رئيس التحرير
عصام كامل

مصر وإيران.. الدين لله والاقتصاد للجميع


في الحياة، لا زواج دائم، ولا طلاق يدوم، وفي السياسة، لا صداقة دائمة، ولا عداوة باقية أبد الدهر، فأينما توجد "المصلحة" فولِّ وجهك.

نحن الآن في لحظة فارقة، لحظة تحتاج فيها مصر إلى تحالفات غير تقليدية تُخرجها من كبوتها الاقتصادية. المنطقة تشهد تغييرات جذرية تجعلنا مطالبين بمراجعة علاقاتنا مع شركائنا "الإستراتيجيين"، على أساس المصلحة، وهي بالمناسبة "ليست عيبًا".


الشعب المصري مهدد بالحرمان من النفط "منخفض السعر" الذي وعدتنا به السعودية، بعد أن أوقفت "أرامكو" الشحنات المتفق عليها سلفًا.. مصر- على مدى تاريخها- لم تعرف الصيد في المياه العكرة.. طهران- بلا كلل- تطرق أبواب القاهرة؛ ومستعدة لتغطية احتياجاتها من المواد البترولية.

استيراد النفط من إيران "ليس جريمة"، في وقت سابق أمدت مصر إسرائيل بالغاز، "المصلحة" تحكم العلاقات بين الدول.. لن ندخل في جدل عقيم حول موقفنا، نحن بلد الأزهر، من إيران.. نمد جسور الود معها أم نقطعها؟ نتقارب معها أم ندير لها ظهرنا، حتى لو كانت مصلحتنا، أو جزء من نهضتنا في التعاون معها؟!

عند الحديث عن "المصلحة"، نترك الدين جانبًا، فـ"الدين لله، والاقتصاد للجميع".. والتقارب السياسي بين القاهرة وطهران، بالطريقة التي تريدها إيران والحديث عن "المد الشيعي" سيقابل بالرفض، أما التقارب الاقتصادي فما المانع ؟

ثمة تقارب بين الموقف المصري والموقفين الروسي والإيراني من الأزمة السورية، ويبتعد بذات القدر عن المواقف الأمريكية والأوروبية والتركية والسعودية.

وزير الاقتصاد الإماراتي، سلطان المنصوري، قال: إن "حجم التبادل التجاري بين أبو ظبي وطهران بلغ 17 مليار دولار بنهاية عام 2014، وأن طهران تأتي في المرتبة الرابعة بالنسبة للأهمية النسبية لحجم التجارة الخارجية للإمارات مع بقية دول العالم.. بينما انخفض حجم التبادل التجاري بين مصر وبلاد فارس إلى "100 مليون دولار فقط".

إيران التي تحتل ثلاث جزر إماراتية، على رأس قائمة الدول التي تستثمر في الإمارات.. بل إن "المنصوري" أكد سعي بلاده إلى "توسيع آفاق التعاون في مختلف المجالات الاقتصادية والصناعية والاستثمارية مع إيران، والعمل المشترك على الاستفادة من الفرص المتاحة في البلدين لتشجيع الاستثمارات المتبادلة والمشاريع المشتركة بينهما"..

التعاون العربي مع إيران لم يتوقف عند الإمارات فقط، فهناك دول أخرى تقيم علاقات تجارية وتعاون اقتصادي واستثماري مع طهران، على رأسها العراق، تليها الكويت وقطر، وسوريا ولبنان، وغيرها.

بحسب خبراء، فإن الاتفاق النووي الأخير، ورفع العقوبات عن طهران سيعيدان ترتيب ملامح خارطة الاستثمار في المنطقة بكاملها، ويعني جذب استثمارات عربية إلى إيران تتراوح ما بين 600 و800 مليار دولار خلال العقد المقبل.. فأين نحن من كل ذلك؟

الواضح لكل ذي عينين، أن منطقة الشرق الأوسط يعاد تشكيلها الآن، وإيران مرشحة بقوة لأن يكون لها نصيب كبير من هذه الكعكة، ومصلحة مصر ربما تقتضي أن تولي وجهها شطر طهران، أسوة بالصين وروسيا، فالتعاون مع إيران، قد يزيد على حجم التعاون الاقتصادي بيننا وبين الدول التي وقفت معنا في أزماتنا، ومنحتنا بضعة مليارات، بينما تستثمر آلاف المليارات من الدولارات في الغرب.

إن تعاون مصر مع إيران "اقتصاديًا"، ربما يفتح الباب مجالات تعاون أخرى مستقبلًا، هذا أولًا. ثانيًا، ربما يسرع في إنهاء أزمة سوريا، وما أدراك ما أهمية سوريا بالنسبة إلى مصر؟!

أما الأهم من ذلك كله، فإن التقارب "المصري- الإيراني" سيواجه الأطماع التركية في المنطقة، وسعي أردوغان وحلفاؤه إلى احتلال سوريا، بزعم الحرب ضد "داعش".. فالخوف ليس من سيطرة الإيرانيين على "دمشق"، وإنما التخوف الأكبر من "العثمانيين"، الذين اقتطع أجدادهم "لواء الإسكندرونة" من سوريا عندما احتلوها.

وبالنسبة للتخوف من سعي إيران لنشر المذهب الشيعي، فمنذ متى نجحت أي دولة في تغيير عقيدة المصريين؟
الجريدة الرسمية