رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو والصور.. «قبـر» نبي الله صالح يثير جدلًا بين الفقهاء.. ضريحان لـ«صاحب الناقة» في حضر موت باليمن و«النجف» العراقية.. ابن جرير: علماء يرجحون وفاة «صالح»

فيتو
18 حجم الخط

وردت قصة نبي الله «صالح»- عليه السلام- مع قومه في أكثر من عشر سور من القرآن الكريم، إلا أنه لا أحد يعلم على وجه الدقة والتحديد المدة التي عاشها في قومه «ثمود»، ولا المكان الذي دفن فيه.


ويقال إن «صالح»- عليه السلام- انتقل إلى الشام فنزل فلسطين ثم انتقل إلى مكة فأقام بها يعبد الله حتى مات.

وادي عُسفان
وورد في مسند أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مرَّ النبي بوادي عُسفان حين حج قال: "يا أبا بكر أي واد هذا"، قال: وادي عسفان، قال: "لقد مر به هود وصالح- عليهما السلام- على بكرات خطمها الليف أزرهم العباء، وأرديتهم النّمار، يلبون يحجون البيت العتيق".

وقال ابن جرير: ومن أهل العلم من يزعم أن صالحًا توفي بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وأنه أقام في قومه عشرين سنة، ولكن هناك من يُزعم أن قبره في حضرموت باليمن، أو النجف بالعراق.

نسبه
إنه صالح بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن سام بن نوح، وقيل غير ذلك، وقد أرسل الله تعالى نبيَّه صالحًا إلى ثمود وهم قبيلة مشهورة سميت باسم جدهم ثمود أخي جديس، وهما ابنا عاثر بن إرم بن سام بن نوح وهم من العرب الذين كانوا يسكنون الحِجر الذي هو بين الحجاز والأردن وما زالت آثارهم باقية هناك تعرف باسم "مدائن صالح".

وقصة صالح مع قومه وردت في سور متعددة: فجاءت مفصلة في سور: الأعراف، وهود، والحِجر، والشعراء، وفصلت. وجاءت أقل تفصيلًا في سور: الإسراء، والنمل، والذاريات، والحاقة، والفجر، والشمس، وأشير إليها في سور: التوبة، وإبراهيم، والحج، والفرقان، والعنكبوت، وص، وغافر، وق، والنجم، والبروج.

ثمود
أسكن الله تعالى قبيلة ثمود أرضًا بين الحجاز وتبوك وكانوا يعبدون الأصنام من دون الله.

بعث الله تبارك وتعالى نبيه صالحًا وكان من أشرفهم نسبًا وأصفاهم عقلًا وأوسعهم حلمًا، فدعاهم إلى عبادة الله وحده، وبيّن لهم أن الأوثان والأصنام لا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا ولا تُغني عنهم من الله تعالى شيئًا وأمرهم عليه السلام ألا يتبعوا الضالين الذين يُزينون لهم الضلال والفساد ولا يريدون الإصلاح.

فكان جواب قومه: أتنهانا عن عبادة ما كان عليه آباؤنا؟ وقد نشأنا عليها وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب، ولا نطمئن إلى قولك ولا نثق بصدق دعوتك ولن نترك ما وجدنا عليه آباءنا، وعندما سمع سيدنا صالح عليه السلام ما أجابه به قومه من تكبر عن اتباع الحق ومن إصرار على كفرهم قال لهم ما أخبرنا الله تعالى: «قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ» سورة هود.

يا قوم قد بلغتكم ما أمرني به ربي أن أبلغكم فماذا يُخلصكم من عذابه وأنتم تطلبون مني أن أترك دعوتكم إلى عبادته، ودعوتكم إلى الإيمان والإسلام واجب على لو تركته لما قدر أحد منكم ولا من غيركم أن يجيرني من عذاب الله بسبب معصيته على ترك التبليغ. وأخبرهم عليه السلام أنه سيبقى على دعوته لهم إلى الإيمان والإسلام وعبادة الله وحده وترك عبادة الاصنام حتى يحكم الله تعالى بينه وبينهم، لكنهم قابلوه بالإيذاء.

فكان رد قومه أنك مسحور لا تدري ما تقول في دعائك إيانا.. قال الله تعالى: «كذَّبت ثمودُ بالنُّذُرِ* فقالوا أبَشرًا مِنَّا واحدًا نتَّبعُهُ إنَّا إذًا لفي ضلالٍ وسُعُرٍ* أءُلقيَ الذِّكرُ عليهِ من بيننا بلْ هُوَ كَذَّابٌ أشِرٌ* سيعلمونَ غدًا مَنِ الكَذَّابُ الأشِرُ» سورة القمر.

المعجزة
استمر سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه إلى الإيمان، واستمر قومه على عنادهم وتكبرهم من اتباع الحق، ولما وجدوا منه استمساكًا برأيه وإصرارًا على دعوته خاف المستكبرون من قومه أن يكثر أتباعه وأن ينصرفوا عنهم، فأرادوا أن يظهروا للناس أنه عاجز غير صادق في دعواه، فطلبوا منه معجزة تكون دليلًا على صدقه وقالوا له: أخرج لنا من هذه الصخرة– وأشاروا إلى صخرة كانت هناك- ناقة ومعها ولدها وصفتها كيت وكيت وذكروا له أوصافًا، وقالوا له: إن أخرجت لنا من هذه الصخرة ناقة ومعها ابنها آمنا بك وصدقناك.

فأخذ سيدنا صالح عليه السلام عليهم عهودهم ومواثيقهم على ذلك، وقام وصلَّى لله تبارك وتعالى ثم دعا ربه عز وجل أن يعينه ويجيبه إلى ما طلب قومه فاستجاب الله دعوته فأخرج لهم ناقة ومعها ولدها من الصخرة الصمّاء، فلما رأى قومه هذا الأمر الخارق للعادة الذي فيه الدليل القاطع والبرهان الساطع على صدق سيدنا صالح عليه السلام آمن قسم منهم، واستمر أكثرهم على كفرهم وعنادهم وضلالهم، وأمرهم سيدنا صالح أن يتركوا الناقة تأكل في أرض الله.

فاتفق الحال على أن تبقى هذه الناقة بين أظهرهم ترعى حيث شاءت من أرضهم، فتَرِدُ الماء يومًا بعد يوم، ويقال إنها كانت إذا وردت الماء تشرب ماء البئر يومها ذلك فكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم لغدهم، قال الله تعالى: «قالَ هذهِ ناقةٌ لها شِرْبٌ ولكُم شِرْبُ يومٍ معلومٍ» سورة الشعراء.

ولكن تآمر قوم صالح عليه السلام على قتل الناقة فبعد أن مكثت في قبيلة ثمود زمانًا تأكل من الأرض، وتردُ الماء للشرب يومًا وتمتنع منه يومًا، مما استمال كثيرًا من قومه عليه السلام إذ استبانوا بها على صدق رسالة نبيهم صالح عليه السلام وأيقنوا بذلك، مما أفزع المستكبرين من قومه وخافوا على سلطانهم أن يزول لذا اتفقوا على أن يعقروا الناقة ليستريحوا منها.

فانطلق الخبثاء يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها رماها أحدهم بسهم، وجاء آخر فشدّ عليها بسيفه وكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة إلى الأرض ميتةً، بعد أن طعنها في لبَّتها فنحرها، وأما فصيلها فصعد جبلًا منيعًا ثم دخل صخرة وغاب فيها.

بعد أن عقر قوم صالح عليه السلام الناقة التي حذرهم نبيهم من التعرض لها واستمروا على عنادهم وتكبرهم وعبادة الأصنام، قال لهم صالح عليه السلام: لقد حذّرتكم من أن تمسوها بأذى، وها أنتم اقترفتم الإثم فتمتعوا في دراكم ثلاثة أيام، يأتيكم بعدها العذاب ويحلّ عليكم العقاب، ذلك وعدٌ غير مكذوب، ورغم هذا لم يتوبوا ويعودوا إلى الرشد، بل استمروا على باطلهم وظنوا وعيدهُ كذبًا وتحذيره بُهتانًا وقالوا له: تشاءمنا بك وبمن معك.

ثم إنهم اتفقوا على قتله وأهله، وتآمروا على ذلك وتحالفوا فيما بينهم وتبايعوا على هذه المؤامرة وأن يغتالوه ليلًا ثم يجحدوا قتله إن طالبهم أولياؤه بدمه، ولكن الله تبارك وتعالى أنقذ نبيه من كيدهم وتآمرهم.

وبعد إنذار سيدنا صالح عليه الصلاة والسلام لقومه أصبحوا يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام الإمهال والنظرة ووجوههم مُصفرة، فلما أمسَوا نادَوا ألا قد مضى يوم من الأجل. ثم أصبحوا في اليوم الثاني وهو يوم الجمعة ووجوههم محمرة، فلما أمسَوا نادَوا ألا قد مضى يومان من الأجل، ثم أصبحوا في اليوم الثالث وهو يوم السبت ووجوههم مُسودة فلما أمسَوا نادَوا ألا قد مضى الأجل، فلما كان صبيحة يوم الأحد تأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا سيحل بهم من العذاب والنكال والنقمة ولا يدرون كيف يفعل بهم ولا من أي جهة يأتيهم العذاب.

فلما أشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من تحتهم، ففاضت أرواحهم وزهقت نفوسهم، وسكنت الحركات وهدأت الأصوات، وأصبح هؤلاء الكافرون في ديارهم جاثمين جثثًا هامدة لا أرواح فيها، قال الله تعالى: «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ» سورة الأعراف، وقال تعالى: «وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52)» سورة النمل.

روى الإمام أحمد والحاكم بإسناد حسن أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لما مرّ بالحِجر قال: "لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فكانت– أي الناقة- تَرِدُ من هذا الفجّ وتصدر من هذا الفجّ، فعتوا عن أمر ربهم فعقروها، وكانت تشرب ماءهم يومًا ويشربون لبنها يومًا، فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله بها مَنْ تحت أديم السماء منهم إلا رجلًا واحدًا كان في حرم الله"، فقالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: "هو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه"، ورواه أبو داود بنحوه عن ابن عمر.

ثم إن نبي الله صالحًا عليه السلام خاطبهم بعد هلاكهم قائلًا لهم: لقد جهدت في دعوتي إياكم إلى الإيمان وترك عبادة الأصنام بكل ما أمكنني، وحرصت على ذلك بكل ما أستطيع ولكنكم أبيتم نصحي وما دعوتكم إليه لأنكم لا تحبون الناصحين، وهكذا خاطب سيدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم أهل قَليب بدر الكافرين بعد ثلاث ليال، وقف عليهم وقد ركب راحلته وأمر بالرحيل من آخر الليل فقال: "يا أهل القليب هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقًا" رواه البخاري.

ويقال إن صالحًا عليه السلام انتقل إلى الشام فنزل فلسطين ثم انتقل إلى مكة، فأقام بها يعبد الله حتى مات.

وقد جاء في الصحيحين وغيرهما بالإسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أرض ثمود الحجر في غزوة تبوك استقى الناس من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يَهريقوا ما استقوا من بيارها وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة، وثبت أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام لما مرّ بالحِجر قال: "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم ما أصابهم"، ثم تقنَّع بردائه وهو على الرحل"، رواه الشيخان، فإنه صلَّى الله عليه وسلَّم أسرع السير حتى أجاز الوادي. وروي أنه أراهم مُرتقى الفصيل الذي كانت تَرِد منه الناقة والفج الذي كانت تصدر منه.

قال ابن جرير: ومن أهل العلم من يزعم أن صالحًا توفي بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وأنه أقام في قومه عشرين سنة.
الجريدة الرسمية