رئيس التحرير
عصام كامل

نهى سعادات.. القضية التى لم تنظرها بعد المحاكم الفرنسية (5)


بعد نصف ساعة من حوار نهى مع القنصل العام بمارسيليا عن وضعها وحدها مع طفل مريض في غرفة تحت الأرض فوق الجبال، كان رجلان مصريان متطوعان من النادي المصرى بمدينة نيس يحملاها هي وطفلها داخل سيارة في اتجاههم إلى أقرب مستشفى وتم إسعاف الطفل الذي كان يعانى من صعوبة في التنفس وارتفاع في درجة الحرارة.


عادت إلى حياتى ولم أملك غير احتضانها تحكى عامين انتقلت فيهما مع عمل زوجها إلى إيطاليا في فيلا فوق الجبال أيضا تلك الجبال التي يعشقها العالم لجمالها أصبحت بينها وبين نهى عداوة ففى ليلة شديدة الظلمة انقطعت الكهرباء في الصيف تحت درجة حرارة شديدة ولابد من انتظار يومي الويك إند، استقيظت نهى صباحا لتجد خطاب من زوجها الذي اصطحب ابنته الكبرى التي تصادف وجودها لإجازتها المدرسية إلى أحد الفنادق ليقضى معها يومين حتى عودة الكهرباء وترك لها مبلغا من المال وسيارتها الخاصة معبأة بالبنزين إن أرادت أن تلحق بهما، كانت الأرض تتموج تحت قدميها والحوائط ترتعد بغضب ولم تفهم هل زلزال الطبيعة يهز الجبال أم زلزال داخلها من شدته يكاد يهدم الفيلا وتحول صيف أوربا إلى عواصف كسرت كل النوافذ وبعثرت أوراق اليورو حولها وهى متجمدة مكانها، لو أنه رحل وحيدا لما اهتمت كثيرا ولكنه أخذ ابنته معه، وكأنها وابنها لا ينتميان إليه، أخذ ما يخصه في البيت، حقيبته وابنته، الأقدار لا تعطى من يعاندها كانت تحلم بنبع من الحب فإذا بالنبع جاف من الماء، بعض علاقاتنا نعلم في أعماقنا أنها فاشلة لكننا نقاوم أملا في الاستمرار أو لأننا لا نملك بدائل حتى نصادف موقفا بسيطا يقضى على ما تبقى بيننا إلى الأبد.

قررت العودة إلى فرنسا لتطلب الطلاق وتحصل على حقوقها وحقوق ابنها استأجرت تاكسى من المطار لبيتها لكنها لم تنتبه أن زوجها وضع بابا حديديا أمام الباب قبل أن يتنتقلوا إلى إيطاليا ولأنها لا تعرف أحدا فاضطرت إلى الإقامة في الكاف أو الغرفة المخصصة للخزين تحت الأرض ووجدت سيارتها القديمة معطلة فأصبحت بلا وسيلة تنقل فوق الجبال وابنها مريض ومن حسن حظها أنها استغاثت بمصر في شخص القنصلية المصرية ولم تطلب البوليس الفرنسى ليسعفها لأنها كانت ستضع نفسها تحت المساءلة القانونية دون أن تدرى بسفرها بطفل فرنسى دون علم أبيه وتعريض حياته للخطر فوق الجبال في ظروف معيشية سيئة لا تتناسب وحقوق الأطفال وهو ما كان يمكن لزوجها أن يتهمها به ويحتفظ بحضانة الطفل حال الطلاق.

وكان أهم لقاء بحياتها مع محامى تابع لهيئة الدفاع عن حقوق المرأة، لو سألتك سؤال أمام القاضى هتعرفى تجاوبى، عليها أن تتعلم اللغة الفرنسية وتبحث عن عمل وتحاول أن تكون عضو فعال في المجتمع الفرنسى كى تحتفظ بحضانة الطفل لأنها بوضعها الحالى غير قادرة على إعاشة نفسها أو إعاشة الطفل، القاضي لا يحكم لأكثرهما مالا ولكن لمن يملك مؤهلات الرعاية، النفقة ومساعدات الدولة ليست حلولا سحرية لها كما كانت تتصور، وإن حال إيتيانها بأى تصرف أخرق أو أثبتت عليها واقعة إهمال وأثبت على الزوج حالة الضرب المبرح لها من حق الدولة أن تسحب حضانة الطفل منهما وتضعه تحت رعاية مؤسسة للأطفال، يمكننى أن أكتب عشرات السطور عن إحباط البشرية الذي تجسد في ملامحها في ذلك اليوم، فكل آمالها تبخرت لا أعرف للمرة الكام فكلما علقت آمال في الهواء سقطت فوق رأسها.

عاد الزوج الذي لم أسمعه ولم أعرف دوافع تصرفاته ولم أعرف أسبابه ولا أفكاره وترك لها الفيلا لتعيش فيها وحاول إرضائها بكل الطرق ورفضت فنزل ليعيش هو في غرفة الخزين تحت الأرض في انتظارها أن تسامحه، نحن لا نعرف مقدار الخاتم الذهبى في أصبعنا إلا بعد أن نضيعه.

أما هي فقد تحولت إلى شخصية أخرى هادئة واعية يملؤها إصرار يمتزج فيه الصبر بالأمل، حقا الطريق سيكون صعبا عليها فقد جبنت منذ سنوات أن تخوض تجربة التحدى هذه وهى منفردة، عليها اليوم أن تخضوها بطفل صغير.

لكنه على ضعفه وهبها الإرادة لأجله، اليوم هي قررت أن تكون إنسانة لها كيان في دولة أوربية كى تكون جديرة بالاحتفاظ بابنها، وعيت الدروس متأخرة، لكنها وعته وهذا هو الأهم، واليوم هي إنسانة أخرى، تنتظر أن ترفع قضيتها في المحكمة الفرنسية يوما ما.
الجريدة الرسمية