رئيس التحرير
عصام كامل

«ملتقى الأديان».. مصر أكبر بلد في العالم يضم مزارات مسيحية وإسلامية ويهودية.. «شجرة مريم» شاهدة على رحلة العائلة المقدسة.. والأحياء الشعبية مليئة بآثار الفتح الإسلامي

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

في جولة سريعة تعبر الوقت والمسافات والحواجز، تكسر الحدود والدروب الممهدة أحيانًا والوعرة أحيانا كثيرة، نأخذك في رحلة إلى مزارات مصر “السلام”، مصر الإسلام والمسيحية، أبنية اكتسبت قدسيتها وبهاءها من لحظات فارقة، لحظات يقف أمامها التاريخ متسمرًا يسجل ويدون، يلعب دوره الطبيعي في التخليد، مبقيًا على الدور البشري المتمثل في التخليد المكاني لتلك المزارات.


في القرن الأول الميلادي، دفعت الصدفة القدرية العائلة المقدسة متمثلة في السيدة مريم العذراء وابنها ويوسف النجار، إلى المرور بمصر من شمالها لجنوبها، حطت العائلة في محافظات مصرية عدة، حينما اضطرت إلى الهرب من فلسطين بعد تولى الملك الروماني “هيردوس” حكم البلاد، وسماعه لنبوءة ميلاد نبي من يهود الشام سيأتي على الحكم ويُكيل الضربات لعرش الحاكم، ليأمر بقتل كل طفل يولد لقوم اليهود، مما اضطر العذراء للهروب بطفلها من بطشه، فتكون وجهتها مصر، على إثر ذلك تقدست بعض المعالم المصرية، التي كانت أقل من “العادي” قبل أن تطأها أقدام السيدة مريم وابنها.

شجرة مريم
بسيارة “الميكروباص” الأجرة الرابضة بموقف “رمسيس” أو “عبود”، توجه إلى حي المطرية في قلب العاصمة، حين تدلف قدماك شارع “المطراوي” اسأل عن “شجرة مريم” ستجد عشرات الأصابع تشير إلى تلك الشجرة ذات الشكل الفريد، التي يعود تاريخها للقرن الأول الميلادي، حينما استظلت بها السيدة مريم وابنها المسيح عيسى، هربًا من رجال الملك الروماني “هيرودس”، أكلت من ثمارها ومكثت أسفلها، حتى عادت إلى وجهتها ثانية، بعد أن رحل المتربصون، انطلق بعدها نحو محافظة كفر الشيخ حيث توجد كنيسة العذراء بـ”سخا”، دخلتها العائلة المقدسة ومكثت بها ثلاثة أشهر، وترددت الروايات حولها بشأن وجود آثار لقدم المسيح في أحد أركانها، تحوي حجرا مقدسا، روى أن العذراء حينما شعرت بالعطش، نظرت إلى طفلها فأدرك ما تريد، ضرب بقدمه الحجر فانفجرت منه المياه، ليصبح الحجر بقدم المسيح المحفورة به، حتى وقتنا هذا وجهة المسيحيين في مصر ودول العالم كافة.

دير سانت كاترين
سافر برحلة جوية داخلية، أو “سوبر جيت”، إلى شرم الشيخ بجنوب سيناء، بسيارة أجرة انتقل إلى دير سانت كاترين، ذلك المعلم المسيحي الأشهر في مصر، يحوي أعلى جبال مصر، وأقدم الأديرة في العالم، ينسب الدير لسيدة مسيحية عاشت في القرن الرابع الميلادي تدعى “كاترين” الإسكندرية، أذيع أنها لديها القدرة على تحويل الوثنيين إلى مسيحيين دون عناء، يحتوي الدير على هدايا قيمة تعود لعصور قديمة، وبئر يقال عنه بئر موسى، والشجرة التي اشتعلت فآنس موسى نارها، وتوجه شطر جبل الطور ليكلم الله.

يأتي معلم “مسار العائلة المقدسة” كدرة تاج للمزارات المسيحية في مصر، لا تكتمل جولتك إلا بالمرور من ذات الوجهة التي مرت بها العذراء برفقة طفلها، يتكون مسار العائلة المقدسة من 25 محطة، تبدأ بـ”الفرما” في شمال سيناء، مرورًا بأديرة وادي النطرون الأربعة، ثم كنيسة سخا بكفر الشيخ، ومجمع الأديان بمصر القديمة، حيث مسجد عمرو بن العاص ومعبد بن عزرا اليهودي، وكنيسة المعادي، والمطرية ومسطرد، حتى جبل “درنكا” ودير المحرق بأسيوط، وجبل الطير في المنيا، فمكثت العائلة نحو ستة أشهر في كنائس وأديرة الصعيد، حتى توفي الملك هيردوس، لتعود العائلة إلى فلسطين مرة أخرى.

المزارات الإسلامية
لا تكتمل الرحلة المباركة، إلا بالمرور عبر مزارات الإسلام المتعددة، فلكل عصر إسلامي حكم مصر ما بين المملوكي والفاطمي والطولوني والعثماني، أثر تركه خلفه، أبى التاريخ أن يطمسه كما طُمس رجاله وصانعوه، بطشًا أو ظلمًا أو حتى انتقامًا.

بسيارة أو “أتوبيس” نقل عام، توجه إلى منطقة العتبة، حيث تقبع المزارات الإسلامية القديمة تضفي هدوءًا على هذا المكان الصاخب، في حي الجمالية لا تنسى أن تعرج يمينًا، حيث مسجد الإمام الحسين حفيد النبي، الذي بُنى في عهد الحكم الفاطمى عام 1154م، ويحوي أقدم نسخة للقرآن الكريم، اكتسب قيمته الدينية من اسمه ونسبته إلى الحفيد القريب إلى قلب الجد “صلى الله عليه وسلم”، كثرت الأقاويل بشأن وجود رأس الإمام الحسين في داخل المسجد، فثمة رواية تقول إنه في وقت الحروب الصليبية على الشام، كان رأسه مدفونًا بمدينة عسقلان الفلسطينية، فخشى جوهر الصقلي الفاطمي عليها من عبث الغزاة، وأمر بأن تدفن داخل المسجد.

السيدة نفيسة
انعطف قليلًا بالسيارة، نحو الجامع الأزهر، المسجد الذي أسسه الخليفة الفاطمي “جوهر الصقلي” منذ نحو ألف عام، ومن يومها إلى لحظة كتابة تلك السطور، يحتل الأزهر مكانة دينية عالمية كجامع وجامعة، ومقصد لآلاف الدارسين من أقصى الغرب الأفريقي وحتى الشرق الأقصى.

إذا ضاقت بك الحياة يومًا وأحكمت طوقها حول العنق، عليك بـ”نفيسة العلم”، توجه صوب حي الأباجية بمصر القديمة، اسأل عن مسجد السيدة نفيسة، ستجد الجواب الفوري الذي يسبق وصف الطريق “شيء لله يا أم العلوم”، الكثير من المصريين لا يعلمون النسب الحقيقي الذي يربط بين السيدة نفيسة والنبي محمد، هم فقط يقدسونها وبقعتها بالسمع فقط، وهي في الحقيقة حفيدة الإمام الحسن رضي الله عنه، حفيد الرسول الكريم، رفض المصريون أن يدفنها زوجها خارج مصر، فكان بيتها هو ضريحها، ومقصد من ليس لهم مقصد.

السيدة زينب
في محطة تلي مسجد السيدة نفيسة، في الخط الذي يعرف بطريق أهل بيت النبي، ثبت عينيك على نهاية شارع السد بالسيدة زينب، سر خلاله، ستتعرقل وتتعثر قدماك في الباعة والسائلين الذين لا حصر لهم، لا بأس استكمل طريقك، سيقابلك مسجد كبير ذو مئذنة فريدة الشكل، يعود للسيدة زينب حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، التي جاءت إلى مصر بصحبة آل البيت بعد حادث مقتل أخيها الحسين على يد الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، لتستقر بها ويؤسس الفاطميون مسجدًا يخلد ذكرى عبورها من “هنا” إلى أن تقوم الساعة.

مسجد عمرو بن العاص
أخيرا لا تجعل زحام المعالم الإسلامية ينسيك المرور أمام مسجد عمرو بن العاص، أول مسجد بُني في مصر وقارة أفريقيا، شيد عام 673م، حينما دخل عمرو بن العاص مصر واتخذ مدينة الفسطاط عاصمة لها، فأسس بها المسجد الذي كان مكونا من جريد نخل وأخشاب لا يتعدى طولها الـ30 مترًا، فمر بمراحل ترميم على مدار العصور المختلفة، حتى خرج إلينا في تلك الهيئة الحالية، فضاء شاسع وممتد تتوسطه أعمدة ضخمة، وتلحق بمساحة واسعة تحوي العشرات من المصلين.
الجريدة الرسمية