رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. في ذكرى فتح الأندلس.. «قصر الحمراء» معجزة تحكي إبداع المسلمين.. 150 عاما لتأسيس القصر.. توصيل المياه يظهر الإعجاز الهندسي.. يستقبل 4 ملايين سائح سنويا.. ونيويورك تفشل في محاكاته

فيتو
18 حجم الخط

يُحل اليوم ذكرى فتح الأندلس، أعظم الحضارات في تاريخ المسلمين، وامتدت 8 قرون متتالية، كانت خلالها منارة تعبر عن أرقى المستويات الفكرية والثقافية التي وصل إليها العرب والمسلمون عبر تاريخهم، من الطب والهندسة والعمارة والدين إلى فنون الشعر والموسيقى، فضلًا عن العلوم الإنسانية والفيزياء والكيمياء والأحياء والفلك، وغيرها العديد من المجالات، دولة مرت بمرحلة التأسيس ثم التألق والنهضة إلى أشد أشكال الدمار.


تاريخ الفتح
البداية في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بين عامي (92 – 93 هـ)، عندما أرسل موسى بن نصير القائد طارق بن زياد من طنجة مع جيش صغير من البربر والعرب يوم 30 أبريل عام 711، واستطاع الانتصار على القوط الغربيين وقتل ملكهم في معركة جواداليتي "وادي لكة".

بداية السقوط
مرت الأندلس بالعديد من فترات الضعف التي ساعدت على سقوطها، فبداية حقبة ملوك الطوائف أخذت الحياة في الأندلس منحى آخر، ببداية الخلافات تدريجيًا، وحينها قسمت الأندلس لأكثر من 20 دويلة صغيرة، فازدادت الأطماع فيها خصوصا من قبل الأوروبيين الذين كانوا ينتظرون اللحظة السانحة حتى ينقضوا على هذه الدويلات ويأكلوا منها شيئًا فشيئًا، إلى أن ظهرت دولة المرابطين برأسة الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين الذي استطاع أن يضع حدًا للأطماع الأوروبية في هذه الدولة، وخاض عدة معارك معهم من أشهرها معركة الزلاقة.

وبعد فترة من الزمن استطاعت دولة الموحدين الانقلاب على دولة المرابطين وإنهائها، وبهذا انتقل حكم الأندلس من دولة المرابطين إلى دولة الموحدين، الذين استطاعوا الدفاع عن الأندلس فترة من الزمن إلى أن سقطت دولة الموحدين في معركة العقاب الشهيرة.

بعد هذا تأسست دولة بني الأحمر في غرناطة، حيث كانت هذه المرحلة الأخيرة قبل السقوط النهائي للدولة الإسلامية في الأندلس، والتي تعاقب على حكمها عدة ملوك من بني الأحمر، إلى أن سقطت نهائيًا على يد فرناندو الثاني في العام 1492 ميلادية.

أهم معالمها
عُرفت الأندلس بالمعالم والآثار البراقة، أبرزها "قصر الحمراء"، فهو من أروع القصور في تاريخ العمارة الإسلامية والآثار الأندلسية، أسس في البداية خصيصًا للتحصين من هجمات الصلبيين، وبعد هزيمة الموحدين في معركة العقاب سنة 1216م، وما تلى ذلك من استيلاء صليبي على غالبية المدن الأندلسية، قرر محمد بن يوسف بن نصر، المعروف بابن الأحمر، استغلال نسبه الشريف وشهرة أسرته لإقامة دويلة جديدة.

وكان أول ما أنشأ ابن الأحمر قصر الحمراء، من مادة قوية هي مزيج من الطين والرمل والحجارة، تمت إضافة الجير إليها كي لا تتآكل، وقرر تشييد عدد من الأبراج التي تراقب تقدم الصليبيين، ومن بينها برج رئيسي أدت محاولة تقويته إلى التخلي عن وظيفته الجمالية في ذلك الوقت والإبقاء فقط على وظيفته الحربية.

الإعجاز الهندسي
ضمت المدينة ما يقرب من 5 آلاف قاطن إلى جانب الأسرة الحاكمة، وهنا ظهر تحدٍ كبير، وهو إيصال الماء إلى هذا المرتفع انطلاقا من الجبال المجاورة، والتي تُعد اعجاز هندسي في ذلك الوقت، لذلك كان قرار ابن الأحمر بتحويل مجرى نهر بأكمله إلى "الحمراء"، ولأجل ذلك تم بناءُ سدٍ يحصر المياه القادمة من الجبال، وبعد ذلك تشييد قناة مائية ضخمة طولها ستة كيلومترات، ثم الساقية الملكية التي تزوّد "الحمراء" بالمياه.

ساعة الأسود
وأبرز معالم ذلك القصر ساعة الأسود التي أسست في عهد محمد الخامس، وتحتوي على اثنى عشر أسدًا، كان الماء فيما سبق يخرج من فم كل واحد منها على رأس كل ساعة، وأزهلت طريقة خروج المياه من أفواه الأسود العالم أجمع، حيث لم يعهد العالم التقدم الهندسي والمعماري الذي يجعله يتوصل لهذا الأمر وخاصة أن المياه لم تخرج في وقت واحد، وإنما كل أسد على حدى في تناغم موسيقي، فحاول الأسباب معرفة السر بحفرهم لبعض الجوانب من حولها، ولكن أدى إلى توقف الساعة عن الاشتغال بشكلها المعروف، وصار الماء يخرج اليوم من أفواه الأسود جميعها في وقت واحد.

150 سنة بناء
وبعد وفاة محمد الخامس قرر ابن محمد المعروف بالفقيه استكمال بناء القصر، فبنى حصنًا وقصرًا جديدًا، وبعد وفاته، قام محمد الثالث ببناء مسجد جديد داخل القصر تم تحويله فيما بعد إلى كنيسة، واستمر بناء قصر الحمراء أزيد من 150 سنة، وإن لم تظهر بشكل كبير معالم بقية الحاكمين الذين أتوا بعد محمد الثالث، إلى أن وصلنا لفترة يوسف الأول "سابع حكام بني الأحمر" الذي أجبرته هزيمة ساليدو سنة 1340، على الاعتناء أكثر بالقصر، وحوله لمكان دبلوماسي يُبهر فيه سفراء الخصوم، كما زينه بنقوش إسلامية والتي لا زالت حاضرة إلى اليوم.

ومن سوء حظ يوسف، أنه قُتِل وهو لم يتجاوز بعد 36 من العمر بعد أن هاجمه أحد خدمه، وقد أدت العلاقات الجيدة فيما بعد بين ابنه وملك قشتالة بيدرو إلى تنافسهما معماريًا، وهو ما كان له فضل كبير على قصر الحمراء الذي تطوّر كثيرًا في عهد هذا الملك.

ملامح القصر
لم يأت اختيار موقع القصر صدفة، لكنه تمتع بعديد من المزايا، فمن جهته الشمالية يمكن مشاهدة جزء كبير من مدينة غرناطة، ومن جهته الجنوبية يطل الزائر على جبل الثلج، كما يضم القصر 3 أقسام كبرى أولا العسكري، ثم الملكي، ويليهما قسم الخدم، أما من حيث المعمار، فالقصر يتشكل من مجموعة من المباني من أهمها بهو الأسود، فناء الريحان، قاعة الأختين التوءم، قاعة الملوك، قصر جنة العريف.

أبواب القصر وحديقته
وعن أبواب القصر فهي متعددة ومنتشرة وما تكاد تدخل من باب حتى تجد نفسك قد خرجت من باب آخر، من بينها باب الشريعة الذي يعتبر المدخل الرئيسي، باب الطباق السبع، باب الغدور.. في وقت لا زالت فيه بعض الأبراج شاهدة على الوظيفة العسكرية للقصر كبرج قمارش وبرج المتزين، وفي أرجاء القصر تنبسط الحدائق الجميلة للزينة وإنتاج الثمار، فقد حاولت مؤخرًا حديقة في نيويورك استنساخ نفس حديقة "الحمراء"، إلا أنها باءت بالفشل، فيما يستقبل القصر سنويًا أزيد من أربعة ملايين سائح من مختلف البقاع العالمية.
الجريدة الرسمية