رئيس التحرير
عصام كامل

الوجه الآخر لسوريا في منشورات «أحمد وزينيب»


أعد نفسي من المحظوظين قليلًا؛ لأن لي بعض الأصدقاء من الدول العربية، منهم صحفيون ومنهم طلاب مازالوا يدرسون في جامعاتهم، ورغم أن صداقتي بهم ليست قوية اقتصرت فقط على "اللايك" والكومنت، إلا أنهم يمثلون لي الكثير، على الأقل يعطونني إحساسا بأن الحدود لا قيمة لها.


من هؤلاء الأصدقاء اثنان من سوريا هما «أحمد حاج حمدو»، وهو صحفي أمله أن يكون أكبر صحفي استقصائي في الوطن العربي، والثانية هي «زينيب سليمان» بنت مدينة اللاذقية.

الاثنان يمثلان وجها آخر لسوريا التي تحولت إلى مادة إعلامية تلهث وراءها كل الوكالات والقنوات الفضائية؛ لتسجل فيديو عن بعض الدمار الذي لحق في الكثير من أراضيها، أو ربما لرصد مدى التواجد الفعلي للقوات الروسية ومن يحارب، أما البعض الآخر فيهتم بداعش وما يفعله في المناطق التي يسيطر عليها، ناهيك عن الجماعات الإرهابية التي تبث مقاطع فيديو لها كل يوم؛ لتؤكد مدى "بلطجتها" في الأراضي التي يسيطرون عليها.

بعيدًا عن تلك الأخبار التي لا تسرني على أي حال، يطل علىَّ منشور لأحمد حاج وهو يجلس في أحد المقاهي السورية مع أصدقائه مبتسمًا يلتقط صور السيلفي، فأشعر بأريحية كثيرة لهذا المشهد، بل إن في حفلة تخرجه التي نشر صورا له منها كنت فرحًا به فرحًا كثيرًا رغم أني لا أراه، ولكي أكون صادقًا لم أكن فرحًا به شخصيا بقدر ما يمثله، أرغب أن يشاهده الجميع ليعلموا أن سوريا لم تتحول إلى خراب بعد، أن هناك أماكن يمكن الخروج فيها لالتقاط صور السيلفي دون أن يكون في الخلفية آثار دمار، المشهد قليل الحدوث والأماكن المتاحة أيضًا قليلة لكنها موجودة..

شباب مازال يملأهم الأمل، رفضوا الخروج ولهثوا وراء حلمهم رغم الظروف الصعبة التي يعانونها، بل إن سخرية "أحمد" في بعض الأوقات من ارتفاع الأسعار في دمشق يعني أنها مازالت دولة، وخير دليل أن هناك مواطنا يعاني من ارتفاع الأسعار، صور كثيرة على تلك الشاكلة تعطيني الأمل الذي أبحث عنه حتى لا تضيع دمشق، أملًا يجعلني شغوفًا بمشاهدة كل منشوراته التي لن تنقلها وسائل الإعلام لحساباتهم الخاصة، لكن أن ترى سوريا يعني أن ترى تلك المنشورات على طبيعتها دون تورية، فالحياة الطبيعية هي المرآة الحقيقية للناس.

أما النموذج الثاني فهي «زينيب سليمان» بنت مدينة اللاذقية، وهي منطقة آمنة نسبيًا؛ نظرًا لكونها معقل الأسد قبل أن يفرض بوتين سيطرته عليها مؤخرًا، من خلال ترسانة أسلحة، ليعلن أنها غير قابلة للسقوط، وفي ذلك ضمان لبقاء الدولة السورية.

وزينيب التي تعاني من ظروف الحرب الدائرة، لها أيضا منشوراتها التي تبعث على البهجة، هي تحب الحياة إذا ما استطاعت إليها سبيلا، لذلك فرحت كثيرًا بنشر صور لها مؤخرًا وهي في الجامعة، شعور المرأة بأنوثتها وجمالها أمر يعطيها دفعة للحياة، ما زالت نساء الشام هن الأجمل "من وجهة نظري"، فرحت أكثر بالمعنى وراء تلك الصور التي بدت فيها "زينيب" كأجمل ما يكون، المعنى الذي يدل على أن الحياة لم تمت بعد، أن هناك امرأة سورية تقف أمام مرآتها لوضع الكحل وضبط نسب "الروج"، اختيار الثياب الأنسب للخروج وملاحظة جسدها في حالة الزيادة، حالة من الحياة على أرض ممهدة للحرب!

في حرب غزة الأخيرة سألت صديقتي "لينا"، ماذا تفعلين وسط تلك الصواريخ؟.. قالت أقرأ رواية "الأسود يليق بك"، وقتها أدركت لماذا ظل الفلسطينيون طوال تلك المدة في وجه احتلال غاشم.

سوريا التي أراها في منشورات الاثنين، هي سوريا التي يجب أن تظهر بجانب القبح الجاثم على الشاشات ليل نهار، سوريا التي يسعى فيها شاب لتحقيق حلمه، وتسعى امرأة لأن تبدو جميلة.
الجريدة الرسمية