رئيس التحرير
عصام كامل

الشيخ جاكسون بين التعصب الديني وانهيار الأخلاق


فيلم الشيخ جاكسون الذي عرض مؤخرا في مهرجان تورنتو، وافتتاح مهرجان الجونة أثار جدلا كبيرا بسبب تمثيل مصر في مسابقة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي غير ناطق بالإنجليزية..


تبدأ أحداث الفيلم من مدينة الإسكندرية في عام 2009، إذ يتم إلقاء الضوء على الواعظ الشيخ "خالد هاني" الذي يقوم بدوره الفنان أحمد الفيشاوي، الذي كان ينام تحت سريره ليتذكر دائما أن الموت قريب منه، لكن ابنة الشيخ "هاني" كانت تحب مشاهدة الأغاني خاصة للمطربة بيونسيه، ويكتشف الشيخ خالد ذلك من خلال جهاز الكمبيوتر الموجود بغرفتها، ويحاول الشيخ "خالد" إبعادها عن سماع الأغاني ويقوم بفصل النت ويحذرها من المخاطر التي تنتج عن سماعها لهذه الموسيقى الشيطانية. وأثناء سيره بالسيارة يسمع نبأ وفاة النجم العالمي مايكل جاكسون ونشاهد لقطات فلاش باك تعود بنا إلى الوراء في أوائل التسعينيات، لنلتقي بـ خالد هاني"أحمد مالك" في مراهقته عندما كان معجبا كبيرا بمايكل جاكسون، وكان يتلقى سخرية كبيرة من زملائه في المدرسة، بسبب تقليده لأسلوب جاكسون في تسريحة الشعر أو تأدية رقصاته الشهيرة، ويرجع سبب ذلك لحبه لزميلته بالمدرسة. ويكتشف والده ذلك "ماجد الكدواني" ويحاول بشتى الطرق إبعاد خالد عن حبه لهذا "المخنث" على حسب وصفه.

الفيلم يتميز بالسهل الممتنع في اُسلوب الإخراج، حيث يقدم لنا أعقد المشكلات في الشرق الأوسط بشكل بسيط يتمثل في الصراع الداخلي للبطل بين الحياة التي يريد أن يتواكب معها، وحياته الطبيعية كشاب في مثل هذه السن، وبين الاتجاهات الدينية المتشددة في المجتمع، والتي تحاول أن تتناول الدين بشكل مغلوط ولا تسعي لإيجاد توازن بين الدين والدنيا، ولا تحاول أن تفهم الدين على حقيقته، وهو تحقيق التوازن المطلوب بين الرغبات الجامحة للشباب وبين التوازن العقلي المطلوب، حتى تستمر الحياة في المسار المستقيم، فقد قدم المخرج لنا هذا العمل ببساطة من خلال الأسلوب الرمزي في العمل، حيث تجسدت كل معالم الثقافة الغربية والميل الفطري للشباب للحركة، وتفريغ الطاقة والفضول وحب المعرفة والحب الأول من خلال عشقه لشخصية مايكل جاكسون، وتقديمه كنموذج يقتدى به بطل الفيلم في شبابه، حتى تحول إلى هاجس في خواطره يعوقه عن مواصلة حياته، بعد سماع نبأ وفاته بشكل مأساوي.. اعتقادا منه أن فترة حبه لهذا النوع من الثقافة، وأن مشاعره تجاه أول فتاة أحبها ما هي إلا فترة فسق ومجون في حياته، ليسعى إلى التخلص منها، ظنا منه أن هذا هو التدين الحقيقي.

 هذا ما قدمه لنا المخرج في شكل واضح وبسيط، لأن ذلك هو المفهوم لدى الشباب ولا يحتاج إلى تعقيدات أو شرح، فهو فيلم يصل مضمونه بمنتهي البساطة، كما قام المخرج باستخدام نظام الفلاش باك بأسلوب سلس، ليقدم لنا مسار حياته الشخصية، ويعرض لنا بوضوح التناقض الداخلي والصراع الذي يدور في أعماق البطل، ويعبر عن طائفة عريضة من الشباب تحاول أن تجد توازنا بين إرضاء رغباتها وإرضاء ميولها الديني وسعيها إلى الاستقامة.

ويتمتع الفيلم أيضا بصورة عالية الجودة وتناسق في الألوان وتناغم يجذب المشاهد، ويجعله يتوحد مع البطل ويشعر بصراعه الداخلي ومعاناته، ونجد الحوار في الفيلم بسيطا، ويحمل معاني عميقة استخدم فيها الكلمات المتداولة على الألسنة، والمواضيع المطروحة على الساحة، والأهم من ذلك أنه قدم لنا فترة زمنية في حياة كل شاب لابد أن يمر بها.

الفيلم يمثل قيمة جاذبة لقطاع كبير من الشباب، لديه نفس الصراع وتدور في ذهنه ذات الأسئلة.

لكن... يؤخذ على الفيلم تقديمه لصورة نمطية ضعيفة مستخدمة تكرارا ومرورا متمثلا في القوى الدينية المتشددة وانسياق الشباب وراءها بلا تفكير فهذا الشكل، وهذا الانقياد لتلك القوى التي تتعمد تجهيل الدين، لم يعد الشكل الذي نعاني منه في مجتمعنا الآن، لعل الأنماط المطروحة الآن أشد قسوة وضراوة من الانقياد الساذج لهذه القوى، لقد أصبحنا نعاني النقيضين إما قوى الشباب فاقد إيمانه وثقته في كل ماهو ديني سواء كان متشددا أو معتدلا أو فئة الشباب التي كونت قناعات خاصة بها، وتبلور لديها هذا المفهوم الديني متخذا شكلا سياسيا بحتا، وأصبح يعبر عنه الشباب المتطرف دينيا في شكل العنف والتدمير والسعي إلى تقويض الدولة.

ليتنا ظللنا في هذا العصر البسيط الذي كان يتوقف عند حد الانقياد الأعمى وكبت الرغبات الطبيعية، وإن كنّا نتمني أن يتناول الفيلم الصراع الحالي بطريقة أكثر عمقا وموضوعية، ولكن الفيلم ككل يؤكد على قدرته على التواصل، والتعبير عن قطاع عريض من الشباب.

أما الأداء التمثيلي فكان مقنعا خاصة مع الاختيار الموفق لفريق العمل، ويؤكد على وعي ونجومية أحمد الفيشاوي في اختيار أدواره، لكني أود أن أتوقف عند ماجد الكدواني الذي استطاع أن يكسر حاجز الكوميديا الذي حصر نفسه فيه لسنوات طويلة، ليقدم بشكل بارع ويخرج بتلك الشخصية من الإطار التقليدي الذي اعتدنا عليه، ليؤدي الدور بجدية، ويؤكد على ضرورة التحول في شخصية البطل، عندما يرى صورة الأب الذي يمثل له المثل والقيم العليا تنهار أمام عينه.. وهذه الشخصية تؤكد أن السبب في موجة العنف والتشدد لدى الشباب ليست بسبب نشاط الخطاب الديني المتطرف فقط، ولكن السبب الرئيسي يعود إلى أن النخبة في المجتمع والمثل العليا قد عجزت عن أن تحتفظ بمظهرها أمام الشباب، وانهارت أمام أعينهم ودفعت بهم إلى الطريق المعاكس، وهو شكل من الخطاب الذي يوجهه الكاتب إلى المجتمع ككل، بل وإلى عصر الحداثة بشكل عام الذي انهارت فيه كل القيم ولم يعد أمام الأجيال الشابة إلا أن تتخبط هنا وهناك بلا هدي.

الفيلم من إخراج عمرو سلامة، وشارك في تأليفه بالتعاون مع السيناريست عُمر خالد، ويقوم بالبطولة أحمد الفيشاوي، وماجد الكدواني، محمود البزاوي، وأحمد مالك، وأمينة خليل، ودرة. وبسمة.
الجريدة الرسمية