د. يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي: ظاهرة زواج القاصرات من العرب كبار السن أسوأ من سوق النخاسة
موسوعة كبيرة في تحليل الشخصية، دقيق ومحدد، ملم جدًا بطبيعة الشعب المصرى وكل الأحداث المتلاحقة التي يمر بها وما يؤرقه من قضايا ومشكلات لما له من خبرة طويلة في مجال التحليل النفسى إنه الدكتور يحيى الرخاوي، أستاذ الطب النفسي، الذي حاورته «فيتو» ليضع لنا خريطة نفسية واجتماعية حول الفقر في مصر.. وإلى نص الحوار
> ما مفهوم الفقر؟ وما أنواعه؟
الفقر أنواع فعلا، نبدأ بالفقر العادي الشائع: وهو الحياة وأنت لا تملك ما يفى بضروريات الحياة الأساسية التي تسمح لك أن تواصلها، بأى قدر من التحمل، على أن مستوى “الضرورة” هذا يختلف من ثقافة لثقافة، ومن مكان لمكان، وهناك تعبير يتردد أن فئة من البشر، أو من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وخط الفقر هذا ليس له تحديد عام، ربما تقرره منظمات عالمية، أو إنسانية، أو حتى اجتهادات فردية تقريبية، أما لمن استوفى حاجاته الأساسية وهى المأكل والمشرب والسكن والتعليم والرعاية الصحية فهنا يمكن أن يستأهل النظر في نوع الفقر الذي يعيشه أو يعانيه، ويمكن أن نضيف أنواعا أخرى مثل فقر الأخلاق، وفقر الحياة، وفقر الطموح، وفقر الطمع، وهذا يحتاج إلى تفصيل آخر.
> هل يدفع الفقر أي إنسان لارتكاب جريمة ما؟
طبعا من الجائز حدوث ذلك، لكن الفقر وحده ليس كافيا لأن يصبح الفقير مجرما إذ لابد أن يصاحب الفقر نوع من اهتزاز القيم والبعد عن الدين، وربما درجة من تبلد المشاعر وكذا انطلاق انفعالات انتقامية بدائية.
> هل يسبب الفقر اضطرابات نفسية تدفع صاحبها مثلا إلى الانتحار؟
الفقر في حد ذاته لا يسبب اضطرابات نفسية بشكل مباشر، لكن ما يصاحبه من حرمان، خاصة بالنسبة للأطفال، وأيضا ما يصاحبه من شعور بالظلم، ونتيجة لسوء استعمال الأقوى والأكثر ثراء، للأفقر والأكثر احتياجا فإنه من الطبيعى أن يترتب على هذا وذاك آلام نفسية لا تستحق تسميتها أمراضا نفسية بشكل مباشر، لكن طبعا إذا زادت هذه الآلام مع ما يصاحبها من حرمان وتوتر فالمرض النفسى وارد خصوصا إذا أضيف إلى هذه المشاعر درجة من الحقد فضلًا عن أن الواقع أثبت أن كثيرين انتحروا بسبب الفقر.
> هناك دراسات تحدثت عن أن العقل السليم في الجيب المملوء بالمال، فهل يؤثر الفقر على ذكاء الأفراد؟
أنا لا أعرف هذه الدراسات، صحيح أن درجة من الكفاية المادية ضرورية لسلامة النفس والعقل، لكن المسألة ليست بهذه البساطة ولا بهذه المباشرة، بل إن ملاحظاتى الخاصة تشير كثيرا إلى عكس ذلك، فإن الثراء الجاهز قد يكون سببا في تراخى السعى في الحياة ومن ثم الشلل والاعتمادية، وهى سلبيات نفسية ضد سلامة النفس، والتاريخ يشهد أن كثيرا من العباقرة والمبدعين كانوا فقراء أغلب مراحل عمرهم أو على الأقل في مراحل طويلة من سنىّ عمرهم.
> ما هي سيكولوجية الطفل الذي ينشأ وسط بيئة يسيطر عليها الفقر المدقع؟
الشعور بالحرمان عند الأطفال جاهز طول الوقت خصوصا أن طلبات الأطفال لا تضع اعتبارا للواقع، وهذا من طبيعتهم ويكاد يكون حقهم، لكن الذي يزيد تأثير الفقر على نفسية الطفل هو عمليات المقارنة بين ما يمكن أن يحصل عليه من احتياجات مهما كانت بسيطة، وما يرى غيره من أطفال الأثرياء أو حتى المستورين يتمتعون بها، هذه المقارنات هي الأخطر على نفسية الطفل وعلى الوالدين أن يراعوا مثل هذه المقارنات وأن يتجنبوا مضاعفة ذلك، ليس بالوعود التي لا يمكن تحقيقها ولكن بتحقيق متطلبات أكثر فائدة مثل العواطف الحقيقية والرعاية الدافئة، وأيضا حفز طموحات أطفالهم وتعليمهم القدرة على النجاح للتعويض.
> ما مخاطر الإفقار المتزايد للطبقة المتوسطة خاصة في ضوء القرارات الاقتصادية الأخيرة؟
أظن أن المسألة لا تقتصر على الطبقة المتوسطة فالجارى الآن هو إفقار جموع الشعب فعلا، بل وجموع الشعب العاملة بالذات، والأرقام التي ظهرت مؤخرا بالنسبة لمرتبات كبار الموظفين، والمسئولين، هي أرقام لا يمكن إلا أن يترتب عليها إعادة النظر إلى الدخول الصغيرة والمتوسطة على أنها شديدة التفاهة وأنها لا تمثل أي عدل حقيقى حتى لو كانت تفى بالاحتياجات الضرورية.
> بعض الأسر في الريف يبررون زواج القاصرات لمحاربة قسوة الفقر، ما تداعيات ذلك؟
هذا صحيح، والمسألة استشرت خصوصا بالنسبة للزيجات المشبوهة من العرب كبار السن وبشكل مؤقت أحيانا، وهذه عودة إلى سوق النخاسة، وأن كنت أرى أن النخاسة كانت أكرم وأشرف لأن الجوارى اللاتى كنَّ يسوَّقنْ في هذا السوق لم يكنَّ قاصرات بالضرورة، أما تداعيات ذلك فهى من أقبح ما يمكن على القاصر وعلى أسرتها وعلى المجتمع الأقرب لها وعلى المجتمع الأوسع على حد سواء.
> مصر بها 9 ملايين طفل تحت خط الفقر ما تأثير ذلك على مستقبلهم ومستقبل وطنهم؟ وكيف يمكن خفض النسبة؟
للأسف أنا أعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وأنا أرى أنه بعد تدهور التعليم إلى ما وصل إليه فإن تعليم الأطفال مبكرا أي صنعة ليس بها سخرة بالضرورة: هو أكرم وأكثر واقعية من تركهم بلا عمل وبلا مدرسة لمدة عشر سنوات طفولتهم بل وبعض سنوات شبابهم، ولا يصح أن نطبق معايير مستوردة عن خطورة أو جريمة عمل الأطفال من دول عندها مدارس وكفاية مادية لرعاية الأطفال من هذا الاضطرار، وليكن عمل الأطفال عندنا – دون سخرة – ظاهرة شريفة وهو يحتاج إلى متابعة طول الوقت وليس إلى المنع الكامل والتجريم أي إيذاء أو سخرة يمكن أن يتعرض لها الطفل (الصبى) العامل.
> هل يمكن أن تصل الطبقات الفقيرة بعد أن يتملكها الشيطان واليأس إلى مرحلة الكفر؟
طبعا، الشعور بالظلم يشكك أي واحد في عدل الله سبحانه وتعالى، و”الجوع كافر” كما يقولون، الجوع نفسه ليس سببا لتبرير الكفر لكن كما ذكرت في أول الإجابة أن ما يؤدى إلى شدة الفقر لدرجة الجوع هو شعور بالظلم والحرمات والقهر وكل هذا للأسف من مبررات الشك في عدل الله ومن ثم احتمال إنكاره.
> أبرز المقترحات للقضاء على الظاهرة؟ وما دور الدولة؟
المقترحات بديهية وهى زيادة الإنتاج بالمعنى الحقيقى، والعدل المطلق في توزيع الثروة، وأيضا في جباية الضرائب، وفى تقييم الأجر ناتج العمل على كل المستويات. إن الحالة التي وصل إليها الوضع الاقتصادى مع التمادى في استحواذ قلة من الشعب على كل ثرواته تهدد بانهيار خطير، والحل هو الإنتاج على كل المستويات، وهو العمل والعمل والعمل، واحترام الجهد الانسانى أكثر من القرش المتراكم.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
