رئيس التحرير
عصام كامل

دعوة خلع الحجاب إفلاس فكري!


هل النخبة المسيطرة على وسائل الإعلام في مصر والتي تستضيفها القنوات ليل نهار من أجل الإدلاء برأيها في كل كبيرة وصغيرة هي نخبة مفلسة؟ أو على أقل تقدير هي نخبة عفا عليها الزمن وليس لديها إجابات حول واقعنا المعاش؟ بالنسبة لي أعتبر النخبة الحقيقية هي تلك التي لا يريد الإعلام أن يفسح لها المجال لتظهر وتعبر عن نفسها؛ ليكتفي الإعلام المصري الخاص والحكومي بمجموعة محددة من الذين فقدوا كل سبل التواصل مع الشعب المصري، وصاروا بعد ردح من مؤتمرات الفنادق الخمس نجوم، ولقاءات المؤسسات الدولية، والرحلات للدول العربية والأجنبية مجرد صناديق صوتية تردد معزوفات موسيقية قد تكون ذات ألحان وطرب لهم، لكنها بالنسبة للشعب المصري نشاز في نشاز.


بحسابات بسيطة فإن الظرف الراهن هو أكثر الظروف تهيئة لأن تخوض حركات الفكر والتنوير في مصر والعالم العربي معركتها التي هُزمت فيها مرات ومرات ضد التشدد والتطرف، لكن يبدو بمتابعة الطرح المقدم أن هذه الحركات تنسحب إلى ما تحت الصفر، لتترك الباب أمام ترسيخ أفكار التشدد أكثر وأكثر، ولتغلق الباب أمام الفكر الحقيقي الذي يمكن له أن يصارع ويحاور التطرف.

وبدلا من أن تدور النقاشات الحقيقية التي يجب لها أن تُطرح حول واقعنا المعاش، وحول رؤيتنا كمسلمين في ظل مفاهيمنا العقائدية للعالم، ورؤية العالم لنا، ومحاولة الإجابة عن السؤال الجوهري: لماذا تخلفنا نحن في الوقت الذي تقدمت فيه الكثير من دول العالم؟ بما في ذلك دول وثنية والحادية ورجعية ودكتاتورية؟ بينما نعود نحن في كل يوم للخلف؟ في الوقت الذي أؤمن فيه أن إجابة هذا السؤال ليست على القدر اليسير من التبسيط الذي يسارع فيه الكثيرون لحصر المسألة في الدين، ففي اعتقادي أن سبب تخلفنا يرجع لعوامل كثيرة بالتأكيد منها بعض المفاهيم الخاطئة للدين، لكنها ليست السبب الوحيد، هناك أسباب أخرى مهمة جدا، أسباب حاول الكثيرون من مفكرينا طرحها، لكن لم تكن متوفرة لهم سبل البحث ومناهج التحليل الاجتماعي التي تتوفر لنا الآن.

السؤال الجوهري لشريف الشوباشي الذي دعا لمليونية لخلع الحجاب ألم يكن اللوم الموجه لتيارات الإسلام السياسي أنها تركز اهتمامها كثيرا على لبس وزي المرأة؟ أليست هذه الدعوة تعتمد على نفس ما يتم انتقاده في التيار الآخر؟ أليست دعوتك هذه هي تركيز على ما ترتديه المرأة أيضا، دون تركيز على ما في عقلها؟ ويا ترى إذا ما خرجت مليونية أكبر من مليونيتك تطالب بارتداء النقاب، هل ستكون ساعتها موافقا على النقاب؟ وهل صارت القضايا الفكرية، إذا ما اعتبرنا أن ارتداء الحجاب معركة فكرية، تتم معالجتها بالمليونيات؟

إن مجتمعنا الراهن يعيش التناقضات بكل أشكالها، ما بين الحرص الشديد على شكليات ومظاهر، دون الاهتمام بالجوهر، دون الاهتمام بما يستقر في الأذهان والعقول من أفكار من ناحية، ودون القدرة على تقديم طرح حقيقي لفكر يساعد عامة المصريين على الخروج من سوء واقعهم المعاش، إننا نعيش لحظة الهروب من التفكير في احتياجات واقعنا، ونحاول أن نتجاهل ضرورة التغيير في السلوك والقيم والأفكار، آملين أن يكون ما نعيشه زوبعة في فنجان تمضي دون أن نضطر فيها لمواجهة أنفسنا وأفكارنا، لكنني أخشى أننا ليس لدينا رفاهية ذلك.
الجريدة الرسمية