مشكلات هيكلية.. نصف الحقيقة عن الانتعاش الاقتصادي في ألمانيا
في الوقت الذي يشهد فيه الاقتصاد الألماني نموا متسارعا، وسجل معدل البطالة انخفاضًا تاريخيًا، تعاني البلاد من مشكلات هيكلية تتمثل في تآكل البنية التحتية وتراجع الإنفاق العام، ما يطرح الكثير من القضايا أمام الناخب الألماني.
للوهلة الأولى يبدو كل شيء على ما يرام، فنسبة النمو الاقتصادي في ألمانيا ارتفعت في عام 2016 بنسبة 1.9 في المائة، ومستوى البطالة عند أدنى حد له منذ عشرات السنين وعائدات الضرائب تتدفق بشكل لم يسبق له مثيل، والبلاد لا تحتاج لأي قروض جديدة. من ناحيتها تحقق الشركات الألمانية أرقام مبيعات كبيرة، فالطلب على الصادرات الألمانية في الخارج كبير، ابتدأ من السيارات والمكائن وحتى المنتجات الطبية.
في المحصلة النهائية يشهد الاقتصاد الألماني فترة انتعاش كبير إلى حد أن البعض يحلم بتخفيض الضرائب، فيما يتخوف البعض الآخر من المبالغة في الأمر.
الإنفاق على البنية التحتية والتعليم
لكن على الجانب الآخر توجد مشكلات حقيقية في البنية التحتية، فالطرق والجسور والمباني المدرسية معرضة للانهيار وهذه "نقطة ضعف مركزية في ألمانيا" كما جاء في تقرير لجنة خبراء قامت بدراسة وضع البنية التحتية منذ عام 2014 بتكليف من وزارة الاقتصاد.
وتعني الشوارع من الازدحام الشديد، ومواصلات السكك الحديدية تعاني من التأخير وإلغاء بعض الرحلات بشكل شبه يومي، فيما لا يجد الكثيرون أماكن شاغرة لأطفالهم في رياض الأطفال رغم أحقيتهم بذلك، كما أن أكثر من ألف مسبح عام تم إغلاقها أو مهددة بالإغلاق. ويشكو ممثلو النقابات في لجنة الخبراء التي كلفتها وزارة الاقتصاد بأنه تم تخفيض النفقات العامة وتدني مستوى الخدمات العامة أو تم خصخصتها، ومن فرض رسوم خدمات.
وفي مجال التعليم تستثمر ألمانيا أقل من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، المكونة من 35 دولة غنية. هذه الدول تنفق في المعدل 5،2 في المائة من قدراتها الاقتصادية، فيكما تنفق ألمانيا فقط 4.3 في المائة. وتبدو الفجوة أكبر في الاستثمار في مجال البنية التحتية الرقمية وبالذات في مجال الإنترنت السريع.
وفي مجال القدرة الاقتصادية التنافسية والمناخ الاقتصادي المشجع لم تحقق ألمانيا أي من المراكز العشرة الأولى، وفقًا لدراسة اقتصادية دولية.
قلق الطبقة المتوسطة
من الطبيعي أن يختار الناخب مرشحيه ليس فقط على أساس البيانات الاقتصادية ولكن على الأقل بناء على وضعه الشخصي هو. وصحيح أن الناخب سعيد بارتفاع مستوى الدخل بنسبة 2 في المائة في السنوات الثلاث الأخيرة، لكن ذلك سبق جمود في الدور على مدى سنوات، هذا ناهيك عن ارتفاع التضخم الذي يبتلع نسبة من هذه الزيادة في الأجور.
وهناك تطور آخر في الاقتصاد الألماني، وهو قلق الطبقة المتوسطة التي تشهد تقلصًا منذ 30 عامًا، حيث يرتفع عدد الذين يحصلون على دخل فوق المعدل المتوسط كما يزيد عدد الذين يحصلون على دخل أقل من المعدل، وهو ما يشير إلى عدم مساواة متزايدة، حسبما توصل خبراء أكاديميون.
أما فيما يتعلق بانخفاض معدل البطالة فإنه لا يشير سوى إلى نصف الحقيقة. فالأرقام الرسمية تقول إن عدد العاطلين عن العمل في مايو 2017 انخفض إلى أقل من 2.5 مليون، وهو أدنى رقم منذ عام 1991. لكن النصف الآخر للحقيقة هو أن عدد الذين يعتمدون على المساعدات الاجتماعية من الدولة، وهو 6.2 مليون شخص، لم يتغير كثيرًا منذ الإصلاح الاقتصادي الذي اعتمدته حكومة غيرهارد شرودر 2005.
والآن، قبيل الانتخابات التشريعية، هناك الكثير من الأسئلة المفتوحة على غرار هل ينبغي على الحكومة الآن الاستثمار في مجال البنية التحتية والتعليم؟ أم ينبغي عليها الانتظار حتى الركود الاقتصادي القادم؟ هل يجب خفض الضرائب لكي يكون لدى المواطن سيولة أكبر في جيبه؟ وماذا بشأن "العدالة الاجتماعية" التي يتخذ منها الحزب الاشتراكي الديمقراطي موضوعًا رئيسيًا لحملته الانتخابية؟
هذه الأسئلة لها أولوية كبيرة قبل الجدل بشأن الموضوعات الأخرى كالإنفاق على اللاجئين والمهاجرين، وتكاليف السياسة الجديدة للطاقة، وصندوق الإنقاذ الأوروبي أو إعادة جدولة ديون اليونان، التي أيضًا تثقل كاهل دافع الضرائب الألماني.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل
