رئيس التحرير
عصام كامل

أزمات الأقصى.. دينية أم سياسية؟.. فقهاء دين وأساتذة سياسة يجيبون على السؤال.. «كريمة»: كل تحركات الصهاينة قائمة على معتقدات دينية.. وجميع المسلمين مطالبون بالدفاع عن أولى القبلتين

فيتو

عملية مسلحة قُتل على إثرها اثنان من الشرطة الإسرائيلية على مدخل باب الأسباط، وهو أحد أبواب المسجد الأقصى بالقدس، استخدمها الكيان الصهيوني ذريعة لفرض قيود جديدة على رواد وزوار أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، تمكنه من تقويض المسلمين الفلسطينيين في ممارسة شعائرهم الدينية، وتسمح له بمواصلة جهوده في تهويد القدس ومحو هويتها، حيث قررت سلطات الاحتلال إثر هذا الحادث وضع بوابات إلكترونية على مداخل الحرم الشريف بغرض فحص كل الزائرين، وكان لهذه القيود التي فرضت آثار لم تحسب لها السلطات الإسرائيلية حسبانًا.


فقد كانت بمثابة وقود أذكى نار الغضب الكامن في صدور الفلسطينيين وأشعل شرارة الانتفاضة بداخلهم ما دفعهم للمرابطة والاحتجاج في كل أرجاء القدس، وفى محيط المسجد الأقصى للتعبير عن رفضهم لكل قيود وإجراءات الكيان الصهيوني التي تُفرض للتضييق عليهم في ممارسة شعائرهم، وزيارة أحد رموزهم الدينية المقدسة، وازدادت وتيرة القلق والتوتر في ظل تصعيد الجانب الإسرائيلي ومنعه للمصلين من أداء شعائرهم ولجوئه إلى العنف في التعامل مع الأزمة، ما أدى إلى إصابات عدة وسقوط عدد من الشهداء من الجانب الفلسطيني ممن سالت دماؤهم على الأرض المقدسة غدرًا.

ولم تحظ الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة باهتمام إقليمي فقط بل امتد الاهتمام بها إلى المستوى العالمى، حيث كانت هناك ردود أفعال موسعة ومساعٍ من دول عدة لمحاولة احتواء الأزمة وإيجاد حلول لها، ومع تطور الأحداث وزيادة وتيرة التوتر والقلق، وفى ظل التحذير من مخاطر استمرار الأوضاع على حالها، أعلن المجلس الوزارى المصغر في إسرائيل قراره بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل اشتعال الأحداث، وإزالة البوابات الإلكترونية التي كانت سببا الأزمة في الأساس، مع الاعتماد على وسائل تكنولوجية متطورة وكاميرات ذكية تنصب على مداخل الحرم الشريف وبعض أماكن من البلدة القديمة في القدس كبديل لتلك البوابات.

وفى هذا الإطار ومع تشابك الأحداث وتطورها يطرأ سؤال جدلي حول طبيعة هذه الأزمة حيث كونها سياسية أم دينية، وفى هذا الصدد يري الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن أزمة المسجد الأقصى الأخيرة "دينية"، مشيرًا إلى أن الكيان الإسرائيلي المحتل يقوم في الأساس على أيديولوجية دينية أكثر منها سياسية، فمسمى "إسرائيل" ديني، وكذلك النجمة السداسية في العلم الإسرائيلي تُعد رمزًا دينيًا، كما أن الشمعدان رمز ديني هو الآخر، وتغيير مسمى حائط البراق إلى حائط المبكى أمر ديني، وهذا يؤكد أن القضية برمتها دينية بحتة.

وأوضح كريمة أن المسجد الأقصى يُعد أحد المقدسات الكبرى للأمة الإسلامية، فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فضلًا عن أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أسرى به إليه، وأن الحقوق الدينية التاريخية للمسجد ثابتة للعرب اليبوسيين قبل مجيء النبي إبراهيم والعبرانيين لهذه المنطقة بآلاف السنين، مشيرا إلى أن المسجد الأقصى أيضًا يُعد بمثابة قضية دينية للمحتل الإسرائيلي، فحخامات اليهود يريدون إزالته لبناء الهيكل المزعوم، ويسعى الكيان الصهيوني حثيثًا لتهويد القدس وتحويلها إلى عاصمة دينية يهودية، مؤكدًا أن هذا كله يعزز فكرة أن النزاع في الأساس دينيًا وليس سياسيًا.

"كريمة" أكد أن من يريد جعل الأزمة الأخيرة سياسية فإنه يسعى إلى تفريغ محتواها الديني، وهذا ليس في صالح القضية الفلسطينية التي هي نزاع بين المسلمين والعرب من جانب والاحتلال الصهيوني من جانب آخر، وأضاف أن تكييف قضية المسجد الأقصى والقدس كقضية دينية تشرك جميع المسلمين من العرب وغير العرب في الأزمة، لكن جعلها قضية سياسية فقط يؤدي إلى اختزال الاهتمام بها فقط للفلسطينيين.

ومن جانبه أشار الدكتور جمال سلامة، خبير الشئون السياسية للشرق الأوسط وقضايا الصراع العربي الإسرائيلي، إلى أن الأزمة التي شهدها المسجد الأقصى في الآونة الأخيرة هي في الأساس أزمة سياسية وليست دينية، مؤكدًا أن السلطات الإسرائيلية تواصل فرض القيود والإجراءات على الفلسطينيين وتستغل أي فرصة لمخالفتها لكى تتمكن من "شرعنة" ما هو غير شرعي، مؤكدًا أن إسرائيل تحاول تدمير المسجد الأقصى.

واتفقت الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، مع الرأى السابق أن أزمة المسجد الأقصى في الأساس هي أزمة سياسية أكثر من كونها أزمة دينية، مؤكدة أن حالة الاستقواء الإسرائيلي في هذه الأزمة الأخيرة فاقت الحدود حتى أن قيود الكيان الإسرائيلي تسببت في عدم رفع الأذان بالمسجد الأقصى ومنعت المصلين الفلسطينيين من أداء شعائرهم.

وأشارت إلى أن حالة الاستقواء تلك ناتجة عن ثمة دعم من الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، خاصة في ظل العلاقة القوية التي تربط بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وعن موقف الجانب العربى من هذه الأزمة الأخيرة في القدس، أكدت "نهى" أنه لم يتم إبداء أي موقف صلب موحد تجاه الأزمة من الدول العربية سوى التنديد والشجب وهو ما تسبب في ازدياد الأوضاع سوءًا في القدس بالنسبة للجانب الفلسطيني.

أما الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فأكد أن أزمة المسجد الأقصى الأخيرة هي أزمة سياسية دينية، مشيرًا إلى أن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي في أساسه صراع سياسي ذو وجه ديني، حيث إن الصراع السياسي يكتسب أهمية حينما يرتبط بصراع على مقدسات دينية، ويزداد خصوصية عندما يتعلق بالقدس، فهى منطقة مقدسات ورموز دينية، والصراع فيها يتركز على هذه الرموز، لذا فإن هذا الصراع الأخير على المقدسات الدينية بمثابة امتداد للصراع السياسي القائم، وهذا ما يؤكد أن الأزمة تحمل الشقين السياسي والديني.
الجريدة الرسمية