رئيس التحرير
عصام كامل

حاول الانتحار


أثناء سيري في طريق مظلم يؤدي لبيتي، كان الإحباط يتملكني بعد أن نفدت جميع محاولاتي لجعل حياتي أفضل وبناء مستقبل ناجح.

ولأن الظلام دامس والوقت متأخر، كنت أسير بحذر، لكن قدمي زلت وكدت أن أسقط بسبب اصطدامي بجسم غريب على الأرض، توقفت لأتحسس ما قد أكون سحقته بقدمي ولكني فوجئت بما وجدت.


فانوس يشبه فانوس رمضان وتساءلت: إحنا شهر إيه!

وأخذت أتفحصه تحت أقرب عمود إنارة وصلت له في آخر المشوار، وجدته صناعة قديمة، فانوس من النحاس المطعم بفصوص زجاجية ملونة، تنطق تفاصيل نحته بدقة وحرفية عالية بألوان متناغمة مع بعضها تدل على أناقة الصنع القديم مغايرة لما تنتجه الأيدي الصانعة في وقتنا الحالي من مستورد أو محلي بسطحية النحت وبهاتة الألوان واستخدام لخامات معدنية كالصفيح.

أخذته معي لبيتي، ودخلت إلى غرفتي وحرصت أن أنفض عنه تراب الطريق وأمسحه بقطعة من القطن لإزالة شوائب الإهمال والزمان.

وأثناء دعكي وفركي للفانوس، خرج منه دخان خفيف، تمثل لي في هيئة عفريت، لكنه ليس مخيفا بل يكاد يكون ودودا لطيفا، قائلا:

شبيك لبيك عفريتك بين إيديك، لك أمنية واحدة تُلبى إليك، تتحقق في التو واللحظة، ويصبح المحال يحدث في الحال.

لملمت ذهولي وخوفي وأحلامي ومستقبلي وقلت: عاوز أموت! ما عاد في شيء يستحق البقاء.

رد العفريت بصوت حزين: لِمَ اليأس وأمامك حياة حاول أن تستمتع بالعيش فيها.. احكي لي يمكن أقدر أساعدك.

رديت بيأس: الدين تجارة، الوطنية للخداع، التعليم جاهل، الزراعة انقرضت، النيل هيجف، العدل مات عمر، الصحة موبوءة، الصناعة انتهت، الحضارة إما دمرت أوسرقت، الفن هابط، الثقافة انعدمت، الإعلام مخادع، الحرية اتحبست، الفقر استعمرنا، البنزين للشم فقط، الأمن مطارد لا حامي، الإرهاب غالب، المال للصوص، البيئة اتلوثت، البطالة تفحشت، الفنكوش أسلوب حياة، الوهم مؤمنون به، المخدرات علاج، العمل في الخليج، الحلم في أوروبا، الهجرة غير شرعية، الخوف يسكنا، الإهمال يصفنا، التكالب باعنا، المصلحة شخصية، القومية في الكتب، الزعامة أنانية، الشعوب رخيصة، العداء للمعارضة، المبادئ مسبة، الأخلاق مهانة، الخيانة مكانة، الموت يترصدنا نهرب منه ونتمناه!

وجدت العفريت يبكي، ويطلب مني أن أرجعه إلى المصباح، فلا جدوى من تحقيق أي أمنية في وسط كل هذا العبث والسواد والقتامة في المكان والزمان الذي نعيشه.

لكنه قبل أن يدخل إلى مصباحه طلب مني شيئا غريبا!

وإذا بـمنبه الساعة بجانبي يرن بجرسه المزعج، مما جعلني أرتعد وأقوم مفزوعا من نومي ومن حلمي.

أجلس على حافة الفراش وأسترجع حلمي، حيث كنت أسير في الشارع المظلم ووجدت المصباح، ما هذا الذي بجانبي!

إنها رسالة من عفريتي، بالأمس، مكتوب فيها: "حين تصحو حاول تنتحر ".

هل كان حلما! أم كان حقيقة!

هل أبحث عن إجابة أم عن العفريت أم عن طريقة للانتحار!

الجريدة الرسمية