رئيس التحرير
عصام كامل

رداء الدين


في محطة مترو جمال عبد الناصر وفي الطريق المؤدي لاتجاه المرج وجدت بعض الكتابات على الجدران يتوعد فيها أحدهم النساء بالنار لأنهن غير محجبات، وقد كتب كلماته بلهجة ركيكة وأخطاء إملائية فظيعة تشير إلى ضحالة علمه وسطحية ثقافته وقلة علاقته بالعلم الشرعي الديني ....

فسألت نفسي: هل هذا الكاتب فعلا متعاطف مع قضية دينية له فيها رأي ومبدأ أم أنه يعبر عن قضية شخصية وحالة من الهياج الجنسي تنتابه ولا يستطيع معالجتها حيث ضيق ذات اليد وعدم القدرة على الزواج، مما أدى إلى أن تتغير الأولويات الدينية عنده، فيصير الحجاب هو أولى القضايا بالاهتمام؛ لأنها أكثر القضايا التي تمس احتياجاته.

إن مثل هذا الشاب تدور رحى حياته حول محور واحد وهو الحاجة الجنسية، وكان لا بد من إلباسها رداء الدين حتى تكون لها قدسية في نفسه، وتكتسب المثالية اللازمة لجعله لا يشعر بتأنيب الضمير عندما يضطر للنظر إلى النساء أو حتى ممارسة العادة السرية ...

 ومن هذا الموقف قفزت ذاكرتي إلى صباح ذلك اليوم عندما كنت أسير في شارع طويل وأمامي فتاة ترتدي زيا لافتًا ومثيرًا، وبدأت أمارس هواياتي كلما رأيت مثيلاتها، حيث بدأت أنظر في وجوه العابرين بجوارها والجالسين على جانبي الطريق، ولسوء حظها كان في الشارع مقهى وورشة ميكانيكي وموقف لسيارت الأجرة، ومن خلال مراقبتي للناس اكتشفت أن كل الرجال بلا استثناء من الشاب الفتي إلى الرجل الشيخ الهرم، كلهم نظروا نحوها، ولم يكتفوا بالنظر بل "بحلقوا فيها"، بل بدت في بعض العيون نظرة جائعة، حيث فتح بعضهم أفواههم متسعة وهم يحاولون أن يضعوها داخل عيونهم إلى الأبد.

وهنا تذكرت حمامات المساجد، حيث تدخل لقضاء الحاجة فتغلق الباب وتفاجأ بما هو مكتوب على ظهر الباب، وإن كانت هناك جملة متكررة في كل حمامات المساجد ألا وهي "يستمر الغلاء إن لم تتحجب النساء"، والسؤال هنا: هل يعتقد كاتب العبارة أن هناك نساء سيدخلن حمامات المساجد المخصصة للرجال، أم أنه يريد فقط أن يعبر عن أوجاعه الداخلية وحاجته إلى الجنس دون أن يكون غرضه في ذلك الدعوة إلى الله؟

إن الجنس احتياج بشري طبيعي، ولكن لأننا ننظر نحوه نظرة مشينة حقيرة فإننا نسعى دوما لعدم الاعتراف به وبحاجتنا إليه، ولإثبات ذلك نلبس رفضنا هذا لباس الدين، ونترك قضايا الدين الأصيلة لنهتم بكل ما يتعلق بالجنس، وإلا فتابع أي برنامج من برامج الفتاوى، وانظر إلى القضايا المطروحة، وستجد أن أكثرها يدور حول إما الجنس أو المال، ومن هنا نشأت فتاوى فرضية النقاب وحرمة الاختلاط، وحرمة عمل المرأة، ووجوب الختان، وغيرها من الفتاوى الجنسية ...

وهذا الاهتمام السري المختفي ناتج عن محاولاتنا الدائمة لكبت المشاعر وتحريم الحلال بغية سد الذرائع، وخوفا من الوقوع في الحرام، كما يرتبط ذلك بعاداتنا البغيضة في إتمام الزواج، حيث يدفعنا الاهتمام بالمظاهر إلى المغالاة في متطلبات الزواج، أذكر ما قيل لي عند زواجي: الناس لما ييجوا لزيارتكم وتهنئتكم بالزواج لا بد أن يروا أثاث البيت، ولا ينفع أن يشاهدوا كذا وكذا ناقصين، وكأنني أتزوج من أجل الناس "والفشخرة" عليهم. وها هو إلى الآن لا أعرف أهمية "النيش" اللي اتدفع فيه آلاف، ومن هنا صرنا مجتمعا منافقا يدعي الإيمان والمثالية، وهو يغلي من شدة الحاجة إلى الجنس . 

الجريدة الرسمية