رئيس التحرير
عصام كامل

في مسألة صنافير وتيران! (1)


بات مما لا شك فيه بحال أن مصر تتعرض، ومنذ زمن ليس بالقريب لحملة إعلامية ضخمة، وشرسة تستخدم فيها كل الوسائل غير الشريفة، وذلك في إطار ما يعرف بــ "حرب المعلومات"، عن طريق بث الشائعات، والمغالطات باستخدام وسائل الإعلام بشقيها، التقليدي، والحديث، وذلك كله ما هو بالأساس إلا جزءًا لا يتجزأ من حرب كبرى تريد خراب الأرض، وانتهاك العرض، وهي لا تستعمل وسائل الحرب التقليدية، كما أنها لا تسعى للتخلص من البشر، وإنما تستهدف العقول، والقلوب معًا، فتحتلها، ومن ثم تحتل أرض أصحابها، والذين يسلمون الأرض حينها عن طيب خاطر، ودون مقاومة؛ لأن الاحتلال حينها قد وقع بالفعل، ولكن في القلوب، والعقول أولًا !


فإذا ما تمت السيطرة على العقول، وملئت بأفكار مغلوطة حول ماهية الوطن، وماهية أعدائه، فتقلب في العقول الحقائق حتى يصبح العدو وليًا، والولي عدوًا!

وأما القلوب فإن العدو يتسرب إليها شيئًا فشيئًا بلين كلين الأفاعي، وخبثٍ كخبث الثعالب، وبوقعٍ أخف من دبيب النمل، حتى إذا ما سيطر عليها ملأها كراهية، وغلًا، وحقدًا، واحتقارًا للوطن، وتعظيم العدو، والانسحاق أمامه، وتحت قدميه في الوقت ذاته! فإذا ما تم للعدو مراده من السيطرة على العقول، والقلوب، كان أسهل شيء عليه هو السيطرة على أرض الوطن، إذ يجد أن أبناء الوطن أنفسهم قد مهدوا له الطريق، وفرشوا له السبل بالورود، منتظرين قدومه ليخلصهم من عدوهم الذي سيطر على وطنهم، وسلبه منهم، والذي ليس في حقيقته سوى الحكم الوطني، ولكنها صنعة العدو في قلب الحقائق.

هذه الحرب التي تشن الآن على مصرنا الحبيبة، ومنذ سنوات ذوات عدد، وإن كانت في هذه الآونة قد بلغت أشد ذروتها، وحدتها، ومرحلتها الحاسمة، والتي لا يكون فيها سوى منتصر واحد، ومنهزم واحد، فإما أن ينتصر أبناء الوطن المخلصون على عدوهم، ويرفضوا غسل أدمغتهم، ويفشلوا محاولات السيطرة على عقولهم، وقلوبهم، أو يسلموا وطنهم بأيديهم لقمة سائغة إلى عدوه، وعدوهم، والخيار لهم.

إن تلك الحرب التي بلغت ذروتها منذ ما يزيد عن العامين، ولا تزال مستعرة، ومشتعلة، وتستهدف عقل، وقلب المواطن المصري البسيط عن طريق بث العشرات، بل المئات والآلاف من الشائعات المغلوطة، والمعلومات الناقصة، والمضللة، والكاذبة من أجل إثارة شكه في بلده، ووطنه، وقياداته الوطنية، وفي دولته، وفي جيشه!

حتى لقد أصبح الشك –بسبب تلك الحملات- حالة عامة يعاني منها الناس جميعهم، بل لقد أصبح الشك هو الأصل في الأشياء، وليس اليقين على عكس الواقع، والحقيقة، والأصل!

وأصبح المواطن المصري من كثرة ما تعرض له من حملات إعلامية كاذبة كأداة من أدوات، وآليات حرب المعلومات، أصبح لا يثق في شيء، ويشك في كل شيء، حتى كاد يشك في ذاته، وفي أصابع يديه !

ومن ضمن الجزئيات، والأمور الكثيرة التي طالتها يد مروجي الشائعات، وكانت جزءًا رئيسًا من حرب المعلومات التي تعاني منها مصر في هذه الآونة الخطيرة من تاريخها هي قضية الجزيرتين الواقعتين على الحدود البحرية المصرية– السعودية، والمعروفتين بــ "تيران، وصنافير"، وهما اللتان دار حولهما الكثير من الشائعات، والمغالطات ما لا يحصى، ولا يستقصى..

اعتمد أعداء هذا الوطن من قادة حرب المعلومات على عدم معرفة المصريين شيئًا –من قبل– عن هذين الجزيرتين، كغيرهما من الأمور الكثيرة، والمتعلقة بتفاصيل كثيرة يجهله المصريون (دون قصد، أو عن عمد) عن وطنهم، وبلدهم، فبثَّ أعداء هذا الوطن الشائعات الكثيرة، وشككوا المصريين في كل أمر، وفي كل تفصيلة من تفاصيل تلك القضية المحورية، مستغلين في ذلك وسائل التواصل المجتمعي، والتي أصبحت مرتعًا لكل أعداء الوطن، وسلاحًا قاتلًا لعقول، وقلوب المواطنين، وكذلك الإعلام المعادي، والذي يقوده، ويحركه الإعلام الصهيوني، أنّى أراد، وكيفما شاء.
على ما سأبينه في المقال القادم إن شاء الله.
وفي المقال القادم للحديث بقية.. إن شاء ربُّ البرية.
الجريدة الرسمية