المرأة... وأشياء أخرى
كثيرا ما تستوقفنى أحداث..أشخاص..مواقف قد أكون فيها بطلة، أو كومبارس..متفرج، أو قارئ، وليس ما يستوقفنى الحدث نفسه، أو الشخص ذاته.. بل إننى دومًا ما أشرد أمام الحدث، أو أتأمل الموقف..أو أغوص بداخل الشخص.. فتنجلى لى أمور كثيرة، أو هكذا تبدو لى..من هنا كانت إطلالتى على شخص، أو موقف أو خبر ليس لممارسة دور المتأمل فقط..ولكن لعمق قد أراه بداخل أي منهم وأثناء وحدتى التي أقتنصها من يومِ مشحون، أمارس تأملاتى من خلال إطلالتى على يوم يطل... أو يطول
المرأة...والخيار
في فتوى مريضة لأحد الشيوخ النكرة بأوربا حرّم فيها تناول أو لمس الموز والخيار على المرأة في غير وجود محرم؛ لأنها من الممكن أن تُستثار جنسيًا..
ليست الكارثة فقط في هذا السفير المريض الذي يشوه الإسلام ويشوه المسلمات..ولكن أيضا حين تناولتها إحدى الفضائيات، وقامت بعمل استطلاع عن هذا الهزل، وجال "الميكروفون" ليستمع لآراء السيدات والرجال في الخيار والموز. قد يكون الاستطلاع هازئًا بالفتوى..ولكن الإعلام بكل ما يقدمه لا يقدم المرأة إلا على أنها سلعة، أو كائن جنسى فقط.
فعندما تقدم لنا الدراما في رمضان عدة مسلسلات لا تخلو واحدة منها من دور العاهرة التي تظهر كمهنة مُسلّم بها..ففى مسلسل يُقدم لنا العاهرة التائية "قوادة" على لسانها "هي اللى زينا أما تتوب هتشتغل إيه..ما أنا كده تايبة"!! وأخرى تعمل حتى تكوّن نفسها..وأخرى تمارس العهر وتنوى الاعتزال وتتزوج بكل بساطة بمن يقدرها ذهبًا والنموذج المتعارف عليه حين تقدمها لنا الدراما مظلومة ومجبورة، وعلينا ليس فقط تقبل المهنة ومن يعملونها، بل والتعاطف معها.
لا أنكر أن هناك من ظلمهن المجتمع والدولة ولم تُتَح لهن فرصة للتوبة..ولكن أن يقدمهن لنا الإعلام على أنهن فئة عادية وموجودة وتمارس حياتها وتتزوج وتنجب وعلينا تقبلها وما المانع في أن تمتهنها المرأة في فترة كعقد عمل ثم تفئ إلى ربها
فهذا هو (؟؟؟؟؟)
نحن بين بوقىّ تضليل إعلام الخيار...والعهر والذي لا يرى المرأة إلا كما يراها بعقلية موجهة ورجال الدين المتخلفون الذين لا يرون المرأة إلا جسدًا مُثيرا مُستثارا.
فالإعلام..ربما لم يطالع جدران معابد خطت عن حتشبسوت..ونفرتارى..ومريت آمون.. ربما لم يمس كتابًا مقدسًا تحدث عن آسيا..ومريم..وأخت موسى.. ربما لم يقرأ التاريخ فعرف كليوباترا.. وشجرة الدر..ربما كان مغيبًا عن التاريخ المعاصر؛ فجهل العالمة سميرة موسى، والدكتورة درية شفيق.
ولكنه من المؤكد أنه تجاهل عمدا السيدة "فرحانة الرياشية" بالشيخ زويد التي توفيت منذ أيام، وهى من البدويات المجاهدات اللاتى شاركن في تنفيذ عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلى أثناء فترة احتلال سيناء وكانت ضمن خلايا منظمة سيناء العربية.. ماتت "الست فرحانة" وكانت تحلم أن تحج بيت الله الحرام ولم يحقق لها المسئولون حلمها رغم وعودهم، الإعلام لا يرى في نساء مصر إلا أجسادًا يُتاجر بها..ويُصدر هذه الرؤية للعالم، أما رجال الدين...فليتهم يتركون المرأة في حالها، ويركزون على إصدار فتوى لتحريم البرتقال والرمان على الرجال.
المرأة...والجرجير
في إحدى الأسواق، كنت أبتاع بعض حاجاتى...فوقفت عند فلاحة بسيطة تفترش الأرض لأشترى منها بعض الخضراوات، وشدنى حديث هامس بينها وبين رجل ضخم لا تبدو عليه ملامح البشاشة رغم ابتسامته واسترقت النظر إليه لأجد في عينيه لها نظرة ذئب، ما جعلنى أتباطأ في انتقاء "حزمة الجرجير" لتصل لأذنى كلمات يراودها بها عن نفسها.. كانت السيدة تسكت حينًا في تردد، وتتجاهله حينًا آخر، ولكن عدم حزمها ونهرها له جعلنى أتوقع وأخشى أن تستجيب له، وتقع في براثنه.
انتقيت من عندها كمًا من الخضراوات مما لا حاجة لى به؛ لأضع في يدها مبلغًا أكبر.. وانصرفت ومازال الذئب ينتظر فريسته.
غادرت السوق الذي لا أرتاده كثيرا، وأنا عازمة أن أجعل كل مشترٍ يشتري من أي سيدة بسيطة لا تغرى بضاعتها الآخرين.
فهذه السيدة ومثيلاتها، والتي قد تكون جاءت من الريف تحمل على رأسها أحمالًا من البضاعة البسيطة؛ لتهبط إلى المدينة رغبةً في مكسب أكبر وقروشًا تزيد عن إذا ما باعتها في نفس قريتها..هذه السيدة لم تقطع سفرا وتحمل أوزانا لثبت ذاتها..أو تخترق سوق العمل وتشارك فيه..لم تأتِ إيمانًا منها بدور المرأة، ولا لتعتمد على نفسها..هذه السيدة خرجت من بيتها وقريتها تاركة أطفالها لتعود لهم بقوتهم..هذه السيدة إن لم تعد لأطفالها بما يكفيهم..فربما باعت شيئا آخر لتكفِهم عضة الجوع، ولسعة البرد.
وإن تركها اليوم ذئب..فسوف يتربص بها آخر غدًا.
الفقر والعوز والجهل والمسئولية...كلهم دوافع للزلل.. المجتمع الذي يظلم المرأة... ويُعين نفسه قاضيا وجلادا...عليه أن يعاونها ويحميها. لا تكونوا حجرا تُرمى به الزانية ويحفكم الزهو إذا أنتم الشرفاء وقد عافاكم الله...بل كونوا اليد التي لا تدفعها للزلل، بل وتشدها عن الوقوع في الرذيلة.
المرأة...والبطيخ
تكتظ الجرائد المصرية بأخبار المرأة..ليس عن إنجازاتها..ولا قضاياها، ولا حتى مطبخها..إنما عن الجرائم والعنف الذي يرتكب ضدها..فمنذ أسابيع طالعتنا إحدى الصحف بجريمة بشعة تمت في أيام الشهر الكريم.. فقد قام ثلاثة أشقاء في "بنها" بذبح والدتهم وزوجها أثناء تناولهم وجبة السحور انتقاما منها وقد تزوجت بعد وفاة والدهم..قد تغلب النزعة الذكورية على هؤلاء الوحوش، فيرفضون زواج والدتهم، ولكن تلك النزعة هي التي أعطت لنزعتهم الإجرامية جواز مرور لقتلهم والدتهم التي لم تفعل الفاحشة، ولكنها فقط "تزوجت".
والجريمة الأخرى التي تمت أيضا في نهار رمضان هي تلك الزوجة المصرية البسيطة شأنها شأن سائر الزوجات اللاتى ينشدن لأزواجهن الصحة والعافية كى" يفتروا عليهن بعد ذلك" فقد طلبت الزوجة من زوجها الإقلاع عن تعاطى المخدرات والذهاب للمصحة، فرفض وطعنها وقتلها هي وجنينها.
أما الجريمة التي استوقفتنى فهى ليست في المجتمع المصرى، فقد قبضت شرطة ولاية "كونيتيكت" الأمريكية على رجل طعن بطيخة بطريقة عدوانية، وترك السكينة فيها، ما أخاف صديقته فأبلغت عنه، ووجهت له الشرطة تهمة التهديد من الدرجة الثانية نتيجة لسلوك مضطرب، وحولت قضيته لخدمات حماية الأسرة.
المرأة في مجتمعنا...
حين تكون أمًا فهى تعمل "مرمطون"..ويُقال لها الجنة تحت أقدامك.
وحين تكون زوجة فهى تعمل "خادمة".. ويُقال لها الجنة طاعة لزوجك.
وحين تكون فتاة فهى تعمل "عانسًا".. ويُقال لها الجنة لصبرك.
وفى النهاية يخرج علينا رجال الدين ليقولوا إن المرأة أكثر أهل النار.
وفى الحقيقة أن المرأة تريد أن تعيش على الأرض في سلام.. وليس في جهنم انتظار للجنة.
reemelmasry2000@yahoo.com
