حلمنا.. بناء الوطن
"لا أحد يستطيع أن يمتطي ظهرك إلا إذا وجده محنيا".. أزعم أن المقولة هذه أول ما دَونت في دفتري الخاص إبان المرحلة الثانوية، لتصبح مقدمة لموضوع ألقيته في الإذاعة المدرسية، التي كنت أتولى الإشراف عليها، وفي المرحلة الجامعية حين شغفنا بقراءة سير العظماء وصناع التاريخ، تعرفت على قائلها د.مارتن لوثر، الزعيم والقس الأمريكي، الذي مارس بمهارة مهمة تغيير مسيرة الظلم الإنساني، وأضحى ملهمًا للعديد من حركات التحرر.
تذكرت الزعيم المثل منذ أيام، وأنا أشاهد فيلم "سِلمى" الأمريكي المنتج العام الماضي، لأجدد إعجابي بذي الجذور الأفريقية، الذي حمل على ظهره ووعي عقله بأحمال ثقال وإرث استعباد جدوده الأفارقة، وتجريدهم من إنسانيتهم مذ شُحنوا بالسخرة في سفن مهينة، لينقلبوا خدما وعبيدا لمن يدعون أنهم الأوائل في عالمنا، وها ذا حفيدهم ينتزع لهم الكرامة ويقتنص الحرية ويحترم رفضهم لليأس.
رغم سنوات عمره الغضة القليلة والمثمرة في آنٍ، يحصل على حقوق السود المضطهدين ويساويهم برجل أمريكا الأبيض، بل تحتفل البلاد بذكرى ثورته لتغدوا يوما وطنيا مهيبا، ويقف كتفه بكتف الرئيس الأمريكي جونسون، وتتساقط رموز عهد الظلم والاستعباد بقرار صناديق الانتخابات، التي أصبح لـ20 مليون أسود الحق في التصويت، ويتحول لأيقونة للحرية حين يُغتال دفاعا عن مبادئه وعمره 39 عاما، وهو يردد "أن تكون ضحية قضيتك أكرم من أن تكون الجاني"، فكان شرفا لجائزة نوبل للسلام، أن تُمنح له وعمره 35 عاما، ليصير أصغر من حصل عليها، معلنا أنه قبِلها احتراما لمن فقدوا أرواحهم في سبيل نيل حريتهم.
رغم سنوات عمره الغضة القليلة والمثمرة في آنٍ، يحصل على حقوق السود المضطهدين ويساويهم برجل أمريكا الأبيض، بل تحتفل البلاد بذكرى ثورته لتغدوا يوما وطنيا مهيبا، ويقف كتفه بكتف الرئيس الأمريكي جونسون، وتتساقط رموز عهد الظلم والاستعباد بقرار صناديق الانتخابات، التي أصبح لـ20 مليون أسود الحق في التصويت، ويتحول لأيقونة للحرية حين يُغتال دفاعا عن مبادئه وعمره 39 عاما، وهو يردد "أن تكون ضحية قضيتك أكرم من أن تكون الجاني"، فكان شرفا لجائزة نوبل للسلام، أن تُمنح له وعمره 35 عاما، ليصير أصغر من حصل عليها، معلنا أنه قبِلها احتراما لمن فقدوا أرواحهم في سبيل نيل حريتهم.
ويتجلل المشهد بحفيد آخر، يتولى سدة حكم أقوى دولة في العالم، فيتباهى أوباما بجذوره الأفريقية، بعد أن كانت سبة وتهمة ومهانة.
تستوقفني في حياة مارتن لوثر محطات مؤثرة، ففي صغره حين نبذه بِيض الأطفال لسمرته؛ أدركته أمه لتلقنه الدرس الأول، ألا يقلل من قيمة نفسه، وأنه وحده القادر على الحكم على ذاته وقدراته، وألا ينتظر رأي الآخرين فيه، فواصل دراسته حتى حصل على الدكتوراه في الفلسفة وبكالوريوس في علم اللاهوت، وولى وجهه شطر الكتب فكان قارئا نهما لمسيرة نهرو وغاندي، وأعجب بأيديولوجية السلام التي انتهجها، فتفتح وعيه مبكرا على سياسة التمييز العنصري التي يتبعها الرجل الأبيض؛ لدرجة منعه من حق التصويت في صناديق الاقتراع، فيعلن صراحة "طالما لا أستطيع التصويت، فهذا يعني أني لا أستطيع التخطيط لحياتي، وأن هناك أناس يودون أن يرونني دائما أعاني.. فالمساواة أساس الاستقرار الداخلي"، فكان الدرس الثاني في معنى استقرار الأمم.
يشتد وعي الشاب بقضيته بوعي امرأة سوداء ترفض أن تخلي مقعدها في الحافلة لرجل أبيض، فيزج بها في المحبس، ليلقف مارتن الخيط ويدعو لمقاطعة ركوب الحافلات مدة عام، فيُلقى القبض عليه، وتنهار إيرادات الشركة، لتقضي المحكمة (قضاتها من البيض) بعدم قانونية العنصرية، فكان الدرس الثالث في استقلالية القضاء، ينهي أتباع مارتن المقاطعة ويخرج هو من سجنه، ليعود إليه ثانية بعد أن رفع شعاره "اعطونا حق الانتخاب"، فيُنسف بيته بفعل بعض المتطرفين البيض.
يلتقي ويتواصل مع مالكوم إكس، زعيم المسلمين الأفارقة، ليكرسا جهدهما ومعتقداتهما الدينية معا (المسيحية والإسلامية)؛ لمواجهة عدوهما المشترك، فكان الدرس الرابع في أن التناحر الطائفي أفضل المعاول لهدم الأوطان، ليُلقى القبض عليه مرة أخرى بعد أشهر خطبة له بعنوان "لديَّ حلم" عام 1963، لتصبح هي سنة الثورة الحقيقية، ضمت 250 ألف ثائر، منهم 60 ألفا من البيض المتعاطفين، فكان الدرس الخامس في عدم التقوقع حول الذات بل توسعة دائرة البحث عن المتعاطفين؛ لتتسع رقعة التواصل والتفاعل؛ لكسب منبر جديد للقضية.
رغم سجنه عدة مرات وتدمير منزله، كان إصراره العجيب على المواجهة السلمية وعدم اللجوء للعنف، معلنا أن السلمية منتهى القوة، رغم مجابهة الشرطة وقتذاك لمسيراتهم وتظاهراتهم الصامتة بالرصاص الحي، وكان يردد دائما كرهه للظلم، وأن الحب يمنح قوة داخلية، وأن اللاعنف وسلاح المقاطعة والإيمان بالقضية هي الخطوة الأولى؛ لأنه وكما قال: "الكراهية تشل الحياة وتربكها والحب يطلقها وينسقها"، "فليملؤنا الحب"، "علينا أن نتعلم العيش معا كإخوة، أو الفناء معا كأغبياء"، فكانت دروسا في التمسك بالحقوق، وأن اليأس مرفوض، وكيف أن تقدم الدول مرهون بنيل الأفراد لحقوقهم، وأن السلمية سلاح مضاء، والعنف يضيع المبادئ الشريفة في بعض الأحيان، فلدينا حلم كمارتن لوثر في أن نبني الوطن لا أن نهدمه.
تستوقفني في حياة مارتن لوثر محطات مؤثرة، ففي صغره حين نبذه بِيض الأطفال لسمرته؛ أدركته أمه لتلقنه الدرس الأول، ألا يقلل من قيمة نفسه، وأنه وحده القادر على الحكم على ذاته وقدراته، وألا ينتظر رأي الآخرين فيه، فواصل دراسته حتى حصل على الدكتوراه في الفلسفة وبكالوريوس في علم اللاهوت، وولى وجهه شطر الكتب فكان قارئا نهما لمسيرة نهرو وغاندي، وأعجب بأيديولوجية السلام التي انتهجها، فتفتح وعيه مبكرا على سياسة التمييز العنصري التي يتبعها الرجل الأبيض؛ لدرجة منعه من حق التصويت في صناديق الاقتراع، فيعلن صراحة "طالما لا أستطيع التصويت، فهذا يعني أني لا أستطيع التخطيط لحياتي، وأن هناك أناس يودون أن يرونني دائما أعاني.. فالمساواة أساس الاستقرار الداخلي"، فكان الدرس الثاني في معنى استقرار الأمم.
يشتد وعي الشاب بقضيته بوعي امرأة سوداء ترفض أن تخلي مقعدها في الحافلة لرجل أبيض، فيزج بها في المحبس، ليلقف مارتن الخيط ويدعو لمقاطعة ركوب الحافلات مدة عام، فيُلقى القبض عليه، وتنهار إيرادات الشركة، لتقضي المحكمة (قضاتها من البيض) بعدم قانونية العنصرية، فكان الدرس الثالث في استقلالية القضاء، ينهي أتباع مارتن المقاطعة ويخرج هو من سجنه، ليعود إليه ثانية بعد أن رفع شعاره "اعطونا حق الانتخاب"، فيُنسف بيته بفعل بعض المتطرفين البيض.
يلتقي ويتواصل مع مالكوم إكس، زعيم المسلمين الأفارقة، ليكرسا جهدهما ومعتقداتهما الدينية معا (المسيحية والإسلامية)؛ لمواجهة عدوهما المشترك، فكان الدرس الرابع في أن التناحر الطائفي أفضل المعاول لهدم الأوطان، ليُلقى القبض عليه مرة أخرى بعد أشهر خطبة له بعنوان "لديَّ حلم" عام 1963، لتصبح هي سنة الثورة الحقيقية، ضمت 250 ألف ثائر، منهم 60 ألفا من البيض المتعاطفين، فكان الدرس الخامس في عدم التقوقع حول الذات بل توسعة دائرة البحث عن المتعاطفين؛ لتتسع رقعة التواصل والتفاعل؛ لكسب منبر جديد للقضية.
رغم سجنه عدة مرات وتدمير منزله، كان إصراره العجيب على المواجهة السلمية وعدم اللجوء للعنف، معلنا أن السلمية منتهى القوة، رغم مجابهة الشرطة وقتذاك لمسيراتهم وتظاهراتهم الصامتة بالرصاص الحي، وكان يردد دائما كرهه للظلم، وأن الحب يمنح قوة داخلية، وأن اللاعنف وسلاح المقاطعة والإيمان بالقضية هي الخطوة الأولى؛ لأنه وكما قال: "الكراهية تشل الحياة وتربكها والحب يطلقها وينسقها"، "فليملؤنا الحب"، "علينا أن نتعلم العيش معا كإخوة، أو الفناء معا كأغبياء"، فكانت دروسا في التمسك بالحقوق، وأن اليأس مرفوض، وكيف أن تقدم الدول مرهون بنيل الأفراد لحقوقهم، وأن السلمية سلاح مضاء، والعنف يضيع المبادئ الشريفة في بعض الأحيان، فلدينا حلم كمارتن لوثر في أن نبني الوطن لا أن نهدمه.
