رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حلايب وشلاتين.. حكايات من حدود مصر الجنوبية (تقرير)

فيتو

قد ترحل الشموس حينًا وتنزوي الأقمار أحيانًا أخرى، بفعل الغيوم التي تحجب رؤية السماء وقتًا من الزمن، ولكنها تنقشع سريعًا ليعود القمر بدرًا، وتملأ الشمس الأرض دفئًا، وكذلك يأبى مثلث حلايب وشلاتين، إلا أن يكون نجمًا ساطعًا في سماء مصر.


والمبحر في حياة أهالي حلايب وشلاتين، سيدرك منذ الوهلة الأولى مدى انتمائهم لوطنهم الأم مصر، وفي الوقت ذاته مدى تمسكهم بالكثير من العادات والتقاليد الغريبة نوعًا ما عن المجتمع المصرى ولكنها تندرج تحت الموروث الثقافى والقبلى الذي يمثل هوية السكان هناك.

العرف يحكم

يؤكد يوسف بدر محمد، الباحث في شئون القبائل العربية والأفريقية، أنه نظرًا لأن الحياة القبلية تسيطر على كل شيء في مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد، لهذا نجد المجتمع يشبه القالب المشكل من العادات والتقاليد التي يعود أصلها إلى مئات السنين وربما الآلاف، وهذا هو الدافع الرئيسى الذي يجعل الأهالي يحرصون على بقاء هذا العادات بينهم لأنهم يرون فيها جزء من موروثهم الثقافى والتاريخى واستكمالًا للرسالة التي رسخ لها أجدادهم، ويرون في بقائه حفاظًا على هوية الأجيال الحالية والمقبلة.

يشير الباحث في شئون القبائل العربية والأفريقية، إلى أن التركيبة السكانية لأبناء حلايب وشلاتين وأبو رماد، تتشكل من قبيلة «البجا» التي تمثل نسبة 60 في المائة من السكان، وهى قبيلة تضم في طياتها عدة عائلات وبطون أهمها: البشارية، وأكمن، وأبو مرار، وبنى عامر، وتمتد فروعها من مصر وحتى حدود أريتريا، حيث تجمعهم صلات قرابة ومصاهرات، وهناك قبيلة العبابدة، التي تعود جذورها إلى الصحابى عبد الله بن الزبير – رضى الله عنه، وهى قبيلة قدمت إلى مصر مع الفتح الإسلامى واستوطنت في عدة محافظات بالجنوب، ويمثل القاطنين في حلايب وشلاتين من المنتمين إلى هذه القبيلة نسبة 35 في المائة من السكان، أما الـ5 في المائة المتبقية فهى خليط من قبائل العتمن، والرشايدة، والهدندو.

يوضح «بدر»، أن هذه التركيبة السكانية لمثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد، منحت المنطقة توازن وتناسق قبلى وتآلف غير معهود خاصة بين القبيلتين الأكبر «البجا» و«العبابدة»، وخلقت نوع من الترابط الأسرى يعود إلى القواسم القبلية المشتركة بين الجميع، ومن مميزات هذه القواسم المشتركة أنها جعلت القانون العرفى الذي وضع نصوصه مشايخ القبائل هو السائد بنسبة أكبر والقانون المدنى الذي يحكم باقى مصر يكاد يكون ليس له وجود هناك، وهذه الميزة جعلت حوادث القتل والسرقة والتعدى على الحقوق وغيرها من أنواع الجرائم تختفى تمامًا من المنطقة، وفى حال حدوث أي خلاف بين الأهالي هناك فإن مشايخ القبائل هم المعنيون بحله من خلال عقد جلسات المجلس العرفى وإعطاء كل ذى حق حقه في التو واللحظة دون مماطلة، وبمنتهى الحيادية.

أخوة بئر واحد

يؤكد الشيخ عوض هديل، رئيس جمعية العبابدة والبجا، بمحافظة أسوان، وأحد قيادات قبيلة البجا بمثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد، أن أبناء قبيلة البجا، تعود أصولهم التاريخية إلى قبائل عربية تسمى «الكواهل»، وهم الآن يسكنون في مناطق مترامية بين دول مصر، والسودان، وأريتريا، وإثيوبيا، وأنهم وأبناء قبيلة العبابدة «أخوة بئر، وطريق، وجبل واحد».

يشير «هديل»، إلى أن أبناء قبيلة البجا، يتواجدون بنسبة أكبر في مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد، بجانب إنتشار البعض منهم في مدن محافظة أسوان، والبقية منهم تقطن على خط 22 بحدود السودان، وهناك تواصل أسرى دائم بين البجا في مصر وأقاربهم في السودان، وهذا التواصل يأتي كنوع من الود المتبادل بين أولى الأرحام، وليس له أي أهداف سياسية كما يحاول البعض أن يروج، فجميع الأهالي بحلايب وشلاتين متمسكون بهويتهم المصرية ويرفضون أي مساس بهذه الهوية.

يضيف الباحث في شئون القبائل العربية والأفريقية، إلى أن قبائل العرب الكواهل، التي ينتمى إليها أبناء قبيلة البجا، بحلايب وشلاتين، هاجروا من شبه الجزيرة العربية منذ مئات السنين، واستقروا ببلاد النوبة، والتي كانت تحكم جنوب مصر وشمال السودان في ذلك الوقت، وكان الهدف من هذه الهجرة هو البحث عن الكلأ، والذهب والمعادن.

اللهجة البيجاوية

يوضح الباحث في شئون القبائل العربية والأفريقية، أن هناك مجموعة من العادات والتقاليد تسود المجتمع القاطن في مثلث حلايب وشلاتين وأبو رماد، ومن أبرزها اللهجة «البيجاوية»، التي تعتبر اللغة الرسمية لـ75 في المائة من سكان المنطقة، وهى لهجة تنطق ولا تكتب ومن أمثلة كلماتها: «دبايووه» وهى تعنى: كيف حالك؟، و«اسكارووا» ومعناها: أنا بخير، و«درما ندى» أي: أنا أنوى السفر، و«هاشون أرينيى» ومعناها: أنا أحب بلدى، و«أو هاش شاهونو» وتعنى: هذا البلد هو وطنى.

يشير «بدر»، إلى أن أبناء قبيلة «البجا» - الذين يمثلون النسبة الأكبر من سكان حلايب وشلاتين - يتحدثون اللهجة البجاوية، بجانب القليل من كلمات اللغة العربية، وهناك عدد منهم وخاصة قاطنى وديان «ميسح، وأم رسين، وشناى، والشلال، وادلدب، وبئنيت، وكات هيوه، ومنديكاون»، لا يعرفون شيئًا عن اللغة العربية ولا يجيدون سوى التحدث بـ«البجاوية»، وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أن «البجاوية» لغة عرفها ساكنى صعيد مصر منذ قدم التاريخ، وهناك من يذهب إلى أبعد من ذلك ليؤكد أن لغة الفراعنة – الهيروغليفية – اشتقت منها، وأنها مأخوذة من كلمة «بيجا» التي تعنى «مقاتلو الصحراء»، نسبة إلى أن إقامة القبائل التي تتحدث بهذه اللغة أو اللهجة كانت دائمًا وما زالت حتى الآن في الصحراء.

طقوس الأفراح

يوضح شاذلى الغرباوى، أحد مشايخ قبيلة العبابدة بمدينة الشلاتين، أنه بالرغم من أن أبناء حلايب وشلاتين وأبو رماد، يسكن بعضهم في الحضر بمدن حلايب، وشلاتين، وأبو رماد، وآخرون «رحل» يقطنون الوديان والصحارى، إلا أن العادات والتقاليد المتشابهة توحد الجميع، ففى الزواج مثلًا يقدم العريس، 5 رءوس من الخراف، مهرًا لعروسه، ويكون صداق المؤخر ناقة من الإبل، ومن يرزق بمولود جديد يصبح من الواجب على الجميع إهداء أبويه رأسًا من الماعز، أو أنثى من الغنم، أو ناقة، بحسب الحالة المادية لكل شخص، وتكون كل الرءوس المهداة ملكًا للطفل الصغير ووالده هو القائم على رعاية هذا المال حتى يكبر الصبى ويكون القطيع ملكًا له.

يرى يوسف بدر، أن طقوس الزفاف من ضمن الأشياء التي يتميز بها أبناء حلايب وشلاتين، حيث يستمر الفرح الواحد مدة لا تقل عن 5 أيام ولا تزيد عن 7 أيام، وأهم هذه الأيام أربعة تبدأ بليلة «التربلة» وتسمة ليلة الحنة الصغرى، وخلالها تحمل السيدات الغير واضحات المعالم السيوف في أيديهن، ويرقصن على قرع الدفوف وتصفيق الرجال الذين يصنعون ما يشبه الدائرة، واليوم الثانى يسمى ليلة التهادى، ويقوم خلالها أبناء القرية أو الوادى بإهداء الذبائح إلى العريس فيما يسمى الواجب، واليوم الثالث يطلقون عليه ليلة الحنة الكبرى، أو «الدموكة»، حيث تنحر الذبائح عند أهالي العريس والعروس وتقام مآدب الطعام لجميع سكان الوادى أو المدينة والضيوف الحاضرين.

جلد الضيوف

يشير الباحث في شئون القبائل العر بية والأفريقية، إلى أن آلة السمسية من الأشياء المميزة لـ«ليلة الحنة»، ويطلق عليها الأهالي آلة «الحظ» نظرًا لعزفها أعزب الألحان، التي يرقص على أنغامها الشباب وهم يتبارزون بالسيوف وتزغرد النساء لأمهر شاب منهم، واليوم الرابع يسمى بليلة الدخلة، وتمارس خلاله العديد من العادات والتقاليد الموروثة من الآباء والأجداد، ومن أغربها قيام العريس بـ«جلد» الحاضرين بالكرباج، وفى الموروث القبلى للأهالي هناك تشير هذه العادة إلى إحتفاء العريس بمن حضروا لمشاركته الفرحة، وإذا حدث وإمتنع العريس عن جلد أحد الضيوف فهذا دليل على أنه يكره حضور هذا الشخص لفرحه، ويغادر الأخير على الفور مكان الاحتفال وهو مصاب بشئ من الضجر والحزن.

تنص شروط الزفاف في حلايب وشلاتين، كما يؤكد «بدر»، على تحريم إقامة الأفراح في شهر ربيع الأول، لأنهم يعتبروا أن هذا الشهر مناسبة للاحتفال بالمولد النبوى الشريف فقط، وأن من يقدم على الزواج خلاله يرتكب فعلًا قبيحًا يجر عليه ويلات تلحق به مما يسمى بـ«الفأل السيئ»، وأيضًا من تقاليد الزفاف هناك بقاء العريس وعروسه أربعين يومًا بلياليهم داخل بيت والد العروس – عند بعض العائلات - وسنوات متتالية عند عائلات أخرى، ينامون خلالها على «العنجريب»، وهو سرير مصنوع من الخشب وجريد النخيل، ثم بعد ذلك يغادرون للإقامة في منزلهم الذي أعد لهم قبل الزفاف ولا يستطيع واحدًا من الشباب مخالفة هذه العادات أو التمرد عليها.
Advertisements
الجريدة الرسمية