رئيس التحرير
عصام كامل

وسَلِّم لنا على داعش!


مشكلة التناول في إعلام بلدنا أنه يتميَّز بطيبة وسطحية غير مسبوقتين في تاريخ البشرية، ومن أبرز الدلائل على هذا الأمر ترديد عبارات ببغائية لا معنى لها إلا خدمة أعداء الوطن أو القضية أو حتى الإساءة لأهل الإعلام نفسهم سواء إنسانيًا كبني آدمين، أو مهنيًا كإعلاميين!


ويتغاضى مُعظم الإعلاميين عمدًا، أو ينسوا سهوًا، أو يبتعدوا عن جهل مُفرط وخيابة بلا حدود، عن تشغيل دماغهم، وتفنيد الكثير من المعلومات والمصطلحات المتداولة، التي تتم مناولتها للمُتلقي البسيط بكُل سهولة واستسهال، دون تصفية ولا فلترة، ولا حتى محاولة للتفكير والفرز، وربما كان السباق الإعلامي المزدحم بين مئات الوسائل الإعلامية المحتوية على عشرات الآلاف من البشر المؤهلين وغير المؤهلين، لا يترُك فُرصة لواحد لمُراجعة المعلومة أو الخبر أو الرسالة الخبيثة، ويتفكَّر في أي مغزى أو معنى مُسيء، وإنما يقوم بالتمرير للنشر فورًا بحثًا عن السبق الخائب!

وعلى سبيل المثال، فقد تداولت كُل المواقع والصُحُف والقنوات الفضائية، وبكُل بساطة واستسهال، نبأً مفاده أن داعش قتلت الرهينة الكرواتي في مصر، وأن هُناك حالة من الشجب مش عارف من مين بعد قيام داعش بقتله، بل إن وزير الخارجية البريطاني قام بإدانة الحادث رسميًا، بعد أن قتلته داعش في مصر!

وبادئ ذي بدء، فكُل التعاطُف مع الرهينة المسكين وأهله وذويه، وهو الذي راحت روحه هباءً بفضل بعض المُجرمين من حُثالة البشر، والمُسيئين للإنسانية وللإسلام على حدٍ سواء، ولا تزال الرسائل المُسيئة للدين الحنيف الذي يرفُض سفك دماء الأبرياء بكُل الصور عرضا مستمرا، وإن كان الهدف المُعلَن لداعش الحقيقية وأمثالها من الجماعات التي تُطلق على نفسها إسلامية وجهادية، هو نصرة الإسلام وفرضه على أرض الواقع والعالم، كأنه أصلًا مش موجود، فإن الهدف الأسمى بالنسبة لهم والمُتحقق بالفعل هو الإساءة للدين، وتنفير غير المُسلمين من هذا الدين الذي يتم ذبح الأبرياء باسمه، ناهيك عن تنفير بعض المُسلمين نفسهم، الذين تشككوا - بجهل وتحت ضغوط سخيفة - في دينهم، لدرجة لجوئهم للإلحاد، بينما الدين بريء من كُل هذه الإساءات الوضيعة!

ونرجع لموضوع التناول الإعلامي، الذي يُصر دائمًا على أن يلعب دور الدلدول لأهداف خبيثة تسعى للإساءة للدين والأرض والوطن والناس، فبكُل بساطة وبعد أن وقع إعلامنا في فخ ببغائيته المعروفة بتداول مُصطلحات في ظاهرها الاعتيادية، وفي باطنها العذاب مثل "الجيش المصري الحُر"؛ لتأصيل وجود انشقاقات في جيش مصر كما في سوريا مثلًا، أو حتى الإشارة لوجود جيش موازٍ أو مُضاد للجيش المصري، تم استدراجه - الإعلام - للحديث عما يُسمى بـ"ولاية سيناء"، وهُنا تصبح الإشارة صريحة للخارج وللداخل، وحتى للمُحاربين المُرتزقة من الإرهابيين، بأن هُناك طرفين متكافئين يتصارعان، دولة مصر ضد ولاية سيناء، كيان ضد كيان، ده عنده قوة وده عنده قوة، ده عنده أيديولوجية وده عنده أيديولوجية، ده عنده - وهذا هو الأخطر - أرض وده عنده أرض!

حَد سأل نفسه عن معنى ذلك؟.. حَد راجع كُل هذه البلاوي الإعلامية التي أصبحت من المُسلمات على صفحات المواقع والصحُف وشاشات الفضائيات، فأصبحت أمرا عاديا جدًا في المنازل والمحال والمقاهي؛ إذ يتلقى الناس - حُسن نية وطيبة زيادة - عن الإعلام مُعظم آرائهم ومعلوماتهم بل المُصطلحات المتداولة بلا تفكير في عواقب تأصيل مصطلحات خبيثة تؤسس - مبدأيًا - لوجود كيانات غير موجودة على الأرض في الأصل بمثل هذه الصورة؟!

أي نعم سيناء فيها إرهابيون، مجموعات من المُجرمين السفاحين قتالين القتلة، لكن لا يُمكن منحهم - أبدًا وتحت أي ظرف - صفة رسمية أو حق في وصفهم بأنهم كيان اعتباري، ويكفينا ما يحصُل عليه هؤلاء - بالفعل - من مدد حقيقي يتم قطعه بتدريج ثابت وبنجاح لا يُنكَر من جانب كيان حقيقي عبر الحدود والأنفاق، وهو حماس الفلسطينية التي تناست قضية وطنها وتحرير الأراضي الفلسطينية، وعودة اللاجئين وحتى الالتحام بالضفة الغربية، وأصبح كُل همَّها هو مُساندة جرذان المُرتزقة المُشتَتين في صحاري سيناء، لكن الصنف الأخير بالتأكيد - أكرر - ليس له أي صفة إلا كونه شرذمة من المُجرمين فحسب، مش طايل حتى يبقى عصابة غسيل مُحترمة!

يعني من الآخر استخدام كلمة "داعش" في مصر، هو أمر نابع من غرض دعائي خبيث، تناوله إعلامنا بسذاجة أو بجهل أو حتى بتآمُر؛ للتدليل على أن داعش ليها فرع في مصر، وهي التي تعيث فسادًا حقيقيًا في سوريا وليبيا والعراق، وتُناطح الدول والأنظمة فتنطحها، ومصر لم تكُن كذلك، ولا يُمكن السماح بالادعاء بوجود فرع لتنظيم داعش المُجرم على أرض المحروسة؛ إذ أن هذه الأمور - الوهمية - دائمًا ما تكون تمهيدا ذكيا لتحويلها لواقع - في المشمش - وقد اعتدنا على ذلك بمُتابعة الأحداث في السنين الغبراء الأخيرة، وكُنا البلد الوحيد الناجي من كُل هذا الهَم ولله الحمد!

طبعًا لا يُمكن إنكار وقوع الحادث بالفعل، ولا يُمكن التغاضي عن أن الإرهاب موجود، لكن بالتأكيد حتمًا على أن الموجودين مُجرَّد شوية شراذم مُمزَّقة، يتم القضاء عليها بكُل الطرُق سواء بالطيران أو بالشباشب القديمة، ومش كُل واحد لِبِس قناع أو بدلة مش عارف شكلها أيه، وعمل فيديو، وقتل له شخص أو اتنين، وجه قال إحنا داعش بتوع مصر، أو المافيا بتاعت المنصورة، مُمكن نصدَّقه ونروّج كمان لفكرته لنُساعد في تحويلها لواقع، حتى لو كان مسرح ذلك الواقع في عقول الناس فحسب، وليس على الأرض؛ إذ أن الغزو العقلي دائمًا ما يكون أفضل تمهيد للانتصار المادي في أي معركة.

إذن فالتهوين من حجم الخطر مرفوض، ولا يُمكن القبول به "بعض الإعلاميين أو كتير منهم الحقيقة، بيشتغلوا على النقطة دي؛ لتثبيط الهمم ومنح المُجرمين هُدنة أو فُرصة لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف / فاكر الجزيرة لما قالت الجيش ضرب الإرهابيين بعنف مفرط؟!".. كذلك التهويل مرفوض أكثر، فالهزيمة المعنوية أو حتى الاهتزاز التعبوي، سيكون أول درجات الهزيمة الفادحة على الأرض، وهذا لن يحدُث، بس ربنا يكفينا شَر الإعلام وجهله!
الجريدة الرسمية