رئيس التحرير
عصام كامل

المصائب هي الحل


هل وصل بنا الأمر إلى تمنى وقوع كارثة أو مصيبة كبرى لكى تفيق الدولة من غيبوبتها وتتحرك في اتجاه الاستئصال الكامل لأورام كادت تفتك بجسد مصر بعد أن ظلت تتعامل معها بأسلوب المسكنات؟ هل يجب أن تذهب أرواح 30 شهيدا من جنود وضباط قواتنا المسلحة في مذبحة كرم القواديس البشعة قربانا لإنهاء مهزلة الأنفاق على الحدود مع غزة. وهل يجب أن تتفحم جثث 18 طالبا وطالبة في حادث البحيرة لتكون قربانا لإنهاء الفوضى المرورية في مصر؟



بعد كارثة البحيرة انتفض رئيس الوزراء وحكومته وأصدرا قرارا بحظر سير الشاحنات بين السابعة صباحا والحادية عشر مساءً اعتبارا من يوم 15 نوفمبر الجارى، وأتحدى المهندس إبراهيم محلب أن يتم تنفيذه، فعلها قبله الدكتور جلال السعيد محافظ القاهرة اعتقادا منه أننا نعيش في دولة، لم يكن يقتنع أننا صرنا نعيش في غابة أو فوضى، فرغم القرار ظلت الشاحنات والمقطورات تمرح طوال 24 ساعة في شوارع المحافظة متسببة في الاختناقات والحوادث المرورية متحدية كل قرارات حظر سيرها نهارا.

هذا البلد لن تقوم له قائمة ولن ينهض من عثرته طالما ظلت قوانينه لا تساوى ثمن الحبر الذي كتبت به، وطالما تتقاعس الأجهزة المعنية عن تطبيقه وتفعيله وتنفيذه، وأعنى جهاز الشرطة وتحديدا شرطة المرور التي أدى غيابها شبه التام إلى استمرار حالة الفوضى في الشوارع الرئيسية والطرق السريعة، وفتح شهية الفوضويين إلى ارتكاب المخالفات والسير عكس الاتجاه.

وراء كل دماء تسيل على الطرق فتش عن الشاحنات، وأينما كنت في المحافظات أو في القاهرة الكبرى، ستجد أن الطرق السريعة أو الدائرية أصبحت مخنوقة وأصبحت شبه مغلقة بسبب التريلات التي تملأ الطرق وتتبختر وتسير بالتوازى وأقصى اليسار، ستجد عشرات السيارات الملاكى تسير دون لوحات، وسترى 90% من سائقيها يتحدثون في الموبايل، وستشاهد مئات من بلطجية الميكروباصات ونصف النقل والتكاتك يغلقون الطرق ويسيرون عكس الاتجاه في أريحية واطمئنان تام يهددون أرواح الناس، ستشاهد المئات من معدومى الضمير والأخلاق الذين ينتهكون حرمات الطريق بالوقوف والانتظار في منتصف الشوارع ليعطلوا السير بالساعات.

لكن أين ضباط المرور من كل هذا "الإرهاب المرورى" الذي يرتكب كل يوم وكل ساعة؟! لو وقف ضابط مرور في الأماكن التي ترتكب فيها المخالفات واتخذ إجراءً ضد هؤلاء المجرمين، ساعتها لن يجرؤ أحد على المخالفة.

الإرهاب ليس فقط تفجيرات وقنابل ورصاص يستخدمه أعداء الوطن والخونة والمجرمون لقتل الأبرياء، الإرهاب أيضا هو هؤلاء المستهترون الذين يريقون دماء الأبرياء جراء مخالفتهم لقوانين المرور، وأعنى بهؤلاء وعلى رأسهم سائقو الشاحنات الذين صدر بشأنهم عشرات القرارات بحظر سيرهم نهارا، لكنهم يثبتون دائما أنهم أقوى من الدولة.

بعد ثورتين في مصر، وبسبب فوضى الموتوسيكلات والتكاتك والميكروباصات والشاحنات وحتى السيارات الملاكى، أصبح الناس يذهبون لعملهم في ساعتين بدلا من ساعة، ويخوضون حروبا نفسية وعصبية وبدنية وهم في الطريق من وإلى العمل، ويواجهون إرهابا مروريا بالسنج والمطاوى من نوع مختلف في كل لحظة، أصبح السائر في شوارع مصر مفقودا، والبعيد عنها مولودا، أنا شخصيا أشعر عندما أدخل منزلى كأننى عائد من حرب أو معركة، وأننى نجوت من الهلاك، كرهت السير في الشوارع، وكرهت النزول من بيتى.

عندما أسير في الشوارع وأذهب من محافظة إلى أخرى، لا أرى شرطى مرور واحدا، وإذا رأيت فإن هدفه هو تحصيل غرامات مالية وليس تحقيق السيولة المرورية، لايجوز ولم يعد مقبولا أن تترك الداخلية المرور في الشوارع الرئيسية والطرق فريسة للفوضى بهذا الشكل.

إذا كانت الكوارث والمصائب الكبرى هي التي ستجبر الدولة على الاستفاقة من غيبوبتها وعلاج أورامها السرطانية المؤجلة بطريقة الاستئصال وليس بالمسكنات، فيؤسفنى أن أقول "يا أهلا بالمصائب".

الجريدة الرسمية