رئيس التحرير
عصام كامل

يوميات ياسين في المحجر

فيتو

أطفال في عمر الزهور تحاصرهم الجبال من كل جانب.. لقمة العيش هدف موحد يتحدون الصعاب لأجله.. وتحت ظروف بيئية صعبة تجدهم وسط الصحراء يعملون تحت درجات حرارة مرتفعة نهارًا، فالجبل مكشوف ليس هناك أي مكان يحميهم، ووسط كل تلك المتاعب تجد غياب وسائل الأمن الصناعي فالآلات بدائية ومتهالكة، التروس وأسلاك كهرباء مكشوفة ومتآكلة تمتد لمسافات طويلة، وقد يصعق أحد العاملين جراء لمسه «سلكا كهربائيا عاريا».


«فيتو» التقت الطفل ياسين محمد، أحد الأطفال العاملين في المحاجر، ليحكي عن معاناته والظروف الصعبة التي اضطرته للعمل.
بدأ ياسين سرد قصته وظروفه الأسرية، قائلا: «اسمى ياسين محمد المكشوف، عمرى 12 سنوات، ولدى من الأخوات 6 فتيات، توفي والدى منذ عام 2010، وكنت وقتها أبلغ من العمر 7 سنوات آنذاك، اضطرت والدتي إلى العمل بائعة للخضار في أسواق مدينة سمالوط، ظلت تعمل طوال 3 سنوات، بعدها أصيبت بجلطة، أرغمتها على ترك العمل، ووجدت نفسى مضطرا أن أبحث عن عمل، ونظرا إلى أن العمل المتاح في مركز سمالوط والذي يتطلب المزيد من العمالة هو «محاجر سمالوط للرخام والجيرية» التحقت بالعمل بها.

وحول إذا ما كان ملتحقا بإحدى المدارس قبل العمل في المحاجر قال: «كنت في الصف الرابع الابتدائي واضطررت إلى ترك الدراسة أمام ظروف أسرتى التي تحتاج إلى مأكل ومشرب، لأنه من غير المعقول أن تخرج إحدى أخواتي البنات للعمل، خاصة أنهن لا يحملن أي مؤهل دراسي يساعدهن في العثور على وظيفة محترمة».

ويضيف: «التحقت بالعمل في المحاجر منذ عامين بعد إصابة والدتي بالجلطة التي أقعدتها عن العمل، فأشار عليَّ أحد أصدقائي وزميل لي في الفصل، الذي سبق له العمل في محاجر سمالوط في فترة الإجازة المدرسية، قائلا: ما تيجى تشتغل معايا في الإجازة في محاجر الرخام، دى فلوسها حلوة بدل ما تقعد في البيت، وأمام ظروفى ذهبت مع صديقى وعرضني على أحد المقاولين هناك الذي وافق على العمل معه، بشرط أن أقيم معهم شهرا كاملا في الجبل دون النزول إلى المنزل في مدينة سمالوط، يعنى كل شهر انزل، وكل أسبوع واحد ينزل يبعت الفلوس إلى منازل أصحابه».

ويحكي ياسين عن طبيعة عمله قائلا: «يبدأ العمل منذ الساعة السادسة صباحا.. حيث نتجمع أمام محطة السكة الحديد بسمالوط فتأتى لنا سيارة تحملنا جميعا إلى مواقع العمل في الجبل، نصل هناك في تمام الساعة السابعة والنصف صباحا، والأعمال في المحاجر هي بطبيعة الحال أعمال شاقة جدا وخطرة، فنعمل في صحراء واسعة، ترهبنا شمس الصيف، وقسوة البرودة في الشتاء، ونصعد الجبال ونضع «فتيل الديناميت» في المنطقة المراد تفجيرها ونختبئ بعيدا، حتى لا تصيب أحدنا بأي ضرر قد يصل إلى الموت أحيانا، فمنا من يحمل بقايا التفجيرات على السيارات، وآخرون يعملون على تكسير الحجارة، والأتربة تحيطنا من كل جانب مما يسبب لنا العديد من الأمراض القاتلة، ولكن المثل الشعبى المتعارف عليه في الجبل: «إيه اللى رماك في الجبل قال العيشة صعبة».

وعن راتبه قال: «أتقاضى في الأسبوع 400 جنيه، تلك المبالغ التي أتقاضاها جراء عملى وسط الصخور، أقوم بالإنفاق على شقيقاتى الــ6، بجانب شراء الأدوية اللازمة لعلاج والدتي المريضة، والذي يتكلف شهريا 500 جنيه» إحنا دخلنا مش بيكفينا، إحنا 8 أفراد في البيت، وأنا الراجل الوحيد، وأنا بس اللى بشتغل، وغير كده أنا عندى إخوات بنات على وش جواز، لو منه شغل تاني بعد الجبل كنت اشتغلت، وأحاول جاهدا أن أوفر من مرتبى 300 جنيه كل شهر لكى أستطيع تجهيز شقيقتي الكبرى شيماء البالغة من العمر 20 عاما علشان فرحها في شهر أغسطس القادم».

وعن ساعات العمل التي يقضيها في المحجر قال: «أنا بشتغل من الساعة 7 صباحا حتى غروب الشمس، بس بنريح ساعتين في النص يعنى من 8 صباحا حتى 2 ظهرا ومن 4 عصرا حتى 7 مساء، يعنى إجمالي الساعات 10 ساعات، بس والله خلال الــ10 ساعات دى الواحد بيبقى خايف، إحنا بنشوف الموت بعنينا والله، اللى صباعه يطير، واللى رجله تروح في تفجير الديناميت، هي شغلانة صعبة بس فلوسها كتيرة شوية، علشان خاطر أعرف أصرف على أمى وشقيقاتى الـ6، حاولت مرات عديدة أن أعمل (ميكانيكي) أو (نجار) شغل زى كده، بس المرتب الشهري مش بيكفى أي حاجة».

وعن الرسالة التي يرغب في توجيهها للرئيس السيسي قال: «أقول للريس: إنه يبص على الناس الغلابة اللي زينا، أنا واللى زيي سبنا التعليم، واضطرتنا الظروف إلى العمل في سن صغيرة، أبويا مات وأنا صغير يا ريس وشلت الحمل بدرى وأنا صغير، عاوزين بس أي حد من الدولة يهتم بالأسر اللى بيموت رجل البيت فيها أو اللي بيصرف عليهم، وحياة عيالك يا ريس خلي بالك من الغلبان، أنا عارف إنك بتحاول تهتم بيهم بس زود اهتمام أكتر وأكتر.. ربنا يخليك لينا يا ريس وهدعيلك، ربنا يقويك على الناس اللى بتموت شعب مصر، كل سنة وإنت طيب يا ريس».
الجريدة الرسمية