رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية مخلب القرد

18 حجم الخط

عندما يميل الفرد أو المجتمع إلى العيش في ظل الخرافة والقابلية لتصديقها، فإن القدر يعاقبه بالاكتواء بوهم الخرافة ذاتها بوقائع حقيقية وحوادث تبدو خرافية حقا من شدة غرابتها..

من يرضى بالخرافة، فعليه أن يتحمل ضربات القدر التي تعاقبه على إلغاء عقله وتواكله وتكاسله؛ اعتمادًا على كل ما هو مرتبط بالدجل والوهم والنزق النفسي.

وفي قصة (مخلب القرد) التي تحولت إلى مسرحية فيما بعد للكاتب الإنجليزي الشهير وليام جاكوبس، نرى الخرافة مسيطرة على عقلية جنرال سابق محال للمعاش، ولكنه يستطيع إقناع رجل وزوجته بسيطرة مخلب القرد على مجريات الأمور وتسيير القدر في الاتجاه الذي يرغبونه.. فقد أقنعهم بأن مخلب القرد المحنط الذي يحمله معه من إحدى الغابات الهندية التي حارب فيها في شبابه، له تأثير غامض ولكنه حتمي على من يحمله، فمثلا من يحتفظ ويتمنى ثلاث أمنيات في وجود هذا المخلب الأسطوري المسحور في غابات الهند الغامضه، حتما تتحقق أمنياته بدون أدنى شك!!

يستمر تيار الوهم مسيطرا على هذا العسكري العجوز ولكنه ينقله لأسرة صديقه، مقنعا إياهم بارتباط هذا المخلب بالقدر والسماء!، فالمخلب رسول قدري بأن المكتوب على الإنسان حتما سيراه خاصة في ظل وجود هذا المخلب المقدس والسماوي والمسحور في آن واحد!

وفي أثناء استرساله في الحديث عن هذه الخرافة التي بدأ أصدقاؤه في التأثر الفعلي بها، تهب رياح عادية على المكان ولكن الزوجة تعتقد أن هذا هو تأثير مخلب القرد!

يحذر الجنرال المتقاعد الزوج من الاحتفاظ بالمخلب الذي يصر على إنقاذه من النار التي ألقاه بها الجنرال الذي صار مفزوعا منه الآن، وفجأة رغم احتفاظه به لفترات طويلة مسبقا ولكن الزوج المفتون بالخرافة يشتري المخلب منه!

يدفع الإنسان أمواله لكي يقتني الوهم والخرافة والبعد عن الواقع والطمع في تحقيق الأحلام بدون عمل وبأي واسطة حتى لو كانت مجرد مخلب لقرد!

ويبدأ الأب الأبله في تمني مبلغ 200 جنيه ذهبية ثم يتوهم أن المخلب تحرك في يده عندما تمنى هذا المبلغ! بل إن وهم الخرافة يصور له أنه رأى عفريتا في نار المدفأة التي أمامه رغم جلوس زوجته معه وابنهم الوحيد جون!

تمر الأيام سريعا وإذا بالابن الذي يعمل مهندسا مكيانيكيا في إحدى محطات توليد الكهرباء يتغيب عن المنزل ليومين، ثم يحضر أحد زملائه من الشركة ليخبرهم آسفا أن ابنهم الوحيد قد لقي مصرعه تحت عجلات ماكينات المصنع عندما غفل عن عمله وأخذ يسترسل في السخرية من حكايات الأب والمحارب السابق وقردهم العجيب!

تقتل الصدمة الأب والأم ويصرخان من هول الكارثة، ثم إذا بمندوب الشركة يخبرهم بأن الشركة قد بعثت لهم بمبلغ 200 جنيه عوضا عن حياة ابنهم القتيل!

صار إذن الوهم حقيقة! لكنها حقيقة مأساوية شديدة القتامة والبؤس.. لكن عشاق الخرافة لا يجدون ملاذا من الوهم والفاجعة سوى بوهم آخر، فتمسك الأم المكلومة بمخلب القرد وتتمنى وفاتها هي وزوجها رحمة مطلوبة من القدر أو قل من القرد لتريحهما من عذاب فقد الابن!

للأسف نحن نعيش عصر مخلب القرد من زمان بعيد ولا أمل في تخطي هذا الوهم إلا بالعلم والمعرفة والمواطنة الحقة التي تبني الأمم والمجتمعات المتحضرة وليس التغني بالأوهام الماضية والحاضرة أو بالأشخاص الذين نعتبرهم مخلصين جدد من قبل السماء أو القدر أو حتى القرد وإلا صدمنا القدر بأكثر من فاجعة بغبائنا وجهلنا ووهمنا وظلمنا لأنفسنا ولغيرنا.. ثم صرنا أقل من قرد محنط!

fotuheng@gmail.com
الجريدة الرسمية