد فض اعتصام رابعة المسلح بعدة شهور، وهو اللواء أركان حرب أحمد عبد الله..

حيث كانت مجموعة من الوطنيين قد رتبت أمورها للسفر في رحلة من رحلات الدبلوماسية الشعبية إلى روسيا، لشرح الموقف المصري وطبيعة ثورة الثلاثين من يونيو، ومدى إجرام الإخوان واحترافهم للإرهاب، وكنت مع تلك المجموعة التي رأت أن تجعل اللواء أحمد عبد الله قائدا لها، وكان سبب اختيارنا لللواء أحمد عبد الله أنه كان قد شغل موقع محافظ بورسعيد قبل وصول الإخوان للحكم، ثم إذا به يقدم استقالته من موقعه بعد أن أصبح مرسي رئيسا..

وقتها كانت عقيدة أحمد عبد الله أنه لا يمكن أن يكون في مركب واحد مع الإخوان، مهما كانت الدنيا التي عرضوها عليه، ومن خارج الوظيفة قام بمهام وطنية سيكتب عنها التاريخ ذات يوم، والحق أنه كان قائدا بطلا بكل مقاييس البطولة، والمدهش أنه لم يتاجر بالدور الوطني الذي قام به، ولقد كان في رحلتنا لموسكو مفاوضا بارعا، وكان همه كله استعادة السياحة الروسية، وإعادة الدفء للعلاقات المصرية الروسية، ورغم أنه كان معنا في رحلتنا السفير السابق لمصر في روسيا رؤوف سعد، الذي أفادنا كثيرا في معرفة طبيعة الشخصية الروسية، وطبيعة الدبلوماسية عندهم إلا أنه ترك قيادة المجموعة لأحمد عبد الله..

وأشهد أنني تعلمت منه الكثير هو والكاتب الكبير محمد سلماوي المثقف الموسوعي، وبعد عودتنا أصبح أحمد عبد الله محافظا للبحر الأحمر، حيث تسلمها مهلهلة خالية من السياحة والسُيَّاح، فقاد محافظته من منطلق عقائدي وطني، وقام بإنجازات وطنية رائدة في حلايب وشلاتين، ونجح مع قبائلها بشكل كبير للتأكيد التاريخي على مصريتهم، أما في مجال السياحة فلنا جميعا أن نقدم له درع التميز، فمنذ أيام قليلة قامت منظمات سياحية دولية باختيار الغردقة كواحدة من أهم عشرين مدينة سياحية في العالم..

وبعد أن كانت هذه المدينة تعاني من انقطاع السياحة عنها، إذا بها في هذا العام تستقبل آلاف السياح من جنسيات مختلفة، ونشطت بها أيضا السياحة الداخلية إلى حدٍ غير مسبوق، أقول هذا وفِي أعمال هذا الرجل الكثير الذي لم أذكره، إذ تضيق المساحة ولا ينتهي الحديث، ولكنني أستطيع القول إن هذا الرجل مُحافظ يُحافظ على وطنه ومحافظته من منطلق عقيدته الوطنية والدينية، وليت كل أصحاب الوظائف مثله.

أكتب هذا المقال وهذا القائد المصري الوطني قد خرج منذ يومين من غرفة العمليات، حيث أجرى جراحة كان يجب أن يخضع لها وفقا لقرار الأطباء، إلا أنه أخذ يؤجلها ليُتم بعض مسئولياته تجاه محافظته، إلى أن أصبح إجراء العملية لا يمكن تأجيله فله منا الدعاء بالشفاء والعودة إلى موقعه كمحافظ يحافظ.
الجريدة الرسمية