رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تدار العصابات الإرهابية؟


ما زلت مصر على أن ما يمارس من إرهاب في مصر ليس له علاقة تماما بالدين.. وإنما هو جزء من مؤامرة خبيثة أريد بها زعزعة منطقة الشرق الأوسط من محور التحكم فيها وهو "مصر".. مؤامرة لايديرها فريق واحد، وإنما فرق متعددة. هدفها واحد وهو إضعاف شوكة الجيش المصري، أو على الأقل توظيفه لخدمة سيناريوهات عالمية معادية للعروبة والإسلام على حد سواء.. وربما لا أكون مبالغا حينما أقول إن هذه الموجات الإرهابية العنيفة المنتشرة هنا وهناك لا تستهدف دينًا واحدًا، ولا وطنًا بعينه، وإنما تستهدف استقرار التجمعات البشرية أينما كانت!


لذا فلا غرابة أن نجد إرهابا يهاجم أمريكا ويقدم مبرراته، ويهاجم فرنسا بمبرراتٍ مغايرة.. ويهاجم ألمانيا وروسيا.. حتى إسرائيل لم تسلم من هجماته، والحريق الأخير يشهد!

وعلى أية حال فقد آن الأوان أن يدرك المجتمع الدولى أنه لا دين للإرهاب ولا وطن.. ولا تستطيع دولة بمفردها أن تحاربه بالوكالة. وأن نظرية ربط الإرهاب بديانة معينة أو بلد بذاته باتت محض عبث! فرسالة الإرهاب واضحة محددة.. تدعو إلى ضرورة أن يتوحد العالم للحفاظ على تجمعاته البشرية.. وأنه إذا تخلت الدول الغنية عن مسئوليتها تجاه العالم الفقير.. فسوف تجتاحها عواصف الإرهاب التي لا ترحم!

ومن ثم فمن الخطأ أيضا أن نتصور أن عمليات الإرهاب تتم بصورة فردية أو عشوائية.. ومن الخطأ أن نتصور أن سببها واحد.. ومن الخطأ أن نتصور أن العصابات الإرهابية على علاقة قوية ببعضها.. فالواقع يشير إلى أنها عصابات متصارعة وربما مختلفة باختلاف أهدافها والتجارة التي تعمل على ترويجها!

لهذا فلكل عصابة إرهابية تسلسلها القيادى الذي ينتهى بـ"الانتحاري" أو منفذ العمليات، والذي عادة ما يكون من خارج التنظيم الإرهابى.. وهذا التصور يجعلنا نتخلى عن البحث عن هوية الانتحارى؛ بدعوى أن الكشف عنه سوف يقودنا إلى معرفة رأس التنظيم.. فقد أثبتت الوقائع الإجرامية أن القائمين بالأعمال الإجرامية ما هم سوى مستخدمين أو ضحايا لتنظيمات إجرامية كبرى.. وأن البحث عن هوياتهم ما هو سوى ضرب من العبث أيضا! إذ إن اكتشاف هوية الانتحارى أو منفذ العمليات الإرهابية ومحاصرة أسرته ليس سوى اكتشاف للعَرَض، ومحاولة إخفائه ويبقى أصل الداء كامنًا في ذلك التنظيم!

وحتى نقترب من طبيعة التنظيمات الإرهابية في العالم.. لابد أن نحدد ما هو مشترك بينها والذي عادة ما يتحدد في تسلسلها القيادى.. الذي عادة ما يكون واحدًاً في معظم التنظيمات الإرهابية على اختلاف مشاربها وأهدافها.. فـ"المافيا" أو العصابات الإجرامية طبقًا لملفات الشرطة الأمريكية هي"جهاز معقد التركيب، يبدأ تكوينه بما يسمى العائلة التي تمثل نواة المافيا، وهي عبارة عن عصابة تجمعهم رابطة الدم أو الزواج، أو هى أحيانًا مجموعة من الأصدقاء. ويكون الزعيم أقوى أفرادها وأجدرهم بالقيادة، ويتم اختياره بموافقة باقي الأفراد.

ويتكون التسلسل القيادى للجماعات الإرهابية من "الرئيس" أو "الزعيم" الذي هو رأس الجماعة وأقوى أفرادها، ويمثل رأس السلطة الهرمية، ويطلق عليه في الجماعت الدينية الإرهابية لقب"الأمير" وهو منفصل عن العمليات الفعلية بعدة طبقات من السلطة، كما أنه يتلقى جزءا من أرباح كل عملية يقوم بها كل فرد من أفراد االعصابة. وعادة ما يتم اختيار الرئيس بالتصويت من رؤساء المجموعات الإرهابية التابعة للتنظيم.. حيث ينقسم التنظيم الإرهابى إلى عدة مجموعات تتخصص كل مجموعة في نشاط معين.

ويأتى في الترتيب بعد الرئيس"المساعد" وهو "الرجل الثاني" في العصابة، وعادة يقوم الرئيس بتعيينه، ويختص بمتابعة "الكباتن" أو رؤساء المجموعات. ويخلف الزعيم في رئاسة العصابة بعد سجنه أو قتله.

أما "المستشار"، فيأتى في المرتبة الثالثة ويعمل كمسئول استماع، مُكلَف بالتوسط في نزاعات أعضاء العصابة، ومسئول عن تدبير التمويل اللازم للعمليات الإرهابية. بالإضافة إلى نفقات أعضاء العصابة.. ويمتلك خبرة كافية في وضع القانون الذي يحكم أنشطة العصابة وإدارتها وتسلسلها القيادى، ويشرف على إنفاذ القانون في إطار تعليمات الزعيم.

وفى المرتبة الرابعة يأتى قائد المجموعة التابعة للتنظيم ويسمى الـ"كابتن" أو "كابو".. فهناك عادة من 4-6 مجموعات في كل جماعة إرهابية، كل منها تتكون من عدد من الجنود يصل إلى 10 أفراد. ويختص الكابتن بإدارة شئون جماعته الصغيرة، في ضوء الأوامر التي يضعها الرئيس، وكذلك أن يدفعوا له حصة من مكاسبهم. وعادة ما يتم ترشيح الكباتن من قبل المساعد أو الرجل الثاني. ولكن في الأصل يختارهم الرئيس بنفسه.

ومن اختصاصات الكابتن أيضا أن يرشح "الجندى" الذي يحتل المرتبة الخامسة وربما الأخيرة في التنظيم الإرهابى.. ولا يربطه بالعصابة الإجرامية قرابة أو نسب.. لكنه من الأفراد المنتسبين للعصابة، والذين أثبتوا خلال أكثر من عملية إرهابية ولائهم للعصابة، وقدرتهم على الالتزام بالأوامر والأهداف. وعادة ما يكون الجندى من مجموعة الكابتن الذي رشحه للقيام بالعملية الإرهابية.

وهذا التنظيم الخماسى عادة لا يتورط في تنفيذ العمليات الإرهابية، لكنه فقط يلتزم بعمليات التخطيط والمتابعة والتمويل.. أما الشخص الذي يقوم بتنفيذ العمليات الإرهابية في الغالب لا يكون عضوًا أصيلا في التنظيم الإرهابى. وتحدد مهامهم في درء الخطر عن الأعضاء الفعليين.. فهو الذي يقوم بتسلم واستلام المخدرات في عصابات الاتجار في المخدرات.. وهو من يتسلم الأسلحة ويسلمها في تجارة السلاح، وهو الانتحارى الذي يسلم نفسه للموت تنفيذا لأوامر الزعيم.

وعلى أية حال ليس على الأجهزة الأمنية أن تفرح حال كشفها لهوية الانتحارى أو القاتل، فجميعهم مكلف وليس فاعلا في التنظيم العصابى.. بل يجب عليها أن تدرك أن نجاحها الحقيقى يجب أن يكمن في صيد الفكر الإرهابى، ورصد محركاته، وتتبع تحركاته قبل ارتكاب الجريمة وليس بعدها!
Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية