رئيس التحرير
عصام كامل

من حفر حفرة لأخيه!

في قديم الزمان كان هناك ساقٍ يبيع الماء للناس في الأسواق اسمه جميل، وقد أحبه كل الناس لحسن خلقه ولنظافته. وذات يوم سمع الملك بهذا الساقي فقال لوزيره: اذهب وأحضر لي جميل الساقي.


ذهب الوزير ليبحث عنه في الأسواق إلى أن وجده وأتى به. قال الملك لجميل: من اليوم فصاعدًا لا عمل لك إلا عندي.. ستعمل هنا في قصري تسقي ضيوفي وتجلس بجانبي تحكي لي طرائفك التي اشتهرت بها. قال جميل: السمع والطاعة لك يا مولاي.

في القصر
عاد جميل إلى زوجته يبشرها بالخبر السعيد، وفي الصباح لبس أحسن ما عنده وغسل جرته وقصد قصر الملك. دخل الديوان الذي كان مليئًا بالضيوف وبدأ بتوزيع الماء عليهم، وكان حين ينتهي يجلس بجانب الملك ليحكي له الحكايات والطرائف المضحكة، وفي نهاية اليوم يقبض ثمن تعبه ويغادر إلى بيته. بقي الحال على ما هو عليه مدة من الزمن، إلى أن جاء يوم شعر فيه الوزير بالغيرة من جميل بسبب المكانة التي احتلها بقلب الملك.

وفي اليوم التالي حين كان الساقي عائدا إلى بيته تبعه الوزير، وقال له: يا جميل إن الملك يشتكي من رائحة فمك الكريهة.
تفاجأ الساقي وسأله: وماذا أفعل حتى لا أؤذيه برائحة فمي؟
فقال الوزير: عليك أن تضع لثامًا حول فمك عندما تأتي إلى القصر.
فقال جميل: حسنًا سأفعل.

وعندما أشرق الصباح وضع الساقي لثامًا حول فمه وحمل جرته واتجه إلى القصر كعادته. فاستغرب الملك منه ذلك لكنه لم يعلق عليه، واستمر جميل يلبس اللثام يومًا بعد يوم إلى أن جاء يوم وسأل الملك وزيره عن سبب وضع جميل للثام.. فقال الوزير: أخاف يا سيدي إن أخبرتك قطعت رأسي.

مكيدة
فقال الملك: لك مني الأمان فقل ما عندك.
قال الوزير: لقد اشتكى الساقي من رائحة فمك الكريهة يا سيدي.
انزعج الملك وأخذ رأي الوزير في حجم العقاب الذي يقترح أن يقع على الساقى.. فقال الوزير: لابد من قطع رأسه يا سيدي ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه الانتقاص منك.

فقال له: ونعم الرأي.
واستدعى الملك الجلاد وقال له: من رأيته يخرج من باب قصري غدًا حاملًا باقة من الورد اقطع رأسه.
وفى الصباح حضر الساقي كعادته، وقام بتوزيع الماء وحين حانت لحظة ذهابه أعطاه الملك باقة من الورد هدية له، وفي طريقه للخروج التقى بالوزير فقال له الوزير: من أعطاك هذه الورود؟
قال جميل: الملك.
فقال له: أعطني إياها فأنا أحق بها منك.

الجزاء
فأعطاه الساقي الباقة وانصرف. وعندما خرج الوزير رآه الجلاد حاملًا لباقة الورد فقطع رأسه! وفي الغد حضر الساقي كعادته ملثمًا حاملًا جرته، وبدأ بتوزيع الماء على الحاضرين، فتعجب الملك لرؤيته لظنه أنه ميت، ونادي عليه وسأله: ما حكايتك.. مع هذا اللثام؟
قال جميل: لقد أخبرني وزيرك يا سيدي أنك تشتكي من رائحة فمي الكريهة وأمرني بوضع لثام على فمي كي لا تتأذى.

فسأله: وأين باقة الورد التي أعطيتك إياها بالأمس؟
قال جميل: أخذها الوزير، وقال لي إنه أحق بها مني.
فابتسم الملك وقال: حقًا هو أحق بها منك، لأن حسن النية مع الضغينة لا تلتقيان.
الجريدة الرسمية