رئيس التحرير
عصام كامل

هذا "الراحل" جلب لمصر 2 تريليون جنيه


ماذا لو لم يؤمم عبد الناصر قناة السويس؟.. سؤال أطرحه على أولئك الذين يهيلون التراب على إنجازات هذا الرجل، وأعمتهم الكراهية السوداء عن رؤية الكثير مما حققه لمصر.


الحقيقة أنه لا السادات ولا مبارك كانا يملكان شجاعة الإقدام على مثل هذا القرار، فالسادات الذي سار على نهج عبد الناصر الاشتراكي بـ "أستيكة" خاض حرب 73 من أجل انتصار مؤقت وتفاوض دائم، وكان مؤمنا بأن 99% من قواعد اللعبة في يد أمريكا، وولى وجهه شطر واشنطن، ولعبت المخابرات الأمريكية والغربية على وتر "تركيبته الاستعراضية"، ونجحت في استمالته تجاه المعسكر الرأسمالي بمنحه تارة لقب "أشيك رئيس في العالم"، وتارة أخرى جائزة "نوبل للسلام"، هذه التركيبة الساداتية لم تكن تجرؤ على اتخاذ قرار التأميم والوقوف في وجه الثلاثة الكبار، أمريكا وإنجلترا وفرنسا.

أما "المخلوع" فقد سار على نهج السادات بـ "المسطرة" وواصل الارتماء في أحضان أمريكا، ولم يكن يملك سوى الرضوخ لمطالب واشنطن دون نقاش أو اعتراض؛ اقتناعا منه بملكيتها لمفاتيح بقائه على كرسي السلطة وإزاحته عنها، بدليل أنه أرسل فورا قوات مصرية للمشاركة في تحرير الكويت من صدام دون نقاش؛ استجابة لإشارة من بوش الأب.

المؤكد أن أي رئيس مصري بعد عبد الناصر لم يكن يجرؤ على اتخاذ قرار تأميم القناة؛ لأن أحدا لا يضاهيه في الشجاعة والوطنية، صحيح أنه كان مدفوعا برفض البنك الدولي تمويل الحكومة المصرية لبناء السد العالي، وصحيح أن الحكومة البريطانية جمدت الأرصدة المالية لمصر في بنوكها في أعقاب القرار، وصحيح أن مصر دفعت ثمنا غاليا من دماء أبنائها جراء العدوان الثلاثي لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل..
ولكن دعونا نحسب بالحسابات البراجماتية، الملايين التي كانت ستحرم منها خزينة مصر يوميا ما لم يكن ناصر امتلك شجاعة الإقدام على مثل هذه الخطوة في 26 يوليو عام 1956، وانتقلت بموجبه ملكية القناة من الحكومة الفرنسية إلى مصر.

القناة تدر لمصر نحو 40 مليار جنيه سنويا، ونحو 3.3 مليارات جنيه شهريا، ونحو 330 مليون جنيه يوميا، ولنا أن نتخيل أن هذا الرقم كان سيذهب إلى فرنسا وتحرم منه مصر.. بحسبة بسيطة نستطيع أن نضرب عدد السنوات التي مضت منذ افتتاحها للملاحة العالمية عام 1969 وهي 45 عاما × الإيراد السنوي = تريليون و800 مليار جنيه، أدخلها عبد الناصر لبلاده وهو بين يدي ربه.

أظن أن الكارهين لمصر هم فقط الذين يدعون أن عبد الناصر تعجل في اتخاذ قرار التأميم دون النظر لعواقبه ليحقق مجدًا شخصيًا له، وأنه كان من الممكن تجنب صدام مصر مع الدول الكبرى واستعدائها لو تفاوض مع الشركة الفرنسية أو انتظر حتى نهاية امتياز الشركة في 1968؛ حيث كانت مصر ستسترد القناة دون حروب أو مواجهات.

أرد هنا بأن أنقل ما ذكره المهندس عادل عزت، الرجل الثالث في مجموعة التأميم، حيث قال حرفيا: "جميع الشواهد كانت تؤكد أن الشركة المؤممة كانت تسعى لمد الامتياز، وطرحت الفكرة بالفعل على الحكومة المصرية، وعندما فشلت في ذلك طرحت مسألة تدويل القناة، وفشلت أيضًا".

وفي حالة انتظار انتهاء مدة الامتياز في 1968، لم يكن في الشركة العالمية لقناة السويس مصري واحد في مستوى اتخاذ القرار، كان المصريون يشغلون وظائف بسيطة وهامشية، وكل شئون المجرى الملاحي في يد الأجانب تمامًا، ولم يكن منتظرًا تمصير الشركة أو تصعيد المصريين للمراكز القيادية استعدادًا لتسلمها، لأن الشركة لم تكن تتلقى الأوامر من الحكومة المصرية، وهكذا فإن الانتظار حتى نهاية الامتياز كان يعني انهيار مرفق القناة تمامًا.

في حياة الشعوب تطرح الأفكار وتبقى مجرد فكرة، ولكن العبرة بمن امتلك إرادة التنفيذ، وحفر قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط ظلت فكرة منذ عام 1310 قبل الميلاد، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا على يد الفرنسي ديليسبس في عهد الخديوي إسماعيل عام 1869، وربما كان التأميم أيضا مجرد فكرة، لكن رجلا واحدا اسمه عبد الناصر هو من امتلك شجاعة الفعل وإرادة التنفيذ، تماما كما ظلت فكرة حفر "قناة ثانية" مجرد مشروع على الورق، لكن رجلا واحدا هو الذي نجح في إدخاله لحيز التنفيذ، وسيكتب التاريخ قريبا أن المليارات التي تدخل خزانة الدولة سنويا يقف وراءها رجل اسمه السيسي.
الجريدة الرسمية