رئيس التحرير
عصام كامل

«نيوليبرالية» نالت «السعفة الذهبية»


يتمتع مهرجان "كان" السينمائي الدولي، بألق خاص يستقطب به نجوم العالم أجمع بمن فيهم أبرز فناني وصناع السينما في هوليوود.. الدورة التاسعة والستين من عمر المهرجان العريق التي اختتمت، مساء الأحد، كانت استثنائية على صعيد الإجراءات الأمنية خشية عملية إرهابية، خصوصا أن فرنسا مستهدفة، واستثنائية على صعيد الأجواء السياسية المحيطة، وكذلك الأفلام المشاركة التي لم يلق بعضها الرضا التام.


وإذا كانت جوائز "الأوسكار" الأميركية الأشهر عالميا تنحاز في الغالب إلى الإبهار والتقنيات والإنتاج السخي، فإن مهرجان "كان" على العكس تماما ينحاز دائما إلى المضمون الإنساني والمعالجة العميقة، حتى لو كان الإنتاج مستقلا بسيطا وفقيرا.

اعتماد "كان" على أسس ومعايير رصينة في تقييم الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية جعلت لجنة التحكيم تتوج فيلم "آي دانيال بليك" للمخرج البريطاني كين لوتش بجائزة "السعفة الذهبية" أكبر مكافآت المهرجان. وهي المرة الثانية التي ينالها لوتش، الذي يحتفل بعيد ميلاده الثمانين الشهر المقبل، بعد أن فاز بها أول مرة عام 2006.. ويندد المخرج المتمرد في فيلم "آي دانيال بليك" بالظلم الاجتماعي ويناقش قصة شاب من "نيوكاسل" يسعى للحصول على إعاشة مالية اجتماعية بسبب الإعاقة ويتشارك هموم الفقر مع أم عزباء لطفلين ويحاول مساعدتها.

لم يكتفِ المخضرم "لوتش" بما عالجه في الفيلم بل شن هجوما لاذعا على الاتحاد الأوروبي قبيل عرض الفيلم بالمهرجان، معربا عن صدمته من الطريقة التي يعامل بها الأشخاص الأكثر فقرا في الاتحاد، ودعا اليسار الحقيقي في أوروبا إلى توحيد الصف.

وقال لوتش "عامل مشترك مهيمن بين كل الدول الأوروبية. هناك قسوة واضحة في الطريقة التي ننظم بها حياتنا الآن، حيث يقال للضعفاء إن فقرهم هو خطؤهم الشخصي.. وإذا كنت بلا عمل فأنت المسئول عن ذلك". وأوضح لوتش أن الفيلم يركز على مشكلة بريطانية اجتماعية لكن له منظور أوسع يشمل الاتحاد الأوروبي بأكمله. ورغم هجومه على الاتحاد الأوروبي فضل لوتش بقاء بريطانيا في الاتحاد خشية الانجراف نحو اليمين المتشدد، معتبرا أن الانفصال سيكون خطأ كبيرا وخطرا جدا على مستقبل بريطانيا.

وعند استلامه "السعفة الذهبية" وسع لوتش من دائرة التنديد وجعلها عالمية بقوله "النيوليبرالية تقودنا إلى الكارثة"، موضحا "العالم الذي نعيش فيه، يمر بوضع خطير. فنحن على مشارف مشروع تقشف تقوده أفكار نسميها نيوليبرالية أو ليبرالية جديدة قد تقودنا إلى الكارثة..فهذه الممارسات النيوليبرالية اوقعت الملايين في البؤس من اليونان إلى البرتغال مع أقلية صغيرة تحقق الثروات بطريقة مشينة".. وتمنى لوتش أن "تستمر السينما الاحتجاجية التي تبرز احتياجات الشعوب في مواجهة النافذين".

إلى جانب فوز الثمانيني كين لوتش بالسعفة الذهبية عن فيلم اجتماعي احتجاجي، فازت "إيران" مجددا بجائزتي أفضل سيناريو لأصغر فرهادي وأفضل ممثل لشهاب حسيني عن فيلم "البائع" إخراج أصغر فرهادي، وهي ليست المرة الأولى التي تفوز فيها السينما الإيرانية في "كان"، لأنها تعتمد دائما وابدا على بساطة وإنسانية المضمون وواقعية وسلاسة التصوير بلا فذلكة أو تعقيد ولا مبالغة واستعراض عضلات، وهذا سبب إعجاب القائمين على مهرجان "كان" بالسينما الإيرانية منذ سنوات طويلة.

وإذا نظرنا إلى السينما المصرية، التي يتحدث صناعها دائما وأبدا عن ريادتها في المنطقة وتاريخها العريق، نجد أن لا إنجاز لها على المستوى الدولي، ولا تواجد حقيقي مقارنة بالسينما الإيرانية، أو حتى السينما التونسية والمغربية والجزائرية وكذلك اللبنانية، التي تعاني كل منها على صعيد الإنتاج والجماهيرية، لكنها متواجدة دوليا وتحظى باحترام وتقدير المهرجانات الكبرى، فيما السينما المصرية رصيدها "صفر كبير" في المسابقات الرسمية للمهرجانات الدولية، وتقتصر المشاركة على المسابقات الهامشية كما حدث مع فيلم "اشتباك" الذي شارك هذا العام في "نظرة ما" بمهرجان "كان" وخرج خالي الوفاض، فعلى المتشدقين بالريادة والعراقة في صناعة "الفن السابع" الالتفات إلى ما تنتجه دول يعتبرونها أقل منهم في الخبرة والنجومية ويتعلمون منهم أبجدية السينما الحقيقية بعيدا عن العشوائيات والبلطجة والإثارة والإباحية والمبالغة التي باتت سمة السينما المصرية.

الجريدة الرسمية