رئيس التحرير
عصام كامل

ماذا بعد تراجع رئيس وزراء لبنان عن الاستقالة؟


قبل أسبوعين كتبت مقالا تساءلت فيه: هل تكون استقالة سعد الحريري رئيس وزراء لبنان وعودته إلى لبنان قنبلة صوت أم تفجير لأزمة في لبنان ينزع فتيلها الحريري بنفسه؟! وأمس أكد الحريري أن استقالته من منصبه كانت مجرد قنبلة صوت حينما أعلن تراجعه عن الاستقالة، وبعد أن تم التأكيد في مجلس الوزراء على سياسة النأي بالنفس عن الصراعات في الدول العربية. 


رئيس وزراء لبنان تراجع عن الاستقالة لعدة أسباب أهمها أن الاستقالة كانت ردة فعل غاضبة على الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون من اليمن تجاه السعودية.. اعتراف سعد الحريري بأن سفره للسعودية واستقالته من هناك كان بمحض إرادته وليس بطلب سعودي يبدو من دروب الخيال، فلماذا تزج السعودية بنفسها السياسة الداخلية اللبنانية إذا كانت لم تسع لذلك؟ وإذا كان كلام الحريري صحيحًا فهل تقبل السعودية أن يورطها سعد الحريري باستقالته؟

سعد الحريري يعرف أن حزب الله لن يلتزم بسياسة النأي بالنفس وسيزج بقواته في سوريا مجددًا إذا تتطلب الأمر، وسيفتح جبهة لمساندة إيران إذا ما هوجمت إيران.. يبدو السؤال هنا: لماذا تراجع عن الاستقالة بعد أن قال إن أذرع إيران في لبنان ستُقطع؟ سعد الحريري وجد أن استقالته لن تحقق الهدف منها في الوقت الراهن، فاستقالته تعني فراغ حكومة لن يتأثر به حزب الله، الذي سيظل يذّكر اللبنانيين أن السعودية هي التي تسببت في استقالة سعد الحريري وخلق توتر في لبنان بعد أن كان البلد مستقرًا. 

الصدمة الإيجابية التي قال سعد الحريري إنه أراد أن يحدثها باستقالته كان هدفها تفجير الشارع اللبناني، لكن الجبهة الداخلية في لبنان امتصت الصدمة، بل واجهتها بهدوء وإدارة للأزمة دوليًا بشكل صب في مصلحة لبنان حتى أن ألمانيا وفرنسا نسيّتا السبب من الاستقالة وسعت كل منهما لعودة رئيس وزراء لبنان إلى لبنان.

كما أن اللبنانيين لم يصدقوا رواية سعد الحريري نفسه عن محاولات اغتياله، وصدقوا رواية أنه محتجز في السعودية.. كما أن القبض على الفنان زياد عيتاني بتهمة التجسس لحساب الموساد واعترافه بأن "الموساد" طلب منه جمع معلومات عن وزير الداخلية نهاد المشنوق، والوزير السابق عبد الرحيم مراد، بل القبض على عميل آخر قال إن "الموساد" كلفه باغتيال بهية الحريري أخت رئيس الوزراء، سيزيد من شك اللبنانيين في رواية رئيس الوزراء حول اتهام إيران بمحاولة اغتياله.

تراجع سعد الحريري عن الاستقالة لا يعني أن العلاقة بين الحريري وحزب الله ستكون "سمنًا على عسل"، فسعد الحريري ما زال يتهم حزب الله باغتيال والده رفيق الحريري، وهو يكرر في كل مناسبة أن مشكلة لبنان تكمن في وجود سلاح حزب الله ثم اتخاذ قرارات فردية، بل إن وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر حليف حزب الله زوج ابنة الرئيس ميشال عون، لم يصوت على إدانة إيران في الهجوم على السفارة السعودية في يناير 2016. 

استقالة سعد الحريري لم تحقق الهدف منها، ولكنها اختبرت الشارع اللبناني، فالحريري والسعودية عرفا أن اللبنانيين لن يدخلا في حرب أهلية بسبب رئيس الوزراء، ليس لأن سعد الحريري غير مهم، ولكن لأنه ليس زعيمًا.. المشكلة التي تعاني منها الطائفة السنية في لبنان هي غياب الزعيم الذي يهب الشارع السني لنصرته عندما يتحدث.. فالشيعة لديهم زعيمان الأمين العام لحزب الله –حسن نصر الله- رئيس حركة أمل ورئيس مجلس النواب، نبيه بري.. المسيحيون لديهم أكثر من زعيم، بداية من الرئيس ميشال عون، ونهاية إلى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

الفكرة التي أعجبت اللبنانيين بأن أزمة استقالة سعد الحريري أثبتت أن لبنان لم يعد ساحة صراع لدول أخرى فكرة أفلاطونية ليس لها علاقة بالسياسة في لبنان.. تماسك الشارع اللبناني ارتبط بالظروف التي أحاطت باستقالة سعد الحريري والأحداث التي واكبتها في السعودية والابتسامة العريضة التي ظهرت على وجه الحريري عندما قابل مسئولا إيرانيًا قبل يوم أو يومين من إعلانه الاستقالة.

قد تسعى السعودية لاستبدال سعد الحريري لكنها تعرف الآن أن الأمر لا يتعلق باختيار شخص آخر لرئاسة الوزراء في لبنان، ولكنها تحتاج لشخص لديه مقومات الزعامة، لذلك أتوقع أن يصعد نجم وزير العدل السابق أشرف ريفي لموافقه المتشددة تجاه حزب الله. 

وحالما يتم تجهيز مسرح عمليات السياسة اللبنانية لزعيم يخلف سعد الحريري، الذي سينسحب في الوقت المناسب، قد يكون السبب في انفجار الشارع اللبناني ليس داخليا، ولكن خارجيًا، وتحديدا إذا ما تم مهاجمة إيران.. وقتها سينتهك حزب الله سياسة النأي بالنفس.

ظنت السعودية أن استقالة رئيس وزراء لبنان قد تؤدي إلى زعزعة حزب الله، وهو ما لم يحدث؛ لأن الحقيقة هي أن حزب الله لن يتزعزع طالما احتفظت إيران بقوتها ونفوذها في المنطقة. 

ومع اغتيال الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح على يد الحوثيين، بل صد صواريخ تم إطلاقها من اليمن تجاه السعودية، فإن الوضع في المنطقة العربية والشرق الأوسط مرشحٌ للانفجار في أي لحظة.. لبنان لن يكون بمعزل عن شظايا هذا الانفجار، بل قد يكون إحدى ساحات الصراع.
الجريدة الرسمية