رئيس التحرير
عصام كامل

وظائف «ولاد الناس» في دستور «مصر الجديدة»


«المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.. التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون.. تلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض».

ما سبق هو نص المادة الثالثة والخمسين من الدستور الذي وافقت عليه الأغلبية في مصر.. لكن «المكتوب» في الدستور «عباس»، والقانون الخاص «المتعارف عليه» في مؤسسات الدولة، و«معمول به» عند أصحاب القرار «عباس تاني خالص»!

وأرجوك تنسى أن «علي» ابن عبد الواحد «الجنايني» تزوج «إنجي» أخت «البرنس علاء» في فيلم «رد قلبي»، بعد أن أصبح ضابطًا «من الأحرار».. فلولا «واسطة الباشا»، ما كان «علي» وإخوانه - من أبناء الفلاحين والفقراء والزبالين - حتى مجرد «خفراء»، في بلاط حضرة «العمدة».

وإياك أن تصدق أننا في بلد الديمقراطية «لا تمييز فيها بين أبناء الشعب لأي سبب»، فـ «التمييز العنصري» لدينا لا حدود له.. في الوظائف.. في الحقوق.. في الواجبات.. تمييز بين الرجال والنساء.. بين الأغنياء والفقراء.. بين المسلمين والمسيحيين.. بين الصعايدة والبحاروة.. بين القاهريين وأبناء الأقاليم.. ولدينا مئات الأمثلة على ذلك.

وإياك أن تصدق أيضًا أن «الثورات» تندلع لإلغاء الفوارق بين الطبقات، وتحقيق المساواة و«العدالة الاجتماعية» بين البشر، في الحقوق، والواجبات، والمناصب.. ولكنها تشتعل لتدشين «طبقات جديدة» لم تكن موجودة من قبل.. فمَنْ يكتب الدستور ويسن القوانين - يا سيدي - هو أول من يخترقه؛ ليحقق مصالحه، ومصالح أبنائه، وأهله، والدائرة المقربة منه!

والذين ثاروا ضد «مبارك» وأطاحوا بنظامه؛ لأنه أراد «توريث الحكم لابنه جمال»، هم أنفسهم - أو إن شئنا الدقة كثير منهم - «يورثون» وظائفهم لأبنائهم.. فأبناء الضباط ضباط، وأبناء القضاة قضاة، وأبناء الطيارين طيارون، وأبناء السفراء سفراء.. إلا ما رحم ربي..

وإذا كنت لا تصدقني، فأخبرني عن ابن «فقير»، أو ابن أحد من أرباب المهن الشريفة «سباك، عامل نظافة، نجار، حداد، فواعلي...» التحق بـ «الشرطة، أو الكلية الجوية، أو أي كلية ومعهد عسكري»، أو تم تعيينه بـالمؤسسة القضائية، أو التحق بالسلك الدبلوماسي، أو الرقابة الإدارية، أو المخابرات، أو شركة بترول، أو وزارة الكهرباء، أو البنوك، أو شركات الاتصالات، أو أصبح طيارًا يتقاضى آلاف الدولارات شهريًا، أو حتى تم تعيينه «مقيم شعائر» بمساجد الأوقاف، دون «واسطة»، أو دفع مبلغ معلوم من المال على سبيل «الرشوة»؟!

إننا - وهذه هي الحقيقة - نعيش منذ عقود وعهود في جمهورية «ولاد الأكابر».. هم يتمتعون بكل «الحقوق»، بينما يفرضون على الفقراء والكادحين الالتزام بكل «الواجبات».. ولا أمل لـ «ابن الزبال» أو غيره، أن يدخل في «زمرة الكبار»، إلا إذا اجتهد، أو سرق «حاجة كبيرة»، أو «نَصَبَ» على خلق الله، وأصبح «مليونيرًا».. ساعتها، سيشتري بـ «أمواله» المناصب لأولاده، وسيهرول إليه أصحاب النفوذ، يخطبون ودَّه، أو يطلبون رضاءه!
الجريدة الرسمية