رئيس التحرير
عصام كامل

عندما قابل هاري.. سيجال


نجح النجم الهندي شاروخان أن يمثل جميع الأدوار بجدارة، خصوصا شخصية الشرير التي تلائم قسمات وجه جامدة وحادة تجمع بين الطموح والذكاء الحاد، مما جعله من أنجح الممثلين في السينما الهندية، ومازال رغم تعديه سن الخمسين، ليصبح الخليفة الحقيقي لأميتاب باتشان الذي كان بدوره ومازال أيقونة هذه السينما المدهشة.


ومؤخرا عرض لهذا النجم واحد من أفضل وأهم الأفلام الرومانسية والاجتماعية الهندية في رأيي، وهو Jab Harry met Sejal أو(عندما قابل هارى سيجال) وهو في تصوري الفيلم الذي يفتح الشهية الحقيقية للحديث عن هذه الظاهرة، في سياق صناعة ضخمة يقف خلفها إمكانات كبيرة جعلت من بوليوود مركزا فنيا ثانيا لصناعة السينما على مستوى العالم.

والفيلم الجديد يستعرض رحلة (هاري) و(سيجال) عبر (أوروبا)، والتي يبحثان خلالها عن خاتم خطوبة سيجال.. حيث يفهم هاري الحب والعلاقات بشكل أفضل في هذه الرحلة، بينما تختبر سيجال الحرية الجديدة، الأمان والسلوان في صحبة هاري المرشد السياحي الصعلوك.

والفيلم يعد بحق ملحمة مذهلة ورومانسية هادرة مستخدمة كروت بوستال وتكوينات تشكيلية داخل كل كادر وزوايا تصوير موحية ومختارة بعناية، عبر ترحال وسط العديد من العواصم الأوروبية كبراج وأمستردام ولشبونة وبودابست، كمعادل لاغتراب البطل الذي يعمل مرشدا سياحيا داخليا، وبحثه عن وطن حقيقي يجده في علاقته بسيجال أو أنوشكا شارما، في ثالث تعاون بينهما، بعد فيلمى «rab ne bana di jodi» في ٢٠٠٨ و«Jab tak hai jaa» عام ٢٠١٢ مع نفس مخرج فيلمهما الجديد امتياز على خان.

وربما يكون اختيار البطلة شديد الدقة والبراعة، حيث إن ملامح وأداء (أنوشكا شارما) شديدة الشرقية، لدرجة تجعل من حوار الفيلم عندما يراها شاروخان في البداية نموذجا للأخت أو المرأة الجميلة التي لا تكشف ملامحها عن إثارة بقدر ما تكشف عن بساطة وانتماء وشخصية قوية لمحامية ناجحة، ومن هنا تصبح أحداث الفيلم أكثر إقناعا ومنطقية قبل أن تتفجر الحيوية والأنوثة كبركان من داخل هذه الملامح الهادئة.

إن شخصية المرشد السياحي البوهيمي جاف المشاعر الذي لا ينتمي لأي شخص أو مكان أو حتى حياة مستقرة، وترصده كاميرات الفيلم في لقطات تكشف عن الوحدة والاغتراب بصدق مذهل، يجد من يفرض عليه نموذجا مغايرا لهذه العلاقات وأسلوب ونسق حياته، وهي بالتالي نموذج مختلف عن تلك العلاقات العابرة التي يعيشها، والتي يهرب بسببها عامين من أمستردام، قبل أن تعيد سيجال له الإحساس بالثقة في مرافعة بسيطة ولماحة عن نسق الحياة الأوروبية المفتوح على الحرية المشتركة بين الرجل والمرأة دون أن يحق لأحد مقاضاة الآخر أو ابتزازاه بناءً على شراكة في المتعة والاختيار دون وصاية أو فرض من طرف على آخر.

هكذا تتحول رحلة هاري وسيجال عبر البحث عن خاتم الخطوبة لشخص لا تجمعها به سوي حالة ارتباط تقليدي في مجتمع شرقي كالهند وهو خطيبها، إلى فرصة لاكتشاف كل منهما الأآر.. هو بتحرره وأسفاره وخبرته مع النساء وبحثه عن الاستقرار بل وربما الإيمان ذاته، حيث يبدو أقرب لشخص ملحد، وهي بكلاسيكيتها وتمسكها بظاهر الأمور ومعاني الحب والإخلاص السطحية التي لم تختبر بعد، ليتبادلا الخبرات والمشاعر ويكون نتاج هذه الرحلة التنوير الكامل.

والفيلم الذي يفتتح بطواحين الهواء في أمستردام كدلالة على روح شخصية البطل المرتبطة بالتحرر والدوران طول الوقت، لابد وأن ينتهي بالاستقرار في الوطن والقرية الرائعة وسط حقول القمح وأصوات الغناء تتعالي لتغطي على هدير المحرات القوى، فهناك انتصار للحياة المستقرة ولمعاني التحرر على الجانب الآخر من الخوف الذي تهزمه بطلتنا مع صديقها في رحلة البحث والمطاردة مع المافيا وتجار الجنس في الجانب الآخر من أوروبا.

وإذا كان الوصول لقلب أميرة الأحلام مفروشا بالدموع والورود أيضا كأي فيلم هندي، وكذلك الأمر لأمير الأحلام، فإن الفيلم الجديد يكتظ أيضا بالترحال المكاني والبصري والموسيقي المدهش، لنكتشف أن بوليود مازالت قادرة على ضخ كل هذه الرومانسية الهادرة التي عرفت عنها، مشغولة بصدف الغناء والرقص والتصوير البديع الخلاب في الأماكن الساحرة مستخدمة الألوان الطبيعية للواقع والزهور وملابس الممثلين وفلكلور المجتمع بل والشعوب التي تصور بينها.

الجريدة الرسمية