رئيس التحرير
عصام كامل

25 يناير.. والخريف المنتظر؟


من الواضح جيدا أننا لا نقرأ التاريخ.. وإذا قرأناه لا نتعلم منه.. وإذا تدارسناه فإننا نحفظه ولا نفهمه.. فعلى مدى ثورتين حدث فيهما ما حدث وخسرت مصر من ورائهما ما خسرت.. إلا أننا لا زلنا لم نتعلم الدرس!

ربما لأننا عاجزون عن تقييم أفعالنا بشكل سليم.. أو لأننا نبالغ كثيرا في حجم قدراتنا.. أو لخيبتنا الكبرى في دراسة الأوضاع المحيطة بنا.. أو لتوهمنا أننا نعمل بمفردنا دون شركاء لهم "أجندات" خاصة.. وقد يكون من مصلحتهم الإبقاء على الوضع الأسوأ.. أو جَرِّنا إلى مستنقع من الصراع والانقسام لا ينتهي إلا بالهلاك!

إن الدعوة للتغيير قد تكون مقبولة من قبيل الصحة النفسية للمجتمع.. ولكن لا تقبل مطلقًا؛ إذا كانت تتعارض مع المصلحة العليا للوطن.. وهنا يصبح التغيير ليس موضع نقاش.. فالأهم هو الطريقة التي يحدث بها!

لقد قدم لنا التاريخ المصري ثلاث تجارب للتغيير.. بدأت التجربة الأولى للتغيير بـ"الانقلاب" على النظام "الملكي"؛ بدعوى الفقر والفساد؛ حيث كانت البطالة لا تتعدى 2%.. وكان الجنيه المصري يساوي 4.80 دولارات.. وكانت حدود الدولة المصرية هي مصر والسودان.. وكانت القاهرة هي أجمل مدن العالم.. وكانت بريطانيا مَدِينَة لمصر بنحو 23 مليار دولار!

وأسفرت نتيجة التغيير بالانقلاب عن تخلي مصر عن السودان، واحتلال سيناء في 67.. بالإضافة إلى تراجع جودة التعليم، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب حتى وصلت 29% في نهاية عهد السادات.. وتراجعت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار ليصبح الجنيه يساوي 2.5 دولار في أواخر حكم عبد الناصر و1.7 في نهاية حكم السادات.. وارتفعت ديون مصر الخارجية بنهاية حكم عبد الناصر حتى وصلت 5 مليارات دولار، وتضاعفت 6 أضعاف بنهاية حكم السادات حتى وصلت 30 مليار دولار.. واختفت العواصم المصرية من قوائم أجمل مدن العالم.. وارتفعت معدلات الفقر حتى تسببت في انتفاضة الفقراء عام 1977!

أما التجربة الثانية للتغيير فكانت بـ"الاغتيالات"؛ حيث تم اغتيال الرئيس أنور السادات بدعوى خنوعه لإسرائيل والتفريط في الانتصار وتراجع وضع مصر عربيا ودوليا.. وتولى الحكم محمد حسني مبارك الذي اتسم عصره بأنه أكثر عصور مصر فسادًا؛ حيث تراجعت فيه جودة التعليم لتحتل مصر المرتبة قبل الأخيرة.. وارتفعت أرصدة الديون الخارجية في نهاية حكمه لتصل إلى 45 مليار دولار؛ حيث خسرت مصر في عام 2010م فقط ما يقرب من 231 مليون دولار؛ بسبب تصدير الغاز لإسرائيل، وخسرت 39 مليون جنيه؛ بسبب الفساد المالي والإداري.. واحتلت مصر المرتبة 115 من 180 دولة من حيث معدلات الفساد.. وانهارت نظم الرعاية الصحية.. وباتت مصر موطنًا لكثير من الأمراض، أهمها الفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائي وسرطان الأطفال.. واستمرت قيمة الجنيه المصري في الانخفاض أمام الدولار حتى صار الدولار في نهاية حكم مبارك يساوي 5.40 جنيهات!

أما التجربة الثالثة في التغيير فكانت بـ"الثورة".. فخلال ثلاث سنوات متتالية، قام المصريون بثورتين، أسقطوا خلالهما نظام مبارك الذي استمر في السلطة ثلاثين عاما، تراجعت مصر خلالها اقتصاديًا وصحيًا وتعليميًا وسياسيًا ودوليًا بشكل كبير.. ووصل فيها الفساد إلى "الرُّكَب".. وأفضت ثورة يناير إلى وصول "الإخوان" المسلمين إلى الحكم.. وخلال عام واحد توقفت خلالها كل ماكينات الاقتصاد عن الإنتاج، إلا أرحام النساء التي أنجبت في هذا العام 2.4 مليون طفل!.. ووصف الفساد في عهدهم بأنه وصل إلى أخمص القدم.. ووضع الإخوان مصر على حافة الهاوية، فهددوا المصريين بضياع هويتهم.. واتفقوا على بيع الأرض للعدو، مقابل تمكين الجماعة من الحكم.. وفي عهدهم تراجعت مصر تنمويا حتى حصلت على المرتبة 113 من 177 دولة.. كما شهدت تراجعا كبيرا في الانضباط الأمني، وارتفاعا متزايدا في معدلات الجريمة إلى 200%!

فثار المصريون ثانية في 2013؛ لإسقاط حكم "الإخوان" وإنقاذ مصر من مخطط التقسيم، فوقعوا في أتون الانقسام، وكادت الحرب الأهلية تشتعل، ما دفع المصريين ثانية إلى الثورة على حكم الإخوان حتى أسقطوه، وسلموا الحكم للرئيس "عبد الفتاح السيسي"، الذي أشعر المصريين بأنه يعمل لوحده في ظل تحديات وانقسامات داخلية وتهديدات خارجية وإقليمية، ساهمت بشكل كبير في ارتفاع معدلات الفقر والجريمة والبطالة، وارتفعت أرصدة الديون الخارجية في نهاية 2015 إلى 2 بليون دولار.. واستمر الجنيه في الانخفاض حتى أصبح الدولار يساوي 8.5 جنيهات!

ثلاث تجارب للتغيير فشلت جميعها.. ربما لأنها اتخذت الطريق الأسهل وهو التغيير بـ"العنف".. من خلال تحميل الأنظمة الحاكمة كل أسباب التخلف والانهزامية والفقر والفساد التي يعيشها المصريون.. واعتقدوا أن الحل يكمن في تغييرها.. وتناسوا ربما عن غير عمدٍ، أن الوعاء الذي تخرج منه تلك الأنظمة، هو بالأساس ملوث.. ويجب تطهيره!.. وأن الحل ليس في تغيير تلك الأنظمة.. حسب ما قاله التاريخ في تجاربه الثلاثة.. وإنما يكمن الحل في تغيير ذلك "الماعون" الملوث، المتمثل في "ثقافة" الشعب البارعة في إنتاج المفسدين.. وإذا كان لا بد من انتفاضة ثورية ثالثة.. فلا بد لنا من اتباع طريق جديد.. وهو الثورة على الذات!

Sopicce2@yahoo.com
الجريدة الرسمية
عاجل