أول الشاهدين على جرائم إسرائيل.. «غسان كنفاني» ملهم الثورة الفلسطينية.. من عكا كانت بدايته ثم لاجئًا في صيدا.. كان نافذة لشعراء المقاومة.. وقضي نحبه بعبوة ناسفة
«ومات وهو يشد على الزهر الذي دفن معه، أرأيت كيف يموت الأبطال دون أن يسمع أحد عنهم؟ أرأيت؟» كان غسان كنفاني وهو يكتب تلك الكلمات لم يدرك كيف سيتحول بعد ذلك إلى ملهم للثورة الفلسطينية، وأبرز رموز الأدب الفلسطيني رغم عمره القليل 36 عامًا فقط، كانت كفيلة بأن تجعل الموساد الإسرائيلي يغتال شابًا أصبح يهدد بقاءه.
«كنفاني» الذي قضى نحبه في مثل هذا اليوم 8 يوليو من عام 1972، من خلال استهدافه بعبوة ناسفة أسفل بيته، مما أدى إلى استشهاده مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم، ليظن الموساد أنه ارتاح منه لكنه تحول إلى رمز لكل جيله ليكون تجسيدًا لمقولته «هناك رجال لا يمكن قتلهم من الداخل».
المولد
من عكا كانت بداية كنفاني، المولود يوم 8 أبريل عام 1936، لعائلة غير قليلة، وكان أبوه يريد له أن يصبح تاجرًا أو أي مهنة عادية، لكن الطفل الصغير تمرد على هذا كله، وأصر على أن يكمل دراسته حتى التحق بكلية الحقوق بجامعة القدس، وكان يتكفل بنفسه من خلال نسخ المحاضرات لزملائه تارة، وبيع الزيت تارة أخرى.
كان أول الشاهدين على جرائم إسرائيل في فلسطين عام 1948، أثناء الهجوم على عكا، كان «كنفاني» أحد الشباب المدافعين عنها، قبل أن تخضع القرية إلى الكيان الصهيوني، وتضطر عائلته إلى الذهاب إلى صيدا، وهنا يجسد غسان الموقف بكلمته الشهيرة «وحينما وصلنا إلى صيدا أصبحنا لاجئين».
الصحافة
مرت الأعوام، وبدأ غسان في العمل الصحفي، عمل في برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة، وبدأت مواهبه الشعرية والروائية تظهر بعد أن درس الأدب العربي بجامعة دمشق، قبل أن ينتقل إلى الكويت عام 1955، ويعمل مدرسًا في المعارف الكويتية وهناك كثرت موهبته الفكرية، وبدأ في التحرير بإحدى صحف الكويت معنونًا جميع المقالات باسم أبوالعز.
الناقد الأدبي
كان إسهام غسان في الأدب واضحًا في تلك الفترة، بجانب مساعدته الكثير من الشباب، فكان نافذة لظهور شعراء المقاومة، وكان أول من كتب عنهم وأعطاهم مساحات كبيرة، بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة «المحرر» اليومية في بيروت 1961، وعنون أبوابًا تحت اسم شعراء الأرض المحتلة، واحتضنهم جميعًا مما جعله عدوًا واضحًا للكيان الإسرائيلي.
لم تكتف جهود كنفاني بالمسرحيات والصحافة فقط، فكانت له دراسة في الأدب الصهيوني نشرتها مؤسسات أدبية كثيرة، وكان بروز نجمه أكثر بعد نكسة يونيو 1967.
المناضل
لا فاصل بين الأدب وبين الوطن، فالإنسان عند غسان في حد ذاته قضية، لذلك تناول إنتاجه الأدبي حياة المواطنين الفلسطينيين وكانت روايته «عائد إلى حيفا»، أبرز ما جسد معاناة الفلسطيني، بجانب «رجال في الشمس» التي كشف فيها النضال وطرقه وأساليبه وكانت قصصه كلها مستوحاة من أشخاص حقيقيين.
«الوطن يا صفية ألا يحدث هذا كله»، كلمات جسد بها كنفاني مشروعه النضالي الذي بدأ معه منذ الصغر، منذ أن حمل بندقيته لمحاربة العصابات الصهيونية لالتحاقه بحركة «القوميين العرب»، وكونه عضوًا في جبهة التحرير الشعبية حتى تم اغتياله.
أول زواج لغسان كنفاني كان بامراة دنماركية تسمى زرقا فايز، في 1962 بعد أن رآها مهتمة بالشأن الفلسطيني وبقصص الأطفال الفلسطينية، بجانب كونه أحد المبدعين في أدب الأطفال قائلا «الأطفال هم مستقبلنا».
غسان وغادة السمان
رغم زواج غسان من امراة دنماركية، وبعدها بامرأة أخرى تسمى ليلى ظلت غادة السمان، هي حبه الأول والأخير، بعد أن التقاها في دمشق لأول مرة وهو الشاب المسيحي المتزوج من دنماركية، الذي أحب الفتاة المسلمة، وكانت أول كلماته لها «مالك كطفلة ريفية تدخل المدينة لأول مرة».
قيود كثيرة حالت دون زواجهما، أهما الدين والتقاليد الاجتماعية، وظل الأمر محل الكتمان حتى أصدرت غادة السمان في 1992 رسائل غسان كنفاني لها تحت عنوان «رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان»، وكان من ضمن الرسائل:
«غادة، عندما أمسكت الورقة لأكتب، كنت أعرف أن شيئًا واحدًا فقط أستطيع أن أقوله، وأنا أثق من صدقه وعمقه وكثافته، وربما ملاصقته التي يخيل إليّ الآن أنها كانت شيئًا محتومًا وستظل كالأقدار التي صنعتنا: إني أحبك». غسان.
«إني أحبك إلى حد أستطيع أن أغيب فيه بالصورة التي تشائين، إذا كنت تعتقدين أن هذا الغياب سيجعلك أكثر سعادة، وبأنه سيغير شيئًا من حقيقة الأشياء». غسان
«كنت ممتلئة بك، راضية مكتفية بك، ولكن زماننا كان مثقوبًا، يهرب منه رمل الفرح بسرعة». غادة.
«ولم أقع في الحب، لقد مشيت إليه بخطى ثابتة، مفتوحة العينين حتى أقصى مداهما، إني واقفة في الحب، لا واقعة في الحب، أريدك بكامل وعيي». غادة.
