رئيس التحرير
عصام كامل

من أجل الرخاء والرقي و«الرزّ بلبن»!


حمادة الحلو زيادة وقد «تشعلق» حاجباه قريبًا من سقف جبهته علامة على الاندهاش الكامل: أما حتة فكرة يا واد يا هادى !! جاتلك إزاى دى ؟! وانت حتة لبّيس فنانين على باب الله وما كملتش علامك، وبالنسبة لكتير من أصحابك المثقفين اللى انت مصرّ دايمًا تصاحبهم ما أعرفش ليه، وهمّ –سبحان الله- ما بيرضوش يكسفوك ومصاحبينك برضه.. رغم أن صباحك أبيض من اللبن الحليب ؟!!


هادى أبوشادى وكأنه لم يسمع الجملة الأخيرة من كلام حمادة الحلو زيادة، الحمد لله يا عم حمادة.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. – ثم وهو «مخمس» في وجهه وقارئ بصوت خفيض – و«من شر حاسد إذا حسد»، -ثم أكمل حديثه قائلا- والله الفكرة دى جتلى يا أخ حمادة من اللى الواحد بيشوفه كل يوم، والإرهاب اللى البلد اتبلت بيه، والشباب اللى زى الورد اللى بيضيعوا مننا كل يوم، شوف كمية الدم المهدرة على الأرض ولازم تتعوض خلال دقائق سريعة وإلا كل سنة وانت طيب، وبعدين أنا من وجهة نظرى الدم كله حرام.. ولازم البنى آدمين يتفاهموا مع بعض بوسائل أكثر تحضرًا ويسيبوهم من موضوع القتل والحرق والتفجيرات والكلام الفارغ ده، وبعدين الدم كله أحمر يا عم حمادة مافيش دم أزرق أو أخضر أو بمبى مسخسخ، كمان ما فيش دم مسيحى أو مسلم أو يهودي، ولا دم فقير أو غني، ولا دم عربى أو هندى أو غربي، كله دم وكله مصدر للحياة وضرورى لبقائها...

حمادة الحلو زيادة وقد صفق لهادى أبو شادى مرتابا في أمره: اللهم صل ع النبي... خطيب مفوه يا عم هادى ؟! زعيم سياسي يا إخواتى !!! الله عليك يا حبيب والديك... إيه البلاغة دى كلها !!
هادى أبو شادى وقد تغيرت سحنته: والنبى ما تتريق على إنت كمان يا عم حمادة... أنا اتهريت تريقة في فرع الأمن القومى واتظبطت هناك بما فيه الكفاية..
حمادة الحلو زيادة مطلقًا صفيرًا خاصًا من فمه: أوبا... هم الجماعة وصلوا لك ؟!! أنا قلت حاجة جامدة زى الفكرة بتاعة الجمعية بتاعتك دى لا يمكن تعدى من تحت دقنهم بالساهل وإلا دول يكونوا بيلعبوا وبيهرجوا بصراحة..
هادى أبو شادى وقد نظر إليه من فوق لتحت: وأهوم طلعوا مابيلعبوش.. ولا بيهرجوا يا عم حمادة، وجوم خدونى من الدار للنار وهاتك يا أسئلة إنت مين اللى قالك على فكرة جمعية «نقطة الدم تساوى حياة» دى ؟!! ومن شركاؤك فيها ؟ وإيه توجهاتك السياسية ؟ واشمعنى دلوقت طلعت بالفكرة دى ؟!! وإيه الفايدة اللى هاتعود عليك منها ؟! وايش دخلك انت يا صعلوك ما بين الملوك ؟! وإزاى حتة لبيس فنانين مش لاقى ياكل زى حالاتك تجيله الفكرة الجميلة دى ؟ وإيه علاقتها بالملابس أصلا ؟!!
حمادة الحلو زيادة لاطمًا على خديه: يا خبر أزرق.. وقولت لهم إيه ؟؟ وعملوا معاك إيه يا عم هادى ؟!!
هادى أبو شادى ماسحًا قفاه برفق وناظرًا حوله وخلف ظهره بسرعة: قلت لهم.. آه.. طبعًا قلت لهم.. هو أنا هاسكت لهم يعنى ؟!! قلت لهم إن الملابس الحلوة هي اللى بتروق الدم أصلا، وإن الفكر الحلو مش حكر على حد.. دا ربنا سبحانه وتعالى بيقول «يرزق من يشاء بغير حساب»، والأفكار دى رزق برضه من عند ربنا يعنى ما حدش يقدر يمنعها، وأنا فكرت من خلال احتكاكى بالفنانين عن طريق عملى إنى أستغلهم في عمل الخير والدعوة للتبرع بالدم لإنقاذ حياة المحتاجين وكلهم والشهادة لله طلعوا ناس طيبين وما قصروش أبدا وسجلوا لى من دقيقتين.. لخمسة.. بيدعوا جميع المواطنين للتبرع بالدم لإنقاذ حياة المرضى المحتاجين حاجة عظيمة جدا.. هو صحيح ما حدش منهم اتبرع بنقطة دم واحدة للجمعية !! بس أهو كتر خيرهم برضه عملوا اللى يقدروا عليه، وعنها.. وقعدوا الجماعة يجيبونى يمين يجيبونى شمال وملفى اللى انا مقدمه عشان أرخص الجمعية في وزارة التضامن قدامهم وكل شروطه متنفذة، ولما ما لقيوش معايا حق ولا باطل واتصلوا بكل الفنانين اللى يعرفونى واتأكدوا إن انا مواطن صالح، وعايز الخير للبلد، ومش طالب أي حاجة لنفسي، ومش مستنى منفعة بتاتا البتة، قالوا لك كويس إن لسه في ناس مغفلين في البلد لحد دلوقت، وراحوا موافقين ع الجمعية، بس قالوا لى خلى بالك إحنا عينينا عليك برضه.. عقلك يزقزق كده أو كده هتلاقى نفسك مشرف عندنا...
حمادة الحلو زيادة: لا.. لا..لا.. دا انت طلعت حكاية يا عم هادي.. صحيح يا ما تحت السواهى دواهى !!
هادى أبو شادى ممصمصا شفتيه: يا عم سواهى إيه.. ودواهى مين.. اصبر بس.. التقيل جاى ورا..
حمادة الحلو زيادة متعجبا: تقيل..هو لسه.. في تقيل.. قول.. يا ستموني.. قول... بحبك يا ستمونى مهما الناس لاموني..ههههههههه.
هادى أبو شادى مسترسلا: أنا خدت الترخيص من هنا وفرحة الدنيا كانت مش سايعانى إنى أخيرا هاعمل حاجة مفيدة للبلد، راحت مزقزقة في نافوخى فكرة تانية، وقلت أما اخاطب وزارة الخارجية وأقول لهم إنى عايز أبعت لكل السفارات الأجنبية اللى موجودة في البلد تحت إشرافهم عشان كل سفارة تتبرع ولو بخمسة أكياس دم تضامنا مع بلدنا لإنقاذ كل مريض محتاج لقطرة دم، وبعد ما نشف ريقى معاهم جات الموافقة دون أي مسئولية ع الوزارة، قلت أنا برضه هاعرف أخاطب السفارات وأنا راجل معايا دبلوم ؟! رحت جايب واحد صاحبى من المثقفين الجامدين اللى بالك فيهم، وعنها وراح كاتب لى خطاب ما فهمتش منه ولا كلمة، ولا عرفتش هو عايز يقول لهم إيه فيه بالضبط، شوية يقول لهم إنتم حبايبنا ولازم تساعدونا.. وشوية يقول لهم اتبرعوا لنا بالدم عشان وحدة الشعوب، والجمال والحلاوة والرخى والتقدم، رحت أنا ضايف بعد الرقى والتقدم دى و«الرز بلبن» قلت يعنى هم هايفهموا كل الكلام المنيل ده ؟!! ما جاتش بقى على الرز بلبن !!
حمادة الحلو زيادة وقد كاد أن يقع من كثرة الضحك: والرز بلبن ؟!!! يخرب بيت فقرك يا واد يا هادى !!!
هادى مكملا حديثه: الأفقر في الموضوع إن ما فاتش 24 ساعة ولاقيت عندى استجابة فورية من كل السفراء في كل السفارات اللى عندنا مع استفسار بسيط عن موضوع الرز بلبن، رحت أنا باعت لهم إن كل واحد هايتبرع من عندكم بكيس دم بدل ما ياخد باكو بسكويت أوعصير بداله هانديله طبق رز بلبن، وما عندكش فكرة الجماعة كانوا مبسوطين قد إيه دى حتى سفارة هولندا اتبرعت بعشر بقرات هولندى عشان موضوع اللبن وسفارة أمريكا بعتت خمسين طن رز وربنا كرمنا من وسع وبقينا مش عارفين نودى التبرعات فين، وحتى وزارة الصحة لما أرسلنا لها تبعت لنا عربية تستلم أكياس الدم اللى اتبرعت بيها السفارات، ردوا علينا إن ده فيه إهدار صارخ للمال العام، راحت سفارة إيطاليا كتر خيرها باعتة لنا ثلاث عربيات بأحدث معامل تحليل للدم كمان، شوية بقى والفقر الكبير جاى يا معلم.. لقيت لك المحافظ بذات نفسيه من غير إحم أو دستور باعت لي، قلت له يابيه.. قال بيه مين ؟! دا انت اللى بيه.. وتيه.. ومعلم كبير كمان، عرفت تسنجف الدول الجامدة دى وتزبطهم التزبيط العالى ده إزاى يا واد ؟!! احلف له ميت يمين إنى باعمل لصالح البلد وماخدتش حاجة لنفسى يقول لى ما احنا عارفين، ولا هديش يا جدع إلا أما عرف حكاية الرز بلبن، شوية وألاقيلك في الجرايد إن الحكومة بجلالة قدرها خاطبت كل السفارات عشان شوية تبرعات للمواطنين الغلابة ومن أجل الرخاء والرقى برضه.. والمهلبية بالسكر ؟!!!
الجريدة الرسمية